ما السبب وراء عدم تسريب جلودنا للدم على الرغم من أننا نفقد يوميًا 500 خلية جلدية؟


قد تسبب لنا بشرتنا بعض الألم أحيانًا، فعلى الرغم من أنّنا نفقد يوميًا ما يُقارب 500 مليون خلية جلدية يوميًا، ولكن هناك شيءٌ واحدٌ نستطيع من خلاله الإعتماد على جلودنا وهو عدم تسريبها للدم والعرق عشوائيًا في كل مكان!

إنّنا نستبدل بطريقةٍ ما كامل طبقة الجلد الخارجية الخاصة بنا كل أسبوعين أو أربعة أسابيع بدون أن يُؤدي ذلك للتسرّب، وقد اكتشف العلماء السبب الذي يكمن وراء ذلك، حيث تُصنَع جلودنا من ترتيبٍ فريدٍ من الأشكال يُطلق عليها اسم ( Tetrakaidecahedrons,)، إذ لا تسمح هذه البُنية بترك أية فراغات حتى عندما تُطرَح الخلايا الجلدية الفردية من الجسم.

تقول ريكو تاناكا – Reiko Tanaka – و هي إحدى الباحثات من الكليّة الإمبراطورية في لندن: «تُساعدنا هذه الدراسة أيضًا على معرفة كيفية قيام الخلايا المُكوِّنة لجلدنا بتفعيل الآلية المسؤولة عن صُنع نوع من الصمغ الذي يربط الخلايا مع بعضها البعض، ممّا يضمن بقاء جلدنا بشكلٍ مترابط».

وقد قررت تاناكا وفريقها البحث في الطبقات المتعددة التي تُشكِّل بشرة الثدييات، وهي طبقة الجلد التي تُؤمِّن لنا الحماية. وقد بينت الدراسات السابقة وجود نوعٍ معين من الحواجز الفيزيائية في الطبقتين العلويتين لبشرة الثدييات.

حيث يوجد قرب السطح حاجز للهواء والسوائل (air-liquid) مُكوَّن من قِبل الطبقة الخارجية من الجلد يُدعى بالطبقة المُتقرِّنة ( stratum corneum)، ويقع أسفل تلك الطبقة حاجز للسوائل (liquid-liquid) مُكوَّن من قِبل وصلات ضيقة، وهي عبارة عن مناطق ضيقة جدًا تقع بين الخلايا الجلدية ذات البُنية الفُسيفسائية غيرالنافذة للسوائل.

وبالرغم من أنّ العلماء أمضوا وقتًا طويلًا في دراسة الطبقة الخارجية للبشرة والتي تطرح الخلايا الجلدية الميتة بشكلٍ مستمر وتستبدلها بخلايا جديدة تتمتَّع بصحةٍ أفضل، فقد عرف العلماء القليل عن الحاجز الثانوي الرقيق للبشرة والذي يقع مباشرًة أسفل تلك الطبقة ويُدعى بالطبقة الحُبيبيّة (stratum granulosum).

تُعتبر الطبقة الحُبيبيّة ضروريًة لضمان عدم قدرة الجلد على التسريب، وذلك لأنها الطبقة التي تتشكل فيها الوصلات الضيقة التي تؤدي إلى تشكل الطبقة الخارجية للجلد. وبالإضافة إلى ذلك، تلعب الطبقة الحُبيبيّة دورًا كبيرًا في عملية طرح الخلايا الجلدية الميتة.

لكي تطرح الثدييات طبقتها الجلدية الخارجية، يجب أن يتم إنتاج خلايا جلدية جديدة بشكلٍ مستمر ضمن الطبقة السفلى من البشرة، وذلك قبل أن تُنقَل هذه الخلايا إلى الطبقة الحُبيبيّة، ويتم في هذه الطبقة استبدال الخلايا الجلدية القديمة التي تُدفع لاحقًا إلى الأعلى باتجاه الطبقة الخارجية للجلد لكي يتم طرحها.

وحتى الآن، لم يتمكن أحدٌ من فهم كيفية استبدال خلايا الطبقة الحُبيبيّة بشكلٍ دقيق بدون تمزيق حاجز الوصلات الضيقة المسؤول عن ضمان عدم تسريب الجلد لسوائل الجسم.

لقد استخدمت تاناكا وفريقها إحدى تقنيات التصوير التي تُدعى بالمجهر مُتَّحد البُؤر (confocal microscopy) من أجل فحص خلايا الطبقة الحُبيبيّة الواقعة في آذان الفئران، واكتشفت أنّ شكل هذه الخلايا يُعتبر عاملًا حاسمًا في نوع الحاجز الذي تُشكِّله.

إنّ هذا الشكل هو عبارة عن نسخة مُسطحة لما يُعرف بـ Kelvin’s Tetrakaidecahedron ، وهو شكل متعدد السطوح مكون من 14 جانب (6 مستطيلة الشكل و 8 منها مُثمنة الشكل).
وقد اقتُرحت هذه البنية لأول مرة عام 1887 من قِبل المهندس الفيزيائي الرياضي الاسكتلندي الايرلندي وليام تومسون المُلقَّب باللّورد كلفن، والذي أعلن بأنّ هذا الشكل هو أفضل الأشكال لسدِّ الفراغات.

وفي الصور المأخوذة للطبقة الخارجية من جلد الفأر، تظهر نسخة مُسطّحة من هذا الشكل تقوم بتشكيل الوصلات الضيقة على كل حافٍة من حوافه، ممّا يضمن بقاء حاجزٍ مستمٍر بالرغم من مَجيء الخلايا الفردية ومغادرتها على نحوٍ متواصل.

وتُعبِّر تاناكا عن ذلك قائلًة: «من المدهش التفكير بأنّ مفهومًا مجردًا لشكلٍ ابتكره الرياضي اللورد كلفن قبل أكثر من قرن تبين لاحقًا أنّه يُعتبر شكلًا مهمًا في الطبيعة، إذ يُساعد جلدنا على إبقاء تأثيره كحاجزٍ طبيعي».

وقد اكتشف فريق البحث أنّ هذا الشكل يسمح للخلايا الجديدة أن تحل محل الخلايا القديمة من خلال إنتاج بروتين يعمل كالصمغ المؤقت، والذي يربط مابين الخلية القديمة الموجودة على السطح مع الخلية الجديدة التي تقع في الأسفل بواسطة وصلات ضيقة مع تلك الخلايا الموجودة حولهما، بحيث أنّه عندما تُطرَح الخلية الموجودة على السطح فإنّ الحاجز سيبقى سليمًا.

وبينما تمت هذه التجارب على الفئران فقط، فإنّ الطبقة الخارجية من الجلد في الثدييات تتشابه بشكلٍ كبير فيما بين الأنواع، وخاصًة في الطبقات العميقة من الجلد.

يقول الباحثون أنّ الخلايا القرنية التي يملكها البشر– وهي نوع من أنواع الخلايا الجلدية توجد في الطبقة الخارجية من للبشرة – تُعتبر أكثر تنوعًا بالمقارنة مع مثيلاتها لدى الفئران، وتنطبق عليها بنية الـ Tetrakaidecahedron، ويمكن أن يُشكِّل ذلك فرقًا كبيرًا في الأبحاث التي تُجرى عن الأمراض الجلدية البشرية.

وبحسب الفريق البحثي فإنّ فهم كيفية قيام بشرة الثدييات بالحفاظ على الوصلات الضيقة الخاصة بها سيُساعد على تفسير الأسباب الجذرية التي تقف وراء الأمراض الجلدية المُزمنة كالأكزيما والصدفية، والتي تُعتبر من الأمراض الشائعة التي يصعُب جدًا علاجها أو الوقاية منها.

وقد بيَّن الباحثون ذلك بقولهم: «إنّ الفشل في إنتاج الوصلات الضيقة رُبما يُعتبر من العوامل المُساعدة التي من شأنها تفسير مُعاناة بعض الأشخاص من الأكزيما التي تتميز بإضعاف الحاجز الجلدي، الأمر الذي يؤدي إلى تسلُّل البكتيريا والالتهابات والخدوش والمزيد من العدوى».

ويتابع الباحثون بقولهم: «وفي حالاتٍ مرضيةٍ أخرى، فإنّ الفشل في تداخل الحاجز بين الخلايا (الوصلات الضيقة) يُمكن أن يُفسر جزئيًا وجود حالة إفراط في إنتاج خلايا البشرة الجلدية عند الأشخاص الذين يُعانون من الصدفية، ممّا يُسبب تلك البقع الجلدية السميكة على سطح الجلد».

يُخطط الفريق البحثي حاليًا لاكتشاف كيفية تحديد سماكة الجلد في طبقات البشرة، وكيف يتم الحفاظ على التوازن ما بين نمو الخلايا وطرحها من أجل تحديد مكان نُشوء الخلل.


ترجمة: زينب النيّال
تدقيق : أسمى شعبان
المصدر