تُعد صورة «سحابة الفُطر – Mushroom Cloud» واحدة من أكثر المشاهد المعروفة والمرعبة أيضًا. بالرغم من انخفاض التهديدات النووية خلال العقود الماضية، كان هناك وقت في القرن العشرين عندما جعل الانبهار والخوف من الأسلحة النووية الجميع حول العالم يفعلون أمورًا جنونية إلى حد ما.

فقد اختبرت دول العالم التي تمتلك أسلحة نووية (على رأسهم روسيا والولايات المتحدة الأمريكية) هذه الأسلحة تحت الماء، في الجبال، في الجو، وحتى في الفضاء!

ربما يمكننا تخيل كيف سيكون شكل هذه الانفجارات، وماذا سيكون أثرها، لكن ماذا عن الانفجار الأخير؟ ماذا يمكن ان يحدث فعلًا إذا انفجرت قنبلة نووية في الفضاء؟

قنبلة نووية في الفضاء – اختبار القنبلة

خلال المراحل الأكثر دراماتيكية في الحرب الباردة، كانت تختبر روسيا والولايات المتحدة قنابل نووية في كل الاتجاهات، وكانت الأنظار كلها تترقب السماء بسبب الخوف من قدوم سلاح نووي واسع المدى، أو رؤوس حربية نووية موجهة بواسطة الأقمار الصناعية.

وقد أطلقت الولايات المتحدة سلسلة من الاختبارات أطلقت عليها الاسم الرمزي: «مشروع حوض السمك – Fishbowl Project»، التي كان عبارة عن اختبارات لأسلحة نووية على مستوىً عالٍ.

وكان «نجم البحر – Starfish Prime» هو الاختبار الأكثر دهشة وتاريخية في هذا المشروع. ففي اليوم التاسع من شهر يوليو/تموز عام 1962، انفجرت قنبلة نووية وزنها 1.4 ميجا طن على ارتفاع 250 ميل تقريبًا فوق سطح الأرض.

ماذا سيحدث إذا انفجرت قنبلة نووية في الفضاء؟

أولًا، لم يكن هناك سحابة فُطر بشكلها النموذجي أو حتى موجة للانفجار وذلك بسبب عدم وجود غلاف جوي في الفضاء (هذا الذي يسبب معظم الضرر لكوكب الأرض نتيجة انفجار قنبلة نووية).

لكن بدلًا من ذلك، كان هناك تدفق هائل للحرارة والضوء، وليس ذلك فقط، بل نتج إشعاع ذو كثافة عالية على هيئة أشعة جاما وأشعة إكس بدون وجود غلاف جوي يعيق مسارهما. اتخذ الانفجار شكلًا كرويًا، وتوسعت موجة الإشعاع والضوء لتضيء السماء.

على سطح كوكبنا كان ممكنًا رؤية أضواء شفق زاهية على بعد آلاف الأميال بعد دقائق من الانفجار، وذلك لأن الجسيمات المشحونة من الانفجار كانت قد بدأت على الفور بالتفاعل مع المجال المغناطيسي للأرض.

يمكن تخيله على هيئة «الشفق القطبي – Aurora Borealis»، المعروف أكثر باسم أضواء الشمال، غير أنه انتشر مسافة كيلومترات فوق المحيط الهادئ. كانت لتستمر شرائط الضوء وتدفق الجسيمات المشحونة في الظهور لساعات وحتى لأيام بعد الانفجار (اعتمادًا على حجمه).

كما يوجد أيضًا في الانفجار النووي جزء ضئيل من الحطام الذي يمكن ان يشتعل في الغلاف الجوي الخارجي للأرض، وأيونات ثقيلة تمتصها جزيئات الغلاف الجوي. لكن في الحقيقة، هذه الجزيئات المشعة الإضافية مفيدة بطرق معينة (حتى يومنا هذا)، وسنوضح ذلك خلال الفقرة الآتية.



هل هناك آثار أخرى لانفجار قنبلة نووية في الفضاء؟

قد يكون الشيء الأكثر إثارة للقلق من كمية الإشعاع الهائلة التي ستصطدم بغلاف الأرض الجوي، هو تأثير الانفجار على الإشارات الكهرومغناطيسية الموجودة ضمن مساحة هائلة أسفل الانفجار.

فسوف تشكل هذه الإلكترونات عالية الشحنة وسريعة الحركة، مجالَا مغناطيسيًا صغيرًا لكنه فائق القوة، يطلق عليه «النبض كهرومغناطيسي – (EMP) Electromagnetic Pulse».

يمكن القول أنك قد شاهدت ذلك أكثر من مرة في أفلام الخيال العلمي؛ تقطع قنبلة النبض الكهرومغناطيسي كل الاتصالات الإلكترونية داخل مساحة محددة (المثال الأكثر شهرة تقريبًا لذلك هو فيلم Matrix).

في حالة اختبار «نجم البحر» السابق ذكره، فقد تسببت قوة الانفجار في انقطاع التيار الكهربي على بعد مئات الأميال في هاواي، اتلاف أضواء الطرقات، اختلال الرادارات وأنظمة الملاحة وتوقف تام للاتصالات الإلكترونية.

ربما أخذ سكان هاواي الأمر على انه نتيجة غير مقصودة، لكنه أظهر للعلماء والباحثين القوة التي تمتلكها قنبلة نووية انفجرت في الفضاء.

فبإمكانها ان تصيب البنيات التحتية لدولة ما بالتلف من دون حتى ان تدمرها بشكل مادي.ضع الآن في حسابك حجم القنبلة المستخدمة في اختبار «نجم البحر» وهو 1.4 ميجا طن.

مع العلم ان بعضًا من أكبر الرؤوس الحربية النووية التي تمت صناعتها، كانت قنابل هيدروجينية بسعة 50 ميجا طن، مما يعني أنها أقوى 35 مرة.

الآن تخيل كمية أضواء الشفق القطبي التي يمكن ان تراها ان انفجرت قنبلة بهذه القوة في الفضاء، وفكِّر في الدمار التكنولوجي واسع المدى الذي سببه نبض كهرومغناطيسي كبير كفاية لتعطيل ولاية تكساس بالكامل!



في النهاية، بالنسبة للآثار طويلة المدى لانفجار سلاح نووي في الفضاء، فإن المواد المشعة التي تسقط في الغلاف الجوي لن تذهب لأي مكان. لكنها في الواقع سوف تتلاشى منتشرةً حول الكوكب بأكمله.

ويمكننا الآن قياس هذه الجزيئات الإضافية الناتجة من الانفجار النووي بشكل دقيق، كوسيلة لمعرفة تاريخ الأشياء مثل الأشجار، النبيذ، والحيوانات.

في حين ان ذلك يمكن ان يكون شيئاً مفيدًا حول الاختبارات النووية في الفضاء، إلا انه لا يجعل من العملية ككل منطقية أو عقلانية.

أجريت بضع اختبارات تفجير نووي على ارتفاعات عالية خلال عام 1950 وأيضًا 1960، لكن في المجموع، فقد أجري أكثر من 2000 تفجير نووي على كوكب الأرض بين عامي 1945 و1998.

والصورة واضحة، فسواء حدث ذلك على الأرض أو في الفضاء، فإن خبر حدوث تفجيرات نووية ليس بالجيد على الإطلاق!


  • ترجمة: بسام محمد عبد الفتاح
  • تدقيق: المهدي الماكي

المصدر