كيف تطورت العين؟


لا بد أن العين هي العضو الأكثر إبهارًا في الطبيعة، فهي مدخلنا كبشرٍ في استكشاف ما حولنا، من خلال وظيفة الرؤية التي نستخدمها للقراءة وللتواصل فيما بيننا، إلا أن هذا العضو الرائع لم يصل إلى ما هو عليه إلا بعد ملايين السنين من التطور.

إذا سألت شخصًا ما عن وظيفة العيون عند بقية الكائنات الحية، فسيجيبك بالتأكيد أنها مماثلة لوظيفتها عند البشر، إلا أن هذا جوابٌ خاطئ. يقول الباحث في جامعة لوند في السويد إيريك نيلسون أن قنديل البحر -cubomeduse- مثلًا لديه ٢٤ عينًا مقسمة إلى أربع مجموعات، تحوي كل منها ست عيون، أربعة منها شقوقٌ بسيطة وظيفتها الكشف عن الضوء فقط، وتساعد في معرفة العمق الذي يتواجد عليه الكائن بالإضافة عن استكشاف وجود فريسة محتملة، أمّا الاثنتان المتبقيتان فهي عيون أكثر تعقيدًا، تحوي عدسات مثل تلك التي يمتلكها البشر، وتقوم بتركيز الضوء القادم إلى الخلايا المستقبلة (photoreceptors) لتكوين صورة ولكن بجودة ضعيفة.

لحسن حظ العلماء، تحوي مملكة الحيوان أنواعًا مختلفة من العيون تساعدنا في فهم المراحل التطورية التي مرّ بها هذا العضو، من العيون التي ترى باللونين الأبيض و الأسود إلى العيون القادرة على تمييز جميع ألوان قوس قزح، بعضها غير قادر على تمييز الأشكال، وبعضها الآخر قادر على رؤية فريسة تركض على بعد عدة كيلومترات.

أصغر العيون حجمًا هي تلك التي عند نوع من الدبابير الميكروسكوبية، أمّا أكبرها فتلك الموجودة عند الحبار (السبيدج) العملاق،هذه الأخيرة مماثلة لتلك التي يمتلكها البشر، وتعمل بشكل مشابه لكاميرا التصوير، فتملك كل عين عدسة واحدة تقوم بتوجيه الفوتونات نحو الشبكية التي تحوي خلايا حساسة للضوء، تقوم بدورها بتحويل الإشارات الضوئية إلى أخرى عصبية.

عيون الذباب مثلًا هي عيونٌ أكثر تعقيدًا، تحوي كل واحدة منها آلاف الوحدات المستقلّة، وتمتلك عدسةً و شبكيةً خاصة بها.

بدأ تطور العيون منذ قرابة ٥٥٠ مليون سنة، بعد أن ظهرت بروتينات حساسة للضوء في الكائنات وحيدة الخلية، ويمكن تقسيم هذا المسار التطوري إلى أربعة مراحل أساسية:

١- المستقبلات الضوئية البسيطة: وهي عبارة عن تجمع خلايا حساسة للضوء قادرة على التمييز بين النور والظلام فقط دون تمييز مصدر الضوء أو اتجاهه (مثل دودة الأرض)، كما يمكن أن تكون هذه الخلايا موجودة بشكل متفرق على جسد الكائن، مثل نوع من الجوفمعويات يدعى الهيدرا.

٢- المستقبلات الضوئية القادرة على تمييز اتجاهات الضوء: و ذلك بفضل ظهور ظهارة صباغ الشبكية (RPE) وهي عبارة عن درعٍ واقٍ للخلايا المستقبلة ويساعد في تحديد مصدر الضوء واتجاهه، توجد هذه العيون عند الدولابيات مثلًا، وهي حيوانات مجهريّة مائيّة، كما تنشأ لدى الديدان الأسطوانية (nematoda) وصغار القناديل.

٣- العيون ذات الرؤية منخفضة الجودة: بعد اكتساب الدرع، تقوم الخلايا المستقبلة بتشكيل تجمعات باتجاهات مختلفة بشكل بسيط عن بعضها الآخر، وهذا ما يكسب الكائن إمكانية تمييز الأضواء الآتية من اتجاهات مختلفة وتشكيل ما يشبه صورة منخفضة الجودة، تملك الديدان المسطحة والحلزون الرصاصي والقناديل البالغة مثل هذه العيون.

٤- العيون ذات الجودة العالية: وفيها تظهر العدسة، القرنية، القزحية،… مما يساعد في تركيز الضوء على الشبكية و تشكيل صورة واضحة، كما عند الإنسان والأخطبوط والذباب…

● تحوي كل عين لدى الإنسان حوالي ١٠٧ مليون خلية حساسة للضوء.

● ترى العين البشرية ثلاثة ألوان فقط، هي الأزرق والأحمر والأخضر، إذ أنّ الألوان الأخرى هي مجرد تداخلات لهذه الألوان الثلاثة (مقال “كيف تعمل العين” على هذا الرابط: إضغط هنا).

لا بد من الإشارة إلى أن العيون بتنوعها تعتمد على نفس العناصر الأساسية للقيام بوظيفتها، وهي الأوبسيينات (opsins) والكروموفور (chromophores) اللذين يعملان سويًا من أجل تحويل الفوتونات إلى شحنات كهربائية.

يوجد آلاف الأوبسينات المختلفة، ولكنها تنتمي جميعًا إلى نفس العائلة ويرجع أصلها إلى سلف مشترك واحد؛ هذا ما أظهرته دراسة جينية قام بها الباحث من جامعة هاواي في مانوا ميغان بورتر ، لم يأتِ هذا السلف من العدم، بل أتى من جزيئات أخرى كانت تعمل على شكل منبّه، فقد كانت مرتبطة ببروتين، يسمى ميلاتونين (melatonins) يوجد عند العديد من الكائنات وينظم عمل الساعة البيولوجية، ويدمّر فور تعرضه للضوء؛ لذا كان غياب هذا البروتين يشير إلى طلوع النهار، وكان الكائن يعيد تصنيعه فور حلول الظلام.

من ناحية أخرى، تُعتبر العدسات المحيطة بالعين أيضًا متنوعة جدًا من ناحية المكونات والأداء.

● عيون الحشرات لديها دقة زمنية عالية جدًا؛ يمكنها رؤية ما يقارب ٣٠٠ صورة في الثانية، أي ما يفوق تلك مقدرة العيون البشرية بمعدّل ٦ مرات.
● عيون الانابلس، أو السمكة ذات “العيون الأربعة”، تنقسم أفقياً إلى قسمين سامحة لها بالرؤية بشكل واضح تحت و فوق الماء.
● عيون النسر عالية الأداء، فهو يرى الصورة مكبرة بحجمٍ يقارب ضعفي ونصف ما تراه عين الإنسان.
● يمتلك أحد أنواع القريدس (جمبري) ١٢ مستقبلًا للألوان (مقابل ٣ عند البشر كما ذكر أعلاه)، ويمكنه تمييز الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية.

من الواضح لدى الباحثين أن تطور العيون يرتبط بشكل مباشر بالوظائف التي يقوم بها كائن ما، وأن العيون تطورت عبر مسارات متشعبة، ورغم روعة هذا العضو، إلا أنه ولا سيّما عند البشر، ليس مثاليًا؛ يوجد حوالي ٢٨٥ مليون شخص حول العالم مصابين بمشاكل بصرية، من بينهم ٣٩ مليون شخص أعمى، كل هذه المشاكل لها أسباب خارجية وأسباب عضوية سوف نتكلم عنها قريبًا في مقال منفصل.

إنفوجرافيك “50 حقيقة مذهلة عن العين البشرية” على هذا الرابط: إضغط هنا

14344344_1111117852301618_2394972468434843975_n

14329919_1111117675634969_3508675763147929502_n

14333720_1111117775634959_1748441743359654935_n

14368731_1111117735634963_1680851978284291784_n

14330172_1111117822301621_4513027834885023975_n


إعداد: سامح عبيد
تدقيق: ملك عفونة
المصدر الأول
المصدر الثاني