كيف يمكننا وزن كتلة عنقود من المجرات؟


إذا أردت معرفة وزنك يمكنك ببساطة الصعود على الميزان، لكن أن تعرف وزن مجموعة مجرات تتألف من مئات وأحياناً آلاف المجرات المرتبطة مع بعضها بوساطة الجاذبية فذلك شيءٌ أكثر صعوبةً.

gravitational_lens-s

لكن بحوزة العلماء بعض الطرق للقيام بذلك، وهي كنزٌ ثمينٌ لعلم فيزياء الجزيئات الفلكية (particle astrophysics)، وبفضل قياس وزن مجموعات المجرات تمكّن العلماء من اكتشاف المادة المظلمة، وهي مفتاحٌ أيضاً إلى المزيد من الدراسات حول الكون المظلم بشقيه: المادة المظلمة والطاقة المظلمة.

“إن قياس وزن مجموعات المجرّات هو أحد أهم الاختبارات في علم الكونيّات،” بحسب ستيف آلن، أستاذ الفيزياء في جامعة ستانفورد ومختبر المسرّعات الوطني “SLAC”.

قبل عقودٍ، عندما قام العلماء بتقدير وزن مجموعات المجرّات بناء على حركة المجرّات ضمن هذه المجموعات، أدركوا أنّ شيئاً غريباً يحدث. كانت المجرّات تتحرك بشكل أسرع من المتوقع، مما يعني ضمنياً أنّ المجرّات أثقل ممّا كان معروفاً سابقاً، وذلك كلّه بناءً على الضوء الذي ينبعث من المجرّات، والتفسير السائد لهذا الأمر هو أنّ مجموعات المجرّات تحوي كميّات هائلة من المادة المُظلمة.

إن قياس وزن مجموعات المجرّات يفيد العلماء في التعرف على أحجام وشكل هالات المادة السوداء التي تحيط بالمجرّات وتحديد تأثيرات الطاقة المظلمة، والتي يعتقد العلماء أنها تسبّب توسّع الكون المتسارع.

في يومنا هذا يستخدم العلماء مزيجاً من المحاكاة وملاحظات التلسكوبات الفضائية والأرضية لتقدير وزن مجموعات المجرّات، وهي :

الانزياح نحو الأحمر والانزياح نحو الازرق: تماماً مثل سارينة سيّارة الإسعاف عندما يرتفع صوتها كلّما اقتربت منّا وينخفض كلّما ابتعدت منّا، نفس الأمر يحدث للضوء، فالضوء الصادر عن الأجسام التي تتحرك بعيداً منّا ينزاح نحو موجات طويلة “أكثر حمرة” والضوء الصادر عن الأجسام المتجهة نحونا ينزاح إلى موجات قصيرة “أكثر زرقة”، إن قياس هذه الانزياحات في الضوء القادم من مجرّاتٍ تدور في مجموعة مجرّات يمكن أن يُطلع العلماء عن قوة الجاذبية التي تملكها هذه المجموعة وهو ما يرتبط مباشرةً بكتلتها.

عدسة الجاذبية:

وهي نظريةٌ وضعها ألبرت آينشتاين, وتحدث عندما ينحني الضوء الصادر عن مجرّة بعيدة بسبب الجذب القوي للأجسام الموجودة بينها وبين المُشاهد، هذا الانحناء في الضوء يسبب تشوّه في صورة المجرّة بالنسبة لنا، و كلّما كان تأثير عدسة الجاذبية أكبر يكون التشوه أكبر حيث تظهر عدّة صورٍ بصريةٍ للمجرّة نفسها, وهو أمرٌ دقيق ويحتاج قياساتٍ حذرة للكشف عنه. ما يهم أنّه كلّما كان تأثير عدسة الجاذبية المُسبَّب من قبل مجموعة مجراتٍ أكبر فهذا يعني أنّ كتلة مجموعة المجرّات هذه أكبر.

الأشعة إكس:

مجموعات المجرّات مملوءةٌ بغاز ساخن جداً (10- 100 مليون درجة مئوية) تبدو لامعة في أطوال موجة الأشعة إكس، يستخدم العلماء المعطيات التي تقدمها الأشعة إكس للتلسكوبات الفضائية لاكتشاف مجموعات المجرّات ودراستها، ويمكن للعلماء أن يدرسوا خصائص الغاز الموجود في مجموعة المجرّات لاستنتاج كتلة مجموعة المجرّات.

تأثير سونيايف-زيلدوفيتش:

تأثير سونيايف-زيلدوفيتش هو انزياحٌ في طول موجة إشعاع الخلفية الميكروي الكوني (و هو ضوءٌ من بقايا الانفجار الكبير) ويحدث ذلك بسبب مرور إشعاع الخلفية الميكروي الكوني عبر الغاز الساخن في مجموعة مجرّات، ومقدار الانزياح في طول الموجة يمكنه إخبارنا عن كتلة مجموعة المجرّات التي مرَّ عبرها الإشعاع.

“طرق القياس هذه تعمل مجتمعة بشكل أفضل من كلّ طريقة على حدة،” يقول آرون روودمان، عضو معهد Kavli لدراسة الجزيئات الفيزيائية الفلكية ودراسة الفضاء في معهد SLAC.

هناك تلسكوب قيد الإنشاء سيحسّن قياس تأثير سونيايف-زيلدوفيتش، وتوجد تلسكوبات سينية سيتم إطلاقها قريباً تدعى ASTRO-H وeRosita من المتوقع أنها ستزيد من دقة التقديرات لكتلة مجموعات المجرّات، كما تلعب المحاكاة الحاسوبية دوراً هاماً في اختبار وتحسين المعطيات التي تقدمها التلسكوبات.

“حتى مع هذه المعدات المتطورة، يبقى موضوع قياس كتلة مجموعة مجرّات تحدياً كبيراً وصعباً،” بحسب مارك كاميونكاوسكي، وهو فيزيائي نظري وأستاذ للفيزياء في جامعة جونز هوبكينز، فمجموعات المجرات تتغير باستمرار حيث تجذب المادة إلى داخلها، وهالات المادة السوداء فيها يمكن أن تتداخل، وكل مجموعة مختلفة عن الأخرى، إنه سؤالٌ من الصعب الإجابة عليه تماماً.

و مع ذلك يأمل العلماء أن يقوموا بتقريب تقديراتهم لوزن مجموعات المجرّات أكثر إلى الرقم الحقيقي، باستخدام التكنولوجيا الجديدة التي ستدخل حيز الاستخدام قريباً.


اعداد: روان خاشوق


المصدر