اقتصاد البيانات

وضِعَت قوانين مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة الأمريكية للحد من الإحتكارات التي شهدها القرن الماضي.

غيرَ أن هذه القوانين لا تناسب اقتصاد البيانات في يومنا هذا.على العموم، يوجد هناك عدة طرق لإصلاح هذه القوانين وتمكينها من حماية المستهلكين مجددًا.

ثورة البيانات

وضع صُنّاع القانون، قبل أكثر من مئة عام، قوانين مكافحة الاحتكار وذلك إثر أكبر فجوة في الثروة بين الأغنياء والفقراء كانت قد شهدتها أمريكا على الإطلاق.

ففي العام 1911  أمرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية بحلّ شركة Standard Oil المملوكة من قبل John D. Rockefeller.

في حين أخذ الاعتراف بضرورة إنهاء السيطرة الاحتكارية على موردٍ ذي قيمة كبيرة كهذا، يتردد صداه كثورة من نوع جديد تُعرَف بثورة اقتصاد البيانات.

في الوقت الحالي، يوجد هناك خمسة قوى عملاقة في مجال التكنولوجيا، وهذه القوى هي :غوغل  الشركة الأصل لشركة Alphabet وكذلك مايكروسوفت وأمازون وفيسبوك وآبل، وجميعُها تُعتَبَر الشركات الأغلى في العالم.

فقد أوضحت صحيفة (The Economist) أن الربح الصافي لهذه الشركات بلغ في الربع الأول من هذه السنة أكثر من 25 مليار دولار.

فشركة أمازون تتقاضى 50سنت مقابل كل دولار يُصرَف على الإنترنت، كما أن شركتي فيسبوك وغوغل مسؤولتان تقريبًا عن نمو إيرادات كل الإعلانات الرقمية في الولايات المتحدة الأميركية في العام 2016.

وتختلفُ البيانات عن النفط وغيره من الموارد في الماضي، لكنها لا تقلُّ أهميةً عنها.

فمع البيانات ليس هنالك حد لما يمكن استخلاصه، إذ أن عملية التنقيح تتطور باستمرار، كما أن الطريقة التي تُباع وتُشترَى وتثمّن بها البيانات تمتاز بالديناميكية(الفعالية).

ولا شك أن البيانات تفتح المجال واسعًا أمام العديد من فرص العمل القيّمة لمجموعة هائلة من الشركات.

على سبيل المثال، يشير مستخدموا الفيسبوك إلى أنفسهم وكذلك إلى أصدقائهم في الصور التي ينشرونها على صفحاتهم الشخصية، وباستخدام هذه البيانات تتمكن قدرات الذكاء الاصطناعي للبرنامج من التعرف على الوجوه بكفاءة عالية.

في حين تبقى حقوق الملكية لهذه البيانات موضعَ الشك.

وتكون الشركات الكبرى في هذا الميدان متقدمة كثيرًا على الجميع، ولا سيّما نحن -المستهلكين الفرديين- الذين نقدم البيانات في كل خطوة نقوم بها.

ولكن تاريخ قانون مكافحة الاحتكار يؤكد لنا أن هذا القانون لم يوجد لتمكين الشركات بل لحماية المستهلك، وإلى حدٍ ما، بقي ذلك صحيحًا حتى الآن.

البيانات ومكافحة الاحتكار

كما تشيرُ صحيفة The Economist فإن مجرد كون هذه الشركات ضخمة وقوية لا يكفي لاعتبار أنه هنالك مشكلة ما، وتشير أيضًا إلى أن نجاح تلك الشركات قدّم الفائدة للمستهلكين في العديد من الطرق.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنه عند إخضاع تلك الشركات إلى اختبارات معيارية لمكافحة الاحتكار وكذلك اختبارات ليبرالية كتلك التي تُطَبق في الاتحاد الأوروبي، نجد أن أغلبها غير مضرّة، وذلك لأن العديد من الخدمات التي توفرها هذه الشركات مجانية أو رخيصة، أوربما تكون مقابل تلك البيانات.

ومع ذلك فإن السيطرة على البيانات تمنح عدد قليل من شركات التكنولوجيا قوةً هائلة.

ولمراقبة وتنظيم هذا النوع الجديد من الاقتصاد لا بدّ أن يكون هناك أنظمة جديدة، وذلك لأن قوانين مكافحة الاحتكار التقليدية وطرق التفكير في دراستها، والتي وضِعَت لتناسب أيام نفط روكفيللير، أصبحت قديمة وغير كافية للتعامل مع اقتصاد البيانات.

وقد غيّر هذا الكم الهائل من البيانات المتواجدة الآن، والتي تُنتَج باستمرار وبشكل ثابت، طبيعة المنافسة في الأسواق التجارية العالمية.

علاوةً على الحصانة التي تتمتع بها الشركات الكبرى من المنافسة وذلك نتيجة لما يُعرف بتأثير الشبكة(أي الزيادة في قيمة المنتج أو الخدمة نتيجة للزيادة الحاصلة في إقبال المستهلكين أو استخدامهم لهذا المنتج أو هذه الخدمة) مما يضمن لها عدم تمكن المنافسين الضعاف من تطوير منتجاتهم بتلك النظرة التنافسية.

ولكن ماذا الذي يحصل عندما يبتكر طفل ما شيئًا جديدًا قد يشكل خطرًا على تلك الشركات؟

على الأرجح، تعرفُ إحدى شركات التكنولوجيا الكبرى بذلك في الوقت المناسب لشرائه وذلك قبل أن يصبح منافسًا لها، كما فعلت شركة فيسبوك عندما اشترت WhatsApp مقابل 19مليار دولار.

ولكن ماذا لو كان هناك قانون جديد أكثر فعالية لمكافحة الاحتكار في اقتصاد البيانات، على ماذا سينص هذا القانون؟

في سبيل ذلك، تطرحُ صحيفة The Economist فكرتان :

تنصُّ الأولى على أن هذا القانون لا بدّ أن يقيّم كمية البيانات التي  ستكون متاحة للشركات الناتجة عن الاندماج، وأن يأخذ في الاعتبار احتمال كون الإندماجات الكبيرة، والتي تحدث بصورة غير طبيعية مثلما حصل مع(فيسبوك-واتسأب)، ممارسات لقتل المنافسة.

أما الثانية فتقول إنه على هيئات الرقابة أن تتعامل مع الأمر بشفافية، مما يجبر الشركات على إعلام المستهلكين بالبيانات التي يتم أخذها وكذلك بالأسباب التي تؤخذ من أجلها، كما يجبرها على تمكين المستهلكين، بالإضافة إلى طرفٍ ثالث، من الوصول إلى تلك البيانات بسهولة.

ولسوء الحظ، يبدو أن هيئة الاتصالات الفيدرالية وكذلك مجلس الكونغرس غير متحمسين في الوقت الحالي لدعم هذا النوع من التعديل على قانون مكافحة الاحتكار.

ووفقًا لقرارات الحكومة الأخيرة، قد يكون إقناع صُنّاع القانون بضرورة انتزاع المزيد من السلطة من الشركات الضخمة أمرًا صعبًا.

وفي الوقت الحالي ليس أمامنا سوى أن نراقب كيف يتطور اقتصاد البيانات، وإذا ما كان سيغيّر من وجه الثروة والسلطة في الولايات المتحدة الأمريكية.


  • ترجمة: محمد غيث
  • تدقيق: أسمى شعبان
  • تحرير: أحمد عزب

المصدر