بعد أكثر من 2000 سنةٍ على استخدامها في المجالِ المعماريّ، لا تزالُ الأقواس تحتلُّ مكانةً بارزةً في تصميم الجسور، حيثُ أنَّ هيكلها نصفُ الدائريّ يمكّنُها من توزيع قوى الضغط على كامل شكل القوس محوِّلةً إيّاها إلى حمولةٍ تنتقلُ إلى ركائز القوس التي تتلقَى الضغط مباشرةً.

ومن ناحيةٍ أخرى، لابُد من وجود قِوى شد في هذه الجسور القوسيّة ولكنّها صغيرةٌ جدًا تكاد لا تُذكر.

 

حيث أنَّ الشكل المنحني للقوس بالإضافةِ لقدرته على تبديدِ الحمولة من شأنه أن يُقلّل من تأثير قوى الشد من الجهة السفليّة للقوس بشكلٍ كبير.

(جسر بيكسبي القوسي في كاليفورنيا – Bixby Creek Bridge, Monterey, CA)

ولكن، كما هو الحال مع الدعامات والجوائز الشبكيّة، فإن الأقواس وحتّى العتيدة منها لايُمكنها تخطّي الفيزياء إلى الأبد، فكلَّما زادت درجة الإنحناء أو التقوّس كلّما زادت معها تأثير قِوى الشد في الجزء السفلي من القوس.

لذا، فبناء قوسٍ كبير سيجعلُ قِوى الشد تتفوق على المقاومة الطبيعيَّة للهيكل الداعم.

وبالرغم من اختلاف وتعدّد الأشكال الجماليّة للأقواس، فإن الهيكل الأساسي لايتغيّر فهنالك على سبيل المثال الأقواس الرومانيّة، الباروكيّة وأقواس عصر النهضة، جميعها تختلف من الناحية المعماريّة لكنّها من الناحيّة الإنشائيّة متماثلة تمامًا.

 

فالأقواس هي المسؤولة عن متانة هذه الجسور ومنعها من الإنهيار.

وفي الواقع فإن أحجار هذه الأقواس لاتحتاج لأيّ مادة رابطة فيما بينها.

فقد بنى الرومانيون القدماء الجسور وقنوات المياه القوسية والتي لاتزال قائمةً حتّى يومنا هذا.


جسر قوسي أثري، ومجرى مائي مرفوع يقطع نهر غاردون في إقليم غارد، فرنسا. يعود تاريخ تأسيسه إلى العهد الروماني.

غير أنّ الجزء الصعب يكمُن في مرحلة بناءِ القوس، حيث أنّ الجزأَين المُتقاربين من الهيكل لا يتمتّعان بسلامةٍ انشائيّة حتّى يلتقيانِ في المنتصف.

ومن أجلِ هذا، فهنالك حاجةٌ ضروريةٌ لاستخدام سقالات إضافيّة أو أنظمة داعمة حتى الانتهاء من بناء القوس.

مواد البناء الحديثة مثل الفولاذ والخرسانة مُسبقة الإجهاد سمحت لنا ببناء أقواسٍ أكبر بكثير مما بناه الرومانيون القُدماء.

حيث أصبحت المجازاتُ تتراوحُ بين (200 و 800) قدمًا أي ما يُعادل (61 و 244 ) مترًا، في حين جسر (New River Gorge Bridge) القوسيّ في ولاية فرجينيا الغربيّة يبلغ (1700) قدمًا أي ما يُعادل (518) مترًا.

جسر (New River Gorge Bridge)

ويُعدُّ جسر (Natchez Trace Parkway Bridge) القوسيّ واحدًا من أكثرِ الجسورِ الثوريّة في السنوات الأخيرة والذي تم افتتاحه لحركة المرور عام 1994.

يتميّز هذا الجسر الأمريكيّ بأنه الأول من نوعه إنشائيًّا حيث تم بناؤه من قِطاعات خرسانيّة مُسبَقة الصنع، وهي وتعتبر من المواد الاقتصادية للغاية.

 

عادةً ما تُستخدم في الجسور القوسيّة دعائمَ عمودية تُدعى (عُروة القوس- spandrels) وظيفتها توزيع حمولة الطريق إلى القوس في الأسفل، ولكن تم تصميم هذا الجسر بلا عُروة حيث يدعمُ الجسرَ من أعلاه إثنين من الأقواس البهيّة مما يخلُق مظهرًا جماليًّا مفتوحًا.

ونتيجةً لذلك، فإنّ مُعظم الحمولات الحيّة تكون في قمّة القوس والذي تمّ جعلُه مسطّحًا قليلًا ليتحمّل الحمولات بشكلٍ أفضل.

جسر (Natchez Trace Parkway Bridge)


إعداد: رامي الحرك
تدقيق: يحيى أحمد

المصدر الأول
المصدر الثاني
المصدر الثالث