غالينا بلاشوفا فنانة برنامج الفضاء السوفييتي


 

عندما صممت المهندسة المعمارية غالينا بلاشوفا أول وحدة سكن فضائية لرواد الفضاء السوفييت، رسمت مناظر طبيعية على جدرانها الداخلية، حيث يذكر الأمر رواد الفضاء بوطنهم.

بلاشوفا ليست مجرد مهندسة معمارية درست المجال وتدربت عليه، لكنها في الواقع فنانة أيضًا، لقد أمضت ثلاث سنوات في عمل التصاميم الداخلية لعائلة المركبات الفضائية سويوز(Soyuz) وبعض السفن الفضائية السوفييتية الأخرى، لتوقن من أنها ليست مجرد أماكن هامدة مكدسة بالمعدات المعدنية لكن أيضا أماكن مفعمة بالحياة.

وابتداءًا من عام 1963 خلال عطلة أسبوع واحدة، رسمت التصميم الداخلي لمركبة سويوز بعدما طلب سيرجي كوروليوف أن تصنع السفينة على نحو يجعلها صالحة للسكن، وسيرجي هو أبو برنامج الفضاء السوفييتي ومخترع القمر الصناعي ومصمم صواريخ.

زود المهندسون الوحدة بصندوقين ضخمين من المعدات، لكن سيرجي رفض التصميم وقرر أن يحصل على مساعدة خارجية.

قالت بلاشوفا، وهي الآن في عامها الـ 80 <<لم يتفهموا ما يعنيه مكان للمعيشة مفعم بالحياة، ولم يستخدموا الفكر المكاني لكن كان جم تفكيرهم بشأن الأدوات والآلات>>.

<<خلال عطلة الأسبوع، فكرت في كيفية لوضع الأدوات، فقمت بتصميم خزانة على إحدى الجوانب وأريكة على الجانب الآخر حيث يمكنهم أن يحظوا بقيلولة>> وهو نظام منتشر في كل المنازل السوفيتية.

وبعد موافقة سيرجي على تصميمها، والذي تضمن رسم مناظر على الجدران، توجب عليها توفير رسومات الألوان المائية الحقيقية التي ستطبق على السفن الصاعدة نحو الفضاء.

وتقول بالاشوفا ضاحكة <<منذ أن وافق سيرجي على التصميم باستخدام رسم المناظر الطبيعية، طالب المهندسون دومًا بمثيلاتها للوحدات التالية. وقد وصلت تسع رسومات إلى الفضاء>>.

وعلى الرغم من ذلك، تقول بالاشوفا أنه لم يُسمح لها أن تضع اسمها على أعمالها، شاكية من أن رؤساؤوها استأثروا بهذا الحق.

طبيعة “الأرضية والسقف” في الفضاء

لاتزال بالاشوفا تعيش في شقتها الصغيرة الواقعة في مدينة كوروليوف خارج مدينة موسكو التي تعد موطن لقيادة البعثة الفضائية الروسية وسميت باسم كوروليوف رجل الفضاء الحالم.

فرشت بالاشوفا على المنضدة وهي جالسة في غرفة معيشتها تصاميمها الفضائية المرسومة بالألوان المائية المبهجة في تضاد غريب مع الطبيعة العسكرية التي ميزت البرنامج في أثناء حقبة سباق الفضاء.

قالت <<وددت في البداية إنشاء حيز للجاذبية الصغرى التي ليس لديها أرضية أو سقف، لكن نُبذت الرؤية المستقبلية لأسباب عملية.>>

<<يتدرب البشر على الأرض ويعتادون على مفاهيم القمة والقاع>>.

كان رائد الفضاء بيوتر كليموك والذي سافر للفضاء كجزء من برامج سويوز وساليوت متفق على أنه من الضروري أن تكون الألوان والعناصر الأخرى للتصميم الداخلي لسويوز قادرة على خلق جو دافئ ومريح.

قال بيوتر <<لقد طُليت عناصر معينة بألوان معينة واستخدم نسيج من نوع خاص في الوحدة >>، وأضاف قائلاً <<لقد كانت الألوان الناعمة هي الأفضل، ولم تعد الجاذبية الصغرى ذو أهمية طالما أن العين البشرية لازالت مقتنعة بوجود أرضية وسقف، كما هو الحال على الأرض>>.

كان للألوان أهمية خاصة في عمل بالاشوفا الخاص بمشروع أبولو-سويوز التجريبي 1975، والذي كان سيشاهده حينها ملايين البشر حول العالم واللازمة لإنشاء أجهزة الفيديو والصورة التكميلية.

قالت بالاشوفا <<أراد روؤسائي أريكة حمراء لكن ظهرت في الفيلم باللون الأسود>>

وكانت النتيجة؛ وحدة مدارية ذات أريكة خضراء وأحزمة فلكرو للاصقة (شريط لاصق ذو وجه خشن ووجه ناعم) التي استخدمها رواد الفضاء لربط أنفسهم، ومنضدة مطوية حيث يأكلون ويضعون المستندات. عند زيارة رائد الفضاء فانس براند للوحدة أشاد بها قائلاً <<أنها مُعدة بشكل مريح للغاية>>.

التعامل مع بالاشوفا كما لو كانت خادمة

لاتزال بالاشوفا جالسة على كرسي منجد من النسيج نفسه التي استخدمته لتغطية أريكة سويوز.

وقالت ضاحكة، أن المحاولات الأولية لاستعمال الفلكرو اللاصق على الأثاث أدى إلى فقدان رواد الفضاء سراويلهم
شقتها ممتلئة بالكتب وبورتريهات بالألوان المائية لعائلتها، مع عدم وجود أي علامة تدل على تأثرها بمظهر أجيال المركبات الفضائية السوفيتيه.

تقول بالاشوفا أن رؤوساؤها لم يقدروا عملها، مستهنين بها كونها فنانة وأمرأة ــ واحدة من القلائل العاملين في مجال صناعة الفضاء السوفييتي والمرأة الوحيدة التي تشغل وظيفة إبداعية في فريق كوروليوف.

<<كنت المرأة الوحيدة التي تعمل مع رجال، وكانوا يعاملونني كما لو كنت خادمة>>.

بعدما تقاعدت بالاشوفا، أمضت روسوماتها أكثر من عقد يتراكم عليها الأتربة تحت سريرها.

وتعيش بالاشوفا الآن في بنسيون، مقابل 18.000 روبل (297.287 يورو) في الشهر.

اعترفت قائلة <<لم أرغب مطلقا في الذهاب للفضاء>>.

لكن كمهندسة معمارية، وجدتْ العمل أمرًا ممتعًا، ووجدتْ إلهامهًا في السعي الدؤوب للحصول على التناغم في تصاميمها.

<<عندما حصلت عليه، شعرت بقشعرية تسري بجسدي>>.


ترجمة وإعداد: نهى سليمان
تدقيق: جدل القاسم
المصدر