محاكاة لمادة جديدة قد تكون أكثر غرابة من الغرافين


جميعنا نحب الغرافين، تلك الألواح الكربونية، بسماكة ذرة كربون واحدة فقط، وذات المرونة الكبيرة، وقساوة أكبر من قساوة الألماس، وقوة أقسى من الحديد، في حين أصبحت مؤخرا موصلاتٍ فائقة الموصلية أيضاً.

لكنها ليست المادة النانوية الوحيدة ذات الإنجازات الكبيرة، حيث تمكن العلماء مؤخرا من محاكاة سلسلة ممدودة وأحادية البعد من البورون، متنبئين أن هذه المادة قد تكون ذات خصائص أغرب حتى من خصائص الغرافين.

ولنكون واضحين، فإن سلاسل البورون أحادية البعد هذه لم تُصنع بعد، لذا فإن هذا البحث يعتمد على نحو صرف على محاكاة الحاسوب المفصّلة عن المادة الجديدة.

لكن المختبرات نجحت بالفعل في تركيب ثخانة ذرية وفوليرين، إضافة الى سلاسل بثخانة ذرة كربون وحيدة معروفة بـ “كرباين” تم صنعها بالفعل، لذا يتنبأ الباحثون بأنها مجرد مسألة وقت قبل أن تصبح سلاسل البورون أحادية البعد حقيقة أيضاً.

إذا كان ذلك هو الوضع، فنحن في حالة مفاجأة، لأن المحاكاة تُظهِر أنه عندما تُصنع أشكال أحادية البعد من البورون، فإنهم يملكون بعض الخصائص الجميلة والغير قابلة للتصديق.

على سبيل المثال، فإنه عند تمديدها، تصبح هذه السلاسل المعدنية أشباه موصلات مضادة للانجذاب المغناطيسي – أي معدن غير مغناطيسي ينقل الكهرباء بدون مقاومة، وعند تحريرها، فإنها تنطوي عائدة إلى أشرطة ناعمة بحجم ذرتين.

كما تم التنبؤ بأن هذه المادة تمتلك صلابة ميكانيكية على قدم المساواة مع المعادن النانومترية الأعلى كفاءة المعروفة علميا، إضافة الى أنها تتصرف كنوابض ثابتة القوّة – نوع مخالف للقاعدة من النوابض يبذل قوة ثابتة خلال نطاق حركته- (أغلب النوابض الأخرى تبذل قوة أكبر كلّما تم مدّها أكثر).

وعلى الرغم من أنَّ هذا الكلام ما يزال نظريا، فإنه ليس بذلك البعد خارج مجال الاحتمالات.

المحاكاة تم القيام بها من قبل جامعة رايس، والتي تختص في محاكاة الحاسوب ذرية المستوى للمواد الغير موجودة بعد.

رقمهم القياسي جيد جدا، وقد قام الفريق مسبقا بالتنبؤ ومحاكاة سلوك لشريطين ثنائيي البعد من الكاربون يُسميان بـالبوروفين، وهما شبيهان بالغرافين، كالسلال ذرية الثخانة، وفوليرينات البورون… وقد تم صنع كل هذه المعادن في المختبرات.

“عَمَلنا على الكرباين ومع بورون مستوٍ، جعلنا نفكّر بأن سلسلة أحادية البعد من ذرات البورون هي أيضا هيكل محتمل ومثير للاهتمام” – بوريس ياكوبسون Boris Yakobson، قائد فريق الباحثين.

“أردنا أن نعرف إذا كان مستقراً وماذا ستكون خصائصه، وذلك حين تكون الأساليب الحاسوبية النظرية الحديثة مثيرة للإعجاب، لأن أحدها يمكنه القيام بتخمينات واقعية على هياكل غير موجودة”.

على عكس الغرافين، والذي هو ثنائي البعد لأنه بشكل كامل عبارة عن لوح بحجم ذرة واحدة من الكربون، في حين أن هيكل البورون الذي يقوم فريق جامعة رايس بمحاكاته موجود على بعد واحد فقط، لأنه مصنوع من سلسلة من الذرات الوحيدة، أو شريط من ذرتين.

غير أن كون الهيكلين المنفصلين، الشريط والسلسلة هما بالفعل طورين واضحي المعالم للبورون أحادي البعد.

وهذا يعني أنه حين يمدد البورون أحادي البعد، فإنه يتحول من شريط بذرّتين إلى سلسلة بذرة واحدة، ومن ثم يتحول عائدا مجدّدا حين يتحرّر الضغط.

ويمكن رؤية هذا يحصل في هذه المحاكاة، حيث امتدّت السلسلة إلى نقطة الانهيار:

فيديو

يقول ياكوبسون: “البورون مختلف جدا عن الكربون”، ويضيف: “إنه من المفضل تشكيل صف مزدوج من الذرات، كدعامة مستخدمة في بناء الجسور، ويبدو هذا كأكثر حالة مستقرة، ومنخفضة الطاقة”.

“إذا بدأت الشدّ عليها، فإنها تبدأ بالتفتح; الذرات تدخل إلى هذا الخيط الأحادي التكافؤ، وإذا قمت بإزالة القوة، فإنها تنطوي عائدة”، ويضيف: “هذا مضحك تماما، هيكليا، وفي نفس الوقت إنها تغير الخصائص الالكترونية”.

الأمر الرائع هو أنَّ كلّا الطورين يملكان خصائصه الفريدة، السلسلة وحيدة الذرة هي من أشباه الموصلات، والشريط ثنائي الذرة هو معدن قاس بشكل لا يصدق، فهو مقاوم للتشويه.

“هذا يجعلها خليطا ممتعا: عندما تمدّها نصف مدّة، قد يكون لديك حصة من شريط وحصة من سلسلة، لأن أحدها معدن والآخر من أشباه الموصلات، هذا يصبح مايعرف ب ” حاجز شوتكي” أحادي البعد وقابل للتعديل”، يقول ياكوبسون.

حاجز شوتكي هو حاجز للإلكترونات في الفاصل بين المعدن وشبه الموصل، كما أنه يستخدم بشكل شائع كصمام ثنائي للتحكم بالتيار والسماح له بالتدفق في اتجاه واحد.

هذا الغزل للذرات في المادة مثير للانتباه، في حالة التمدد لسلسلة البورون، فإن اتجاه غزل الإلكترونات يحاذي الاتجاهات المعاكسة، ما يجعله مضاد للانجذاب المغناطيسي.

العلماء حاليا مهتمون جدا في المواد المضادة للانجذاب المغناطيسي – خصوصا تلك التي توصل الإلكترونات – من أجل تطوير الإلكترونات الدورانية، المستشرفة للمستقبل، ,ايضا أجهزة إلكترونية ذات فعالية عالية.

ليس لدينا فكرة بعد فيما إذا كانت السلاسل أحادية البعد من البورون قد تصبح موجودة، لكن الحقيقة أن المادة تم التنبؤ بأنها تمتلك خصائص مميزة، ما يعني أن العلماء سيقومون بأفضل ما لديهم لصنعها في المختبر.

وانت لا تدري ابدا ما هي الاكتشافات التي يمكن أن يصادفوها في العملية.

“حتى لو أنهم ليسوا موجودين أبدا، فانهم ما يزالون مهمين، حيث أننا نحقق في حدود الامكانية، نوعا ما من الحدود النهائية”.


اعداد: وائل المشنتف
التدقيق:أسامة القزقي

المصدر