طفرة واحدة، لكنها تعني الكثير!


كلُ ما تطلّبه الأمر كان طفرةً واحدةً , حصلت منذ أكثرَ من 600 مليون عام .
و من خلال هذه الصدفة, نشأت وظيفة جديدة للبروتين ساعدت على انتقال أسلافنا من وحيدات الخلايا الى متعضيات منظمة عديدة الخلايا .

هذا هو السيناريو- المصنوع بواسطة ” السفر الجزيئي عبر الزمن “- الذي نشأ من البحوث الأساسية في مختبر عالم الكيمياء الحيوية ( كين بريهودا ) من جامعة أوريغون.

هذه الطفرة و التغيّر الذي سبّبته في التفاعل بين البروتينات مذكور بشكل مفصل في دورية ( اي لايف ), المتاحة للجميع و الّتي تم إنشاؤها في عام 2012 بدعم من مؤسسة هاورد هوغس الطبية, جمعية ماكس بلانك و صندوق ويلكوم .

“هذا البحث يساعد على تسليط الضوء حول بعض الأسئلة الهامّة المطروحة من قبل العلماء حول موضوع التطور”, يقول بروهيدا, بروفسور في قسم الكيمياء والكيمياء الحيوية ومدير مؤسسة جامعة اوريغون للبيولوجيا الجزيئية. وبالإضافة فإن هذا البحث له تأثيراته في دراسة بعض الحالات المرضية مثل السرطان, والتي تصبح فيه الخلايا المتضررة غير قادرة على التعاون مع بقية الخلايا في جسمنا وتعود إلى حالة وحيدات الخلية والتي تعتمد فيها كل خلية على نفسها .

” يمكن للطفرات أن تقود إلى نتائج جيدة أو سيئة, و حتى إلى مزيج بين الاثنين”, يقول بروهيدا, حيث أنّ مختبره يركز بشكل أساسي على كيفية عمل البروتينات داخل الخلايا.
و يضيف ” إن البروتينات هي الأحصنة العاملة في خلايانا, و هي تقوم بتنفيذ مجموعة متنوعة من المهام مثل الاستقلاب, و لكن كيف يمكن لبروتين أن يتطور من أداء مهمة إلى أداء مهمة أخرى؟, وكيف يمكن للأنظمة المعقّدة مثل تلك التي تسمح للخلايا أن تعمل مع بعضها بطريقة منظّمة أن تطور العديد من البروتينات المختلفة التي تحتاجها؟, إن عملنا يقترح أن الوظائف الجديدة للبروتينات يمكن أن تتطور نتيجة عدد صغير من الطفرات, وفي هذه الحالة, كل ما تطلبه الأمر كان طفرةً واحدةً فقط” .

و من أجل البحث, بدأ فريق بريهودا بمراقبة السّوطيات المغزلية (choanoflagellates ) و ذلك بمساعدة فريق نيكول كينغ من جامعة كاليفورنيا, بيركلي إنّ السّوطيات المغزلية هي مجموعة من المتعضّيات وحيدة الخلايا وحرّة المعيشة (ليست متطفلة), والتي تعتبر أكثر الكائنات الحية قربًا للحيوانات. و هذه المتعضيات الشبيه بالاسفنجة والتي تعيش في مياه البحر تملك ذيلًا متعرجًا قصيرًا و بارزًا للخارج يدعى السوط, وهو يسمح بالحركة وجمع الطعام. هذه السوطيات (choanoflagellates) تعيش بشكل وحيدات خليّة مفردة, وتشكّل مستعمرات عديدة الخلايا أيضًا .

قام بريهودا و زملاؤه بعد ذلك باستخدام تقنية ” التعرف على بروتينات الأسلاف “, وهي طريقة مبتكرة في جامعة أوريغون من قبل مساعد التأليف وعالم البيولوجيا في جامعة شيكاغو جوزيف ثورنتون.

وباستخدام التسلسل الجيني والطرق الحاسوبيّة من أجل العودة للوراء في الشجرة التطوّرية, استطاع الباحثون رؤية التغيرات الجزيئية واستنتاج كيفية عمل البروتينات في الماضي البعيد. وفي الدراسة الجديدة تم تحديد التسلسل الجيني لأكثر من 40 متعضية أخرى .

قام الفريق من خلال بحثه بتحديد الطفرة التي كانت مهمة لتمهيد الطريق من أجل نشوء الحيوانات عديدة الخلايا المنظّمة والتي في النهاية لم تعد تحتاج الى ذيلها. واكتشف العلماء أن السياط التي تملكها السوطيات المغزلية (choanoflagellates ) تعد مهمة من أجل تنظيم مستعمراتها عديدة الخلايا, وهذا يشير إلى إمكانية تشابه هذه الحالة مع حالة انتقال أسلافنا من وحيدات الخلية إلى نمط عديدات الخلايا.

ويقترح فريق بريهودا أن الحاجة إلى الذيل ( السوط ) أصبحت قليلة الأهميّة وذلك مع تضاعف الجينات المرمّزة لأنزيم داخل الخلية, وطفرة واحدة سمحت لأحدى النسختين بالمساعدة في تنظيم و توجيه تشكل خلايا جديدة .

إن البروتين الذي تشّكل من هذه الطفرة مُشاهد اليوم في جينوم كل الحيوانات وأقاربهم من وحيدات الخلية ولكنه غائب في أشكال الحياة الأخرى .
يقول بريهودا : “إن هذه الطفرة التي سببت تغيّرًا واحدًا بسيطًا قامت بتغيير كبير في وظيفة البروتين, سامحةً له بالقيام بوظيفة مختلفة تمامًا, ويمكنك القول بأن الحيوانات تحب حقًا هذا البروتين, لأنه يوجد الآن أكثر من 70 منه في داخلنا ” .


المترجم : عماد دهان
المدقق : جمان الرشدان
المصدر