لقد تخرّجت من الكُليّة ومدرسة الدراسات العُليا مُنذ عدة أعوام، لكن هناك سؤال صغير قد طرأ في رأسي مُنذ بداية دراسة عِلم الفلك ولا يزال يُثير ذهني: إذا كان باستطاعتنا استخدام Red shift (زيادة الطول الموجي للضوء عندما يتجه بعيدًا) لتحديد المُعدّل والاتجاه الذي تتحرك به الأجسام بعيدًا عن الأرض، ألا يُمكن أن نأخذ عيّنة من الأجسام ونستنتج من سرعتها وحركتها نقطة الأصل، أو النقطة التي يتحركون منها في الفضاء، أي نقطة نشأة الانفجار العظيم؟

لقد قرأت السؤال الآخر الذي يشرح كيف تُسافر الأجسام مُبتعدة عن بعضِها وكيف أنّ الكون يتمدد، لكن ذلك لا يُمثِّل حقيقة وصف الانفجار العظيم دائمًا بأنّه تِلك النقطة الضئيلة لمادة هائلة الكثافة.

أعتقد أنّ قياس زيادة الطول الموجي لضوء الأجسام المُبتعِدة يُمكنه أن يُعيدنا إلى النقطة المِحورية لهذه المسألة الهامة.

يُوصف الانفجار العظيم في معظم الأحيان على أنّه مقدار ضئيل من المادة، لكن يُعَد ذلك مُبالغة في التصغير من حجمه.

إن كان الانفجار العظيم قد حدث في نقطة معينة في الفضاء، قاذفًا المجرات في كل الإتجاهات، وقتها يجب أن نتوقع أن تكون مجرتنا واحدة من ضِمن العديد من المجرات الموجودة في غُلاف من المجرات آخذًا في الاتساع، ومركز هذا الغلاف هو نقطة الانفجار.

برغم ذلك، ليس هذا ما نراه، وليس ما تنبأ به الانفجار العظيم.

إن كُنّا موجودين في غُلاف من المجرات، لكان بإمكاننا رؤية العديد من المجرات عندما ننظر في اتجاهات الغُلاف، وقليل منها عند النظر عموديًا عليه (بالأعلى للخارج أو بالأسفل للداخل).

بالإضافًة إلى ذلك، تعتمد المسافات وانتقالات الأطوال الموجية لنمط مُماثل على الاتجاه الذي ننظر ناحيته.

فعندما ننظر على طول مماس الغُلاف، يُمكننا رؤية عديد من المجرات القريبة لها ضوء طوله الموجي طويل (مسافرًا عكس اتجاهك).

عندما ننظر إلى أسفل بداخل الغُلاف، يُمكننا رؤية مجرات لها ضوء طوله الموجي قصير (مسافرًا باتجاهك).

(بالأعلى خارج الغُلاف يُمكننا فقط رؤية فضاء فارغ).

ليس هذا ما نراه، فالمجرات البعيدة والقريبة، منتشرةً بانتظام في جميع الأرجاء حولنا.

لا يعتمد عدد المجرات أو مدى بُعدها على اتجاه رؤيتنا (نرى إنها متجانسة)، والتوزيع المتجانس يُعد أيضًا مُتماثل، بمعنى أنّه لا يهم أين توجد في الكون، فإنك سترى بالضبط نفس متوسط انتشار المجرات وانتقالات الأطوال الموجية.

لا، تلك النقطة الصغيرة من المادة التي كانت هي الانفجار العظيم، لم تكُن نقطة ضئيلة من شيء داخل كَوْنٌ فارغ.

في الواقع لقد كانت هي الكون الملحوظ بالكامل.

لم يكن هناك (خارج) تلك النقطة يُمَكِّنُهَا من الانفجار داخله.

في الواقع، لم يكن الانفجار العظيم انفجارًا على الاطلاق؛ لقد كان ببساطة الحالة شديدة الحرارة للكون الأوَّلي.

فقد كانت المسافات بين الجُسيمات حينها أقصر بكثير، ولكن الكون كان لايزال متجانسًا ومتماثلًا.

أينما كنت في الكون الأوَّلي، كنت لترى انتشارًا متجانسًا ومُنتظمًا للمادة والطاقة من حولك.

لم يكن هناك (فضاء) فارغ موجود خارج هذه النقطة المادية لتتوسع بداخله، ذلك لأنّ الفضاء بأكمله كان هناك بالأساس، أقصِد في تلك (النقطة) الصغيرة.

يتم الكشف عن اتساع الكون فقط من خلال تمدد الفضاء نفسه، مسافات متزايدة بشكل دائم بين الأجسام البعيدة، ليس في (فضاء فارغ) مُعيّن يمتلئ تدريجيًا بينما تتدفق المادة بداخله، بل تتمدد تلك المسافات بالتساوي في جميع الاتجاهات.

وبالتالي، يصعُب تعقُّب مسارها لنقطة مُنفرِدة.

إذا حاولت فِعل ذلك، ستكتشف أنّ هذه النقطة المُنفرِدة هي التلسكوب الخاص بك، بغض النظر عن مكان ملاحظتك له في الكون.

في النهاية، فإن (النقطة) محور السؤال كانت هي كل ما في الفضاء، بل كانت هي الكون المُلاحظ بأكمله.

حدث الانفجار العظيم في كل مكان.

حدث تمامًا حيثما تجلس، حيثما توجد مجرة أندروميدا الآن، وحدث حتى في الأماكن الأكثر بُعدًا في الكون.

كل ما في الأمر أنّه لم تكن أبعاد الكون بعيدة تمامًا مثل تِلك مُنذ مليارات السنين.


  • ترجمة: بسام محمد عبد الفتاح
  • تدقيق: وائل مكرم
  • تحرير:يمام اليوسف
  • المصدر