نحن في عصر المعلومة والسرعة، حيث بات من السهل جدًا نشر أي نوعٍ من المعلومات وأصبح من الصعب على المتلقي أن يفرّق بين الصحيحة منها و المُغالِطة.

خصوصًا إذا ما تحدثنا على نشر المعلومة العلميَّة، فبعض الأطراف تنشرُ مقالاتٍ و أخبار تدعي أنها مثبة علميًا، بينما نجد العكس عند التحري والتقصي.

ومن بين أبرز هذه القضايا التي تُسوَّقُ على أنها تنطوي تحت راية العلم، نجد ما يسمى بـ “النسبة الذهبية – Golden Ratio” أو كما يطلق عليها البعض “النسبة الإلهية”.

ظهرت لأوَّل مرة في كتاب “عناصر إقليدس” قبل 2300 سنة.

أمَّا التعريف المتفق عليه فهو : يكون شيئين ضمن النسبة الذهبية إذا كانت نسبتهما تتساوى مع نسبة مجموعهما على أكثرهما كمًّا.

قيمة النسبة الذهبية دائمًا ما تكتب على شكل 1.6180.

بلغةٍ أبسط :

إذا كان لديك شيئين (أو شيءٍ واحد بإمكانك تجزئته إلى قسمين)، وإذا ما قمت ببعض العمليات الرياضية، ستحصل على العدد 1.6180، عادةً ما يكون من المقبول أن تقع نسبة هذين الشيئين ضمن النسبة الذهبية.

لكن لدينا مشكلٌ هنا، عند قيامك ببعض العمليات الرياضية لن تحصل على قيمة 1.6180. بل تأتي شكل 1.6180339887… لتستمر النقاط العشرية إلى ما لانهاية.

يقول بروفيسور الرياضيات كيث ديفلن (Keith Devlin) من جامعة ستانفورد : “لنتحدث بشكلٍ دقيق، من المستحيل أن يكون أي شيءٍ في العالم الحقيقي داخل نطاق النسبة الذهبية، لأنه عدد غير منطقي”.

لذلك تعتبر النسبة الذهبية مثل العدد pi تمامًا، حيث يستحيل أن نجد دائرة مثالية في العالم الحقيقي، فلا يمكن تطبيق النسبة الذهبية بشكلٍ دقيق على أي شيء في العالم الحقيقي.

كما يدعي أنصار النسبة الذهبية، أنه ومن أجل الحصول على تصميم مثالي، يجب استخدام قيمة النسبة الذهبية.

في هذا الصدد، يقول ريتشارد ماير (Richard Meier) المهندس المعماري الأسطوري الذي عمل على مشاريع مثل مركز جيتي بكاليفورنيا ومتحف برشلونة للفن المعاصر، أنَّه : “يوجد العديد من الأعداد و الصيغ التي هي أكثر أهمية ــ من النسبة الذهبية ــ عند تصميم مبنى”.

الآن وقد وقفنا على حقيقة أنَّ النسبة الذهبية ليست بذلك اللمعان الذي يروج له البعض.

قامت بعض المواقع “تملك قاعدة جماهيرية لا يُستهان بها” بالترويج لبعض المعلومات المغلوطة حول موقع الكعبة أو مدينة مكة و علاقته بالنسبة الذهبية، مدعيَّة أن برنامج “جوجل إيرث” يؤكد تلك الادعاءات.



ولضرورة الرد العلمي على ذلك، لنأخذ بعين الاعتبار التعريفات التالية :

S = المسافة مكة إلى القطب الجنوبي

N = المسافة من مكة إلى القطب الشمالي

L = المسافة من الجهة اليسرى للخريطة المستطيلة إلى مكة

R = المسافة من مكة إلى الجهة اليمنى للخريطة المستطيلة

حقيقة أنَّ كل من S/ N و (N+S)/S نسبٌ ذهبيَّة ليست بالمفاجئة.

فهذه واحدة من المزايا المعروفة للنسبة الذهبية، وتعمل على أي رقمين.

وهذا في الحقيقة هو سبب وقوع نسب الأعداد المتتالية لمتتالية فيبوناتشي في نطاق النسبة الذهبية.

ويمكن قول نفس الشيء بخصوص L/R و (L+R/L).

حقيقة أنَّ L/R نسبة ذهبية يعود إلى عامل الإختيار الإعتباطي لنقطة الإنطلاق في إسقاط الخريطة.

مع نقطة الانطلاق المناسبة من الجهة اليسرى للخريطة، أي نقطة ضمن نفس خط عرض مع مكة سيكون له نفس النسبة الذهبية للقيمتين L/R.

إن خرائط العالم المتفق عليها والتي تتركز حول خط غرينيتش كخط طول 0° هي أصلًا خرائط اعتباطية وضعت سنة 1884 لتوحيد المواقع، وذلك بعد وقتٍ طويل من تشييد مدينة مكة نفسها، ومنه نرى أنَّ النسبة الذهبية لـ L/R للموقع سببها حادثٌ تاريخي فحسب.

وبنفس المنطق، لا يجدر بنا الحديث عن نسبة المسافة الرابطة بين أقصى نقطة في الركن الأسفل الأيسر إلى أقصى نقطة في الركن الأعلى الأيمن، لأن نسب أوتار المثلثات ستكون مطابقة لنسب السيقان ــ وهي معلومة هندسية بدائية.

ويمكن أن نعكس الجنوب بالشمال كذلك لنحصل على خط طول آخر على خريطة عالم اعتباطية لها جميع الخصائص التي يذكرها أصحاب فكرة النسبة الذهبية لموقع مكة، مثل هذا الفيديو مثلًا (فقط ستكون النسبة من المسافة بين الشمال نحو الجنوب).

وباعتبار وجود مكة في موقع 21.423-21.247=0.176° أبعد عن المكان المقصود للنسبة الذهبية، مما يعني وجود هامش خطأ يصل إلى 0.176°/360°*40,075.16 km وهذا يعني تقريبًا 20 كيلومتر، نحصل على مساحة إجمالية لـ 569,000*2/510,000,000=0.00224، أو ببساطة 0.22% من مجموع خريطة العالم تشمل كل الخصائص المذكورة في الفيديو.

وهذه المساحة تشمل مدنًا أخرى مثل هونولولو عاصمة هواوي، و كانكون المكسيكية في الجهة الشمالية، و فرانسيستوان البوتسوانية في الجهة الجنوبية.



من كل هذا نجد أنَّ كل الادعاءات المبنية على وجود موقع مكة في نسبة ذهبية، وذلك للمسافة بين القطب الجنوبي نحو مكة على المسافة بين مكة نحو القطب الجنوبي، هي في الحقيقة ليست سوى خطأ في الحساب.

بل و أكثر من ذلك، إن النقاط التي نختارها من الخريطة كمبدأ لإجراء الحسابات هي في الحقيقة اعتباطية (ليست مبنية على أي منطق، بل تم الإتفاق عليها لتسهيل تحديد المواقع، مثل خط غرينيتش، حيث بإمكاننا اختيار خط آخر يمثل الصفر).

كما أنَّه وحسب الحسابات و الإدعاءات التي نراها حول الموضوع، قد تكون مدن عديدة في موقع مكة أيضًا، لذلك حتى لو افترضنا وجود مكة في موقع ضمن نطاق النسبة الذهبية، فإن هذه الخاصية لا تخص مكة لوحدها، بل تجتمع فيها مع العديد من المناطق.

دون العودة إلى عدم أهمية النسبة الذهبية علميًا.