كيف وصل البشر في الماضي إلى أقاصي الأرض؟


ألقى الباحثون ضوءًا جديدًا على أحد أكثر ألغاز تاريخ الاستكشاف الإنساني غموضًا؛ وهو كيف استطاع المستوطنين القدامى الوصول إلى المناطق النائية دون مساعدة الطائرات والسفن وأجهزة تحديد الموقع؟

ركزت الدراسة على منطقة نائية من المحيط الهادي تدعى أوقيانوسيا النائية (Remote Oceania) استوطنت لأول مرة منذ 3400 عامًا تقريبًا، وذلك بفضل مجموعة من أكثر الرحلات التي قام بها نوعنا طموحًا على الإطلاق.

فمن خلال تحليل البيانات المناخية واستخدام محاكيات حاسوبية خاصة، استطاع الباحثون تحديد الطرق الرئيسة إلى جزر تونغا وساموا وهاواي وميكرونيزيا وفيجي التي نعرفها اليوم، ووضعوا خرائط محتملة لكيفية الوصول إلى تلك الجزر في الماضي، وأظهرت تلك الطرق أن أسلافنا كانوا يعرفون الاستفادة من الدورات المناخية.

ويقول عالم الأنثروبولجيا (علم الإنسان) من جامعة أوريغون وأحد أعضاء الفريق سكوت فيتزباتريك (Scott Fitzpatrick)، «درسنا كثيرًا من البيانات المناخية الجديدة وصنعنا العديد من المحاكيات الحاسوبية والتي بدورها كانت مثيرة لإبرازها وتسليطها الضوء على معرفة من أين جاء بعض سكان هذه الجزر في العصور القديمة على الأرجح»

ويضيف: «تستطيع المحاكاة في أي نقطة من الزمن تقييم التالي: إذا غادر شخص ما النقطة أ، فإلى أين من المحتمل أن تحمله الرياح في نهاية المطاف؟ ومن الممكن أيضًا وضع نماذج لرحلات موجهة، فإذا كان أحد الأشخاص يعلم إلى أي مكان ستصل الرحلة، فكم من الوقت ستحتاج هذه الرحلة؟»

namnlos

وجد فيتزباتريك وزملاؤه الطرق الأقصر حيث كانت الظروف المناخية أكثر ملائمة لرحلة بحرية ويقترحون أنّ ظاهرة التذبذب الجنوبي إلنينيو (El Niño–Southern Oscillation)أو التحولات في الرياح والهواء الدافئ قد لعبت دورًا، ويعتقدون أنّ المستوطنين ارتحلوا في أوقات تتطابق مع أوقات حدوث هذه الظاهرة (كل ثلاثة إلى سبعة أعوام) التي تجعل رحلهم أسهل.

تضمنت النماذج صور أقمار اصطناعية جديدة عالية الدقة بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من البيانات التي تغطي السجلات الأثرية، وسجلات الطقس، والتغيرات في مستويات البحر، حيث كشفت نماذج الحاسوب كيف تستطيع قوارب صغيرة أن تقطع مثل هذه المسافات الكبيرة في بعض الحالات نصل إلى 2500 ميلًا (4023 كيلومترًا).

توفر المحاكاة أيضًا تفسيرًا لما يعرف بالوقفة الطويلة (The Long Pause)- وهي فترة من الزمن استمرت لألف عام بدأت حوالي 1000 سنة قبل الميلاد، كان يبدوا فيها البشر في تلك المنطقة أقل ميلًا للمغامرة مما كانوا عليه سابقًا.

وطبقًا للباحثين فإنّ الرياح القوية -إلى جانب عدم وجود تقنيات حديثة – هي السبب وراء تلك الوقفة.

ويقول فيتزباتريك «ما كان يعتقده دائمًا باحثو المحيط الهادي ولم يستطيعوا إثباته بدقة، هو أنّه مع الوقت طور سكان الجزر معرفة كبيرة بالتفاوتات المناخية المختلفة، وتقلبات الرياح المختلفة، والتغيرات البيئية التي أثرّت على بقائهم على قيد الحياة وقدرتهم على الذهاب إلى أماكن معينة.»

وضع الفريق بعض نقاط الانطلاق المحتملة للرحلات، ويقترحون أنّ ساموا كانت أكثر المناطق المرحلية احتمالًا لاستيطان شرق بولينيزيا، بينما أتى مستوطنو هاواي ونيوزلندا من جزر ماركيساس (Marquesas Islands) أو جزر سوسياتي (Society Islands).

ما لم يتم التأكد منه هو السبب الذي دفع هؤلاء البشر للقيام برحلات بين 400-2500 ميل، هل هو البحث عن موارد جديدة أم مجرد الإحساس بالمغامرة؟

ويقول فيتزباتريك «ما الذي قاد إلى تلك الرحلات؟ هذا هو السؤال الأكبر، هل كان ذلك بسبب السياسة؟ أم نتيجة ضغط اجتماعي؟ أسباب عديدة قد تدفع مجموعة لترك مكان والتوجه إلى مكان آخر.»


ترجمة: دانيا الدخيل
تدقيق: أحمد شهم شريف
المصدر الاول
المصدر الثاني