كثيرًا ما نسمع جملة: «إنهم يكبرون بسرعة» من الآباء، تعليقًا على أطفالهم وعدم قربهم منهم.

يتعرض العديد من الأطفال حاليًا للمحتوى الجنسي بصورة مبكرة جدًا عما كان عليه الوضع سابقًا، ويرجع ذلك إلى ما يشاهدونه في التلفاز والأفلام والموسيقى ووسائل الإعلام الأخرى، بالإضافة إلى انتشار الإنترنت وسهولة الوصول إلى أي شيء تقريبًا من خلاله، فيمكن للمراهقين الفضوليين التعرض –عن قصد أو بدون قصد- إلى ملايين الصفحات المحتوية على أشياء غير خاضعة للرقابة أو ذات محتوى جنسي، وغالبًا ما تكون غير دقيقة وأحيانًا ضارة.

وقد تقولون: «وماذا في ذلك؟ إذا كان الأطفال لا يفهمون هذه الأمور فكيف يمكن أن يتأثروا بها؟»، في الواقع حتى لو كان الأطفال لا يفهمون الجنس أو دوره في العلاقات البشرية، لكن الصور التي يرونها ستترك فيهم انطباعًا دائمًا.

وهي فرضية أساسية في عالم التسويق، فما نشاهده أو نقرأه أو نوجه اهتمامنا نحوه سيؤثر على سلوكنا.

وكما يعلم أي مسوق: الجنس بائع ناجح.

وهذا هو السبب وراء أننا نرى منتجات وخدمات لا توجد لها أي علاقة بالجنس يُسوق لها بطريقة جنسية تتزايد في الآونة الأخيرة.

وقد بدأت الدراسات حول هذا الموضوع مؤخرًا للأسف، وبُنيت على أساس أن الأطفال الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين 8-9 سنوات يتعرضون لمحتوى جنسي صريح على الإنترنت أو في وسائل إعلامية أخرى، وهناك أسباب للاعتقاد أن ذاك التعرض المبكر له آثار غير مرغوب فيها الآتية:

الجنس المبكر:

أثبتت الأبحاث منذ فترة طويلة أن المراهقين الذين يشاهدون أفلامًا أو يسمعون الموسيقى التي تُمجِّد شرب الخمر أو تعاطي المخدرات أو استعمال العنف، يميلون لممارسة نفس تلك الأنشطة بأنفسهم.

كما أثبتت دراسة أجريت عام 2012 أن الأفلام تؤثر أيضًا على السلوك الجنسي للمراهقين.

وقد وجدت الدراسة التي نُشرت في دورية «Psychological Science»، أنه كلما كانت الفترة التي تعرض فيها المراهقون للمحتوى الجنسي في الأفلام أبكر، كلما أبكروا في ممارسة الجنس الذي من المحتمل جدًا أنه كان غير آمن ضد انتقال الأمراض.

وفي دراسة أخرى، كانت احتمالية المشاركة في الجنس الفموي والجماع الكامل للأولاد بعد عامين من بداية تعرضهم الصريح للمحتوى الجنسي أكثر بثلاثة أضعاف ممن لم يتعرضوا له.

بينما كانت الفتيات اللاتي تعرضن للمحتوى الجنسي أكثر احتمالية لممارسة الجنس الفموي بضعفين والجماع أكثر بمرة ونصف.

كما وتبين الأبحاث أن استماع المراهقين للموسيقى التي تحتوي على إشارات جنسية مهينة يجعلهم أيضًا أكثر عرضة لممارسة الجنس ممن لم يستمعوا لها.

لذا فنتيجة لكل ما سبق نجد أن الرسائل المخفية في الوسائل الإعلامية المختلفة تشجع الأطفال والمراهقين على ممارسة الجنس قبل أن يكونوا ناضجين عاطفيًا واجتماعيًا وفكريًا بفترة كبيرة.

ممارسة الجنس عالي الخطورة:

أثبتت الأبحاث أن الأطفال الذين يمارسون الجنس في عمر 13 يكونون أكثر احتمالية لامتلاكهم عدة شركاء جنسيين، وممارسة الجنس بصورة متكررة، والذي غالبًا يكون بدون وقاية، بالإضافة لتعاطي المخدرات والكحوليات قبل ممارسته.

وفي دراسة أجراها الدكتور (جيننغز براينت- Jennings Bryant)، أفاد أكثر من 66% من الصبيان و40% من الفتيات برغبتهم في تجربة بعض السلوكيات الجنسية التي رأوها عن طريق وسائل الإعلام، والتي غالبًا ما يمارسون معظمها قبل انتهاء مرحلة المدرسة الثانوية، وهو ما يزيد بنسبة كبيرة من معدل الأمراض المنقولة جنسيًا والحمل الغير مرغوب فيه.

إدمان الجنس والحب والعلاقات:

لن يمر بالتأكيد كل طفل تعرض للمحتوى الجنسي مبكرًا باضطراب نفسي، ولكن مع ذلك فإن الأبحاث تبين أن التعرض المبكر للمواد الإباحية هو عامل خطر للإدمان على الجنس واضطرابات العلاقات الحميمية الأخرى.

وقد أجريت دراسة على 932 مدمنًا على الجنس، أفاد 90% من الرجال و77% من النساء المشاركات بها أن المواد الإباحية كانت عاملًا مساهمًا في إدمانهم.

ومع توافر هذه المواد بسهولة شديدة على نطاق واسع على شبكة الإنترنت، أصبحت هذه المشاكل أكثر شيوعًا وبدأت في الظهور مبكرًا لدى الأعمار الأصغر سنًا.

العنف الجنسي:

وفقًا لبعض الدراسات، فإن التعرض المبكر للمحتوى الجنسي «قبل سن الرابعة عشر»، قد يزيد من خطر أن يصبح الطفل ضحية جنسية أو أن يتصرف بطريقة جنسية ضد طفل آخر.

وبالنسبة لبعض الناس، فإن التعرض المتكرر للمواد الإباحية يجعلهم أكثر رغبة في مواد أكثر عنفًا أو انحرافًا مثل: تصوير الاغتصاب أو التعذيب أو الإذلال.

لذلك إذا سعى الناس لممارسة ما قاموا بمشاهدته، فإن ذلك سيجعلهم أكثر عرضة لارتكاب اعتداء جنسي أو اغتصاب أو التحرش بالأطفال.

كما قد يكون للتعرض المبكر للمحتوى الجنسي في وسائل الإعلام تأثير عميق على قيم الأطفال ومواقفهم وسلوكياتهم تجاه الجنس والعلاقات العاطفية.

ولسوء الحظ، فإن وسائل الإعلام لا تعكس دائمًا الرسالة التي يريد الآباء إرسالها لأطفالهم.

وفي ما يلي بعض الطرق التي يمكنك بها -بصفتك أحد الوالدين- ضمان وصول رسالتك لطفلك:

  • اعرف ما يقوم طفلك بمشاهدته أو لعبه أو الاستماع إليه، واستغل الفرصة عندما تسنح لمناقشة أي محتوى أو سلوك غير لائق معهم.
  • حدد مدة مشاهدتهم للتلفاز أو استخدامهم للحاسوب وكن صارمًا فيها.
  • استخدم فلاتر الإنترنت وخاصية التحكم الأبوي لتقوم بتصفية ما قد يتعرضون له عن طريق الخطأ على الإنترنت.
  • تبادل معهم قيم عائلتك وتوقعاتك بشأن الجنس والعلاقات العاطفية.
  • تحدث مع طفلك عن عرض وسائل الإعلام للجنس والعلاقات العاطفية والتمييز الجنسي، وعلِّمهُم التشكيك في دقة ونوايا الرسائل التي يتلقونها.
  • علِّمهُم بناء نموذج صحي للعلاقات مع الآخرين واحترامهم لذواتهم.

ويتبقى خيار حظر وسائل الإعلام بصورة نهائية وهو قطعًا ليس خيارًا واقعيًا بالنسبة لمعظم الأسر، حيث أن الأطفال والمراهقين من سن 8-18 سنة يخصصون وقتًا لوسائل الإعلام متوسطه 7 ساعات ونصف في اليوم النموذجي وفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة «Kaiser Family»، وأكثر من نصف هذا الوقت كان يحتوي على صورًا أو تلميحات جنسية.

لذا فإن الهدف ليس تجنب المشكلة، بل حلها بصورة صحيحة عن طريق الاقتراب من أطفالك ليتعلموا عن الجنس والعلاقات العاطفية من مصدر موثوق في صحته، ألا وهو أنت.


  • ترجمة: أحمد حسين إبراهيم
  • تدقيق: هبة فارس
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر