تعابير وجهك، ليست مألوفة حول العالم كما تظن


عندما تضحك، قد تشعر بأنَّ الدنيا كلها تضحك معك، ولكن دراسة جديدة تشير أنَّ البعض من تعابير وجهك قد لا تكون مفهومة عالميًا. وفي الواقع فالعديد من التعابير المفهومة بشكل شائع في الغرب -بما فيها تعبير الخوف- تحمل معانٍ مختلفة تمامًا عند السكان الأصليين في المجتمعات المعزولة في «بابوا غينيا الجديدة». وهذه الاكتشافات الجديدة تطرح أسئلة حول بعض المبادئ الهامة في نظرية العاطفة، ومن الممكن أن تُضعِف من التكنولوجيا الحديثة مثل الروبوتات وبرامج الذكاء الصنعي المُكلَّفة بقراءة مشاعر الناس.

ولأكثر من قرن، تساءل العلماء عما إذا كان كُل البشر يختبرون المدى «المجال» الأساسي نفسه من المشاعر، وإذا كانوا يختبرونه بالفعل فهل كانوا يُعبِّرون عن هذه المشاعر بنفس الطريقة. وفي سبعينيات القرن التاسع عشر كان هذا السؤال الجوهري الذي بحث فيه (تشارلز داروين- Charles Darwin) في كتابه (التعبير عن المشاعر عند البشر والحيوانات- The Expression of the Emotions in Man and Animals). ومع قدوم ستينات القرن العشرين، اكتشف عالم النفس الفخري (بول ايكمان- Paul Ekman) طريقة «منهجيَّة» مقبولة لدراسة هذا السؤال وذلك بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو.

وقد قام بول بعرض مجموعة من الصور لسكان غربيين يحملون تعابير وجه مختلفة على السكان المُقيمين ضمن ثقافات معزولة منها «بابوا غينيا الجديدة»، ومن ثم قام بسؤالهم عن المشاعر التي تحملها هذه الصور.

وقد ظهرت تجارب لـ (ايكمان- Ekman) في وقت مبكر. فمن الغضب إلى السعادة إلى الحزن إلى المفاجأة، بدت تعابير الوجه مفهومة على نطاق واسع حول العالم، كاستجابة فطرية بيولوجيَّة نحو هذه المشاعر.

ويقول (جيمس راسل- James Russell)، وهو عالم نفس في جامعة بوسطن و مؤلف الدراسة الحالية: «بقيت هذه الاستنتاجات دون منازع لحوالي 50 عامًا تقريبًا، وما زالت تبرز في العديد من كتب علم النفس وعلم الإنسان». ولكن في العقود القليلة الماضية، كان العلماء قد بدأوا بالتشكيك في منهجيَّة وادعاءات الدراسات السابقة، وكان عالم النفس (كارلوس كريفيلي- Carlos Crivelli) واحد من هؤلاء العلماء. ففي عام 2011 كان يعمل مع زميله عالم النفس (خوسيه ميكيل فيرنانديز دولس- José-Miguel Fernández-Dols) في جامعة مدريد المستقلة، ومعًا قاما بابتكار خطة من أجل البحث في دراسة ايكمان الأولية في «بابوا غينيا الجديدة».

وقد قام كريفيلي مع -صديقه القديم وشريكه بالبحث- (سيرجيو جاريلو- Sergio Jarillo) عالم في علم الإنسان في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في نيويورك بالسفر إلى جزر كيريوينا*(1) قبالة الساحل الشرقي لبابوا غينيا الجديدة، حيث يعيش حوالي 60000 من سكان الجزيرة الأصليين. فهؤلاء المزارعون وصيادو السمك معزولون تاريخيًا عن اليابسة في «بابوا غينيا الجديدة» وعن العالم الخارجي أيضًا. ومن أجل أن يتعلما أكثر ما يمكن، اندمج كريفيلي وجاريلو مع الثقافة المحلية، حيث قامت العائلات المُضيفة بتبنيهما وأخذا أسماء العشائر هناك. وأصبح كريفلي من عشيرة (كيلاكاسي- Kelakasi) وجاريلو أصبح من عشيرة (تونوغوا- Tonogwa)، وأمضيا عدة شهور بتعلُّم اللغة المحلية (الكيليفيلا- Kilivila). ومع قدوم الوقت لبدء بحثهم، لم يعودوا بحاجة إلى مترجمين أو مُرشدين محليين.

وقام العالِمان ببساطة بعرض مجموعة من صور الوجوه المستخدمة في البحث النفسي (الدراسات النفسية) على 72 طفل تراوحت أعمارهم بين التاسعة والخامسة عشرة من قرى مختلفة، ثم سألوا نصف المشاركين «سكان جزيرة كيريوينا» بربط كل صورة بأحد المشاعر الموجودة في القائمة التي تضمنت: «الفرح، الحزن، الغضب، الخوف، الاشمئزاز والجوع» والنصف الآخر تم إعطاؤهم مهمة أخرى.

ووجد كريفلي أنَّ المشاركين ربطوا الابتسامة مع الفرح تقريبًا في كُل مرة. ولكن النتائج لبقية المجموعات كانت متفاوتة. فعلى سبيل المثال لم يستطع المشاركون الاتفاق إلى حد بعيد على المشاعر التي تتقابل مع الوجه المُقطَّب «المتجهم»، وكان الأمر مماثلًا في تعبير العبوس، وتعبير قطب الأنف والتعبير المحايد. ومع ذلك كان هنالك تعبير وحيد اتفق العديد منهم عليه «وجه مبهور، مفتوح الشفتين، ومُتَّسع العينين» هذا الوجه المقرون بشكل شبه مألوف لجميع الغربيين مع مشاعر الخوف والخضوع، فقال عنه سكان هذه الجزيرة أنَّه يبدو غاضبًا.

ومتفاجئًا، قام كريفيلي بعرض الوجوه نفسها على مجموعات مختلفة من سكان الجزيرة، ولكنه قام بصياغة سؤاله على شكل قصة، فعلى سبيل المثال «مَن مِن هؤلاء الناس يرغب في بدء قتال ؟؟» وذلك لكي يحصل على سياق أكثر لتساؤلاته، وهم أيضًا قاموا بربط الوجه المدهوش مع السلوك المهدد. ويقدِّم كريفلي اليوم تقاريره في اجتماعات الأكاديمية الوطنية للعلوم.

ويقول كريفيلي: «إنَّ هذه النتائج كبيرة بالفعل، فهي تقترح وبقوة أنَّه على أقل تقدير فهذه التعابير الوجهيَّة ليست مألوفة لدى جميع الثقافات، بل إنَّها بدلًا من ذلك خاصة بكل ثقافة».

ويشرح راسل: «إنَّ هذا لا يعني أنَّ العواطف لا تُثير ردة فعل فيزيولوجيَّة طبيعيَّة، ولكن الدراسة تُشير إلى أنَّ ردود الأفعال والتفسيرات قد تختلف من ثقافة لأخرى». فعلى سبيل المثال، يظن راسل أنَّ تعبير الوجه المبهور قد يكون استجابة طبيعيَّة للحالات الطارئة والضغط «أو المِحن». بينما ارتبط في الثقافات الغربية هذا التعبير مع الشعور بالخوف، ومن الممكن أن سكان جزيرة كيريوينا يقومون بربط التعابير من خلال ترسيخها. كما ويوافقه كريفيلي رأيه ويُشير إلى حضارة الماوري في «نيوزيلندا» التي تُمارس رقصاتها الشعائريَّة ضمن أسلوب التهديد وبنفس تعابير الوجه أيضًا.

ويؤيد راسل من خلال أبحاثه فكرة يدعوها بـ «العالمية الدنيا» (أو العمومية الدنيا)*(2) وهي تقول أنَّ العدد المحدود للطُرق التي تتحرَّك فيها عضلات الوجه تصنع نماذج أساسيَّة «محددة» من التعابير التي تُنتقى من الحضارات حتى تكتسب معناها.

وإذا كان هذا هو الحال في الواقع، فيقول راسل أنَّ هذا التنوع الثقافي في تعابير الوجه سوف يُشكِّل تحدّيًا للتكنولوجيا الناشئة والتي تطمح أن تُفسِّر وتتفاعل مع المشاعر البشريَّة مثل «برامج التعرُّف على المشاعر» والتي تُصمَّم لمعرفة إذا كان البشر يكذبون أو يُخطِّطون لأذيةٍ ما (أي فعل عنيف).

وكتبت (ديسا سوتر- Disa Sauter) عالِمة نفس في جامعة امستردام في رسالة إلكترونيَّة: «إنَّ هذا عمل جديد وتحدٍ ممتع لهذا الاعتقاد المُسمَّى بـ (أطروحة العالمية)»، وتُضيف ديسا: «أرغب في مشاهدة تكرار هذا البحث باستخدام مشاركين بالغين، إضافةً إلى التجارب التي تطلب من الناس عرض وجوه غاضبة ومهددة وليس فقط تفسير الصور المعروضة عن هذه التعابير. وسوف يكون هامًا أن نختبر إذا كان هذا النمط من تعابير(الخوف) المرافقة للغضب أو التهديد موجودًا عند صناعة تعابير الوجه، بما أنَّ أطروحة العالميَّة تُركِّز أساسًا على الإنتاج بدلًا من التصوُّر (الادراك)».

كما ويقول عالِم النفس الإجتماعي (آلان فريدلند- Alan Fridlund) في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا: «إنَّ مستوى الاندماج الذي قام به الباحثون في ثقافة سكان جزيرة كيريوينا يُوفِّر لهم رؤية فريدة حول تعبير (أو مظهر) التهديد لديهم، إضافةً إلى أنَّ عدم اعتمادهم على مترجمين قد حسَّن من دقة الدراسة». ويُضيف: «أظن أنَّ الأهمية الحقيقية لهذا البحث تأتي من معرفة المشاركين به بشكل كبير».

ويتابع آلان قائلًا: «إنَّ طريقة العرض السريعة للصور هذه قد لا تكون الأفضل في تحليل رؤية الناس لتعابير الوجه المختلفة، ففي النهاية وفي الحياة اليومية يرى الناس تعابير الوجه في سياقٍ ما يحدث من حولهم.

ويقول فريدلند أيضًا: «هنالك مشكلة أخرى في تصميم الدراسة، فالسعادة كانت الخيار الوحيد لسكان الجزيرة لاختيار العاطفة الإيجابية، وهذا قد يكون حيز النتائج. فعلى سبيل المثال، لو أضاف الباحثون شعور الاطمئنان والتسلية كإجابات، فهذا الاتفاق الظاهر حول الابتسامة قد يزول».

وعلى الرغم من موافقة فريدلند بشكل واسع على نتائج الدراسة، فهو يشك بأنَّها سوف تستطيع تغيير رأي العنيدين المقتنعين بأنَّ فقاعة العواطف تأتي لاحقًا من خط مشترك.

فيقول فريدلند: «برزت المدرسة الفكريَّة لـ «لايكمان» مثلًا في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية عندما كان الناس يبحثون عن أفكار تُعزِّز من إنسانيتنا المشتركة. ولا أعتقد أنَّ الدراسة سوف تغير من رأي الناس، لأنَّ لديهم أسباب عميقة تجعلهم يلتزمون إما بالعالميَّة أو بالتنوع الثقافي».

*(1) جزيرة كيريوينا: الترجمه العربية لاسم تروبراند و يدعى سكانها التروبرانديين و قد أشرت اليهم بسكان جزيرة كيريوينا.

*(2) العمومية الدنيا: تقول بأن كل الناس تستطيع تخمين أشياء عن الآخرين من خلال تعابير وجههم.


إعداد: عماد دهان
تدقيق: هبة فارس

المصدر

مصدر تعريف العمومية الدنيا