لأول مرة تمكّن العلماء من رؤية 23000 ذرة داخل جزيء واحد


لأول مرة استطاع العلماء رؤية موقع أكثر من 23,000 ذرة بدقة داخل جزيء وهي صغيرة كفاية لكي تتواجد داخل جدار خلية واحدة. قام فريق تحت قيادة “بيتير إركيوس” من المعمل الوطني لورانس بيركيلي و”جيان مياو” من جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس (UCLA) باستخدام مجهر المسح الإلكتروني لاستكشاف جزيء مُكوّن من ذرات الحديد والبلاتين والذي يبلغ عرضه 8.4 نانومتر، (النانومتر هو جزء من مليار جزء من المتر أو 3.9 جزء من مائة مليون جزء من الإنش).

لماذا قد يهتم أحدهم بموقع كل ذرة صغيرة؟ “مايكل فارلي” عالم فيزيائي من جامعة دايسبرج إسين في ألمانيا كتب في الأخبار المرفقة ومقالات الرأي لمجلة الطبيعة: «على المقياس النانوي، لكل ذرة أهميتها، على سبيل المثال تغيير الموضع النسبي لعدد قليل من ذرات الحديد والبلاتين في جزيء نانوي (FePt) يغير بشكل كبير من خواص الجزيء كاستجابته للمجال المغناطيسي المُعرّض له».

الحزم الإلكترونية

باستخدام مجهر المسح الإلكتروني تمر حزم إلكترونية على سطح الشيء لالتقاط صور واضحة له. هذا يسمح للباحثين برؤية أصغر التفاصيل لأصغر المواد مثل بلورات وجزيئات البروتين. يقول فارلي: «هناك العديد من التقنيات القوية لاستكشاف بنية البلورات، ولكن يجب أن تكون هذه البلورات مثالية».

عادة في حالة استخدام مثل هذه الأنواع من الميكروسكوبات الإلكترونية لإلقاء نظرة على بنية البلورات أو الجزيئات الكبيرة، فإن حزمة الإلكترونات تسقط على العينة وتتشتت بمجرد اصطدامها بها، ولكنها ليست مثل ذلك السيل من الطلقات من المدفع الرشاش الذي يتبعثر قبل اصطدامه بصدر الرجل الخارق.

وبعد ارتداد الإلكترونات من اصطدامها بالذرات تسقط على الراصد المجهري، ومن هنا يمكن للباحثين رؤية مواقع سقوط الإلكترونات والتي من خلالها يمكن معرفة ترتيب الذرات داخل البلورة أو الجزيء.

يقول إركيوس قائد الفريق البحثي: «المشكلة هنا أن الصورة يتم تشكيلها من معدّل ما نحصل عليه باستخدام العديد من الذرات والجزيئات». وهذا هو سبب رؤية الباحثين للأشكال النمطية، والتي يمكنها أن تخبرهم بالترتيب العام للذرات وليس مكان تواجد كل ذرة منهم. يقول الباحثون: «الجزيء النانوي للحديد والبلاتين هو نوع من البلورات غير المنتظمة.

ولكن طريقة المسح الإلكترونية الاعتيادية لن تعمل بشكل جيد لمثل هذا الجزيء لأن ذرات ذلك الجزيء تم ترتيبها في شكل فريد من نوعه وبطرق ملتوية قليلاً». لذلك يجب عليهم أن يجدوا طريقة جديدة لاستخدام المجهر الإلكتروني: فقد قرروا أن ينظروا إلى جزيء الحديد والبلاتين من أكثر من جانب مختلف.

تحديد موقع كل ذرة بمفردها

للقيام بذلك فقد غيروا من طريقة إعداد العينة، فبدلاً من تركها أسفل المجهر فقد وضعوها على قاعدة مخصصة تمكّنهم تدوير وإمالة جزيء الحديد والبلاتين، وتغيير زاوية ميله بعد كل سقوط للأحزمة الإلكترونية. غير ذلك فقد كانت الطرق المستخدمة لدى الباحثين من قبل مثلها مثل الطرق العادية.

هذا التغيير البسيط كان قويًا بالقدر الكافي. فالميول المتغيرة أنتجت لنا أنماطًا مختلفة لتشتت الأحزمة الإلكترونية. الأنماط المختلفة التي التُقِطت على المرصد المجهري – المشابه لنظيره في الكاميرات الرقمية – يمكن استخدامها لحساب المواقع الدقيقة لأكثر من 6,569 ذرة حديد و 16,627 ذرة بلاتين في ذلك الجزيء النانوي.

إنها ليست مثل صناعة نماذج ثلاثية الأبعاد والتي تتم عن طريق التقاط صور من مختلف الزوايا والتي يقوم بها صانعو أفلام الحركة دومًا. تلك النتائج لمواقع الذرات بلغت دقتها عُشر قطر الذرة الواحدة طبقًا لما قاله فارلي.

في المستقبل يُمكن للحصول على صور بمثل هذه الدقة أن يُساعد علماء المواد في صنع بنية نانوية الحجم لمختلف التطبيقات كمحركات الأقراص الصلبة. يقول إريكس قائد فريق البحث: «صانعو محركات الأقراص الصلبة يريدون صنع بلورات مثالية صغيرة متقاربة والتي يتم مغنطتها بسهولة ويمكنها أن تحافظ على المجال المغناطيسي لفترة أطول بكثير».

يُضيف إريكس قائلاً: «جميع البلورات لديها عيوب، ولكن المشكلة حينما نحصل على جزيئات نانوية لديها تلك العيوب الغريبة فهذا يعني أنهم يمكنهم رؤية هذا وكيف يمكن أن تؤثر على كيفية عمل الأشياء».

معرفة موقع كل ذرة بدقة سيساعد العلماء على توقع كيفية نمو البلورات. يقول إريكس: «الآن حينما يجري علماء المواد المحاكاة، فإن عليهم أن يفترضوا أن البلورات تنمو بطريقة معينة، وهذه الافتراضات تُرشد توقعاتهم نحو المستقبل. فإذا كان باستطاعتهم رؤية أماكن الذرات بالضبط، فسيكون بإمكانهم وضع توقعاتهم بدقة أكثر لشكل البلورات حينما يصل حجمها أثناء نموها للحجم الكامل. ما هو جيد حول ذلك أن هذه الطريقة تقيس الخلل في ترتيب الذرات في بعض البلورات فتساعدك على رؤية أشياء فريدة».


ترجمة: محمد خالد عبدالرحمن
تدقيق: جعفر الجزيري
المصدر