أحدثت تقنيات الإخصاب المساعد (ART)، وعلى رأسها الإخصاب الصناعي خارج الجسم (IVF)، ثورة كبيرة في مجال العقم لدى الرجال والنساء، حيث ساعدت العديد من الأزواج الذين يعانون من مشاكل في الخصوبة أو مشاكل جينية على تحقيق رغبتهم بإنجاب الأطفال.

ولدت لويز براون عام 1978 كأول طفلة تولد بفضل تقنية الإخصاب خارج الجسم، وهي الآن تملك عائلتها الخاصة.

ومنذ نهاية السبعينيات ولغاية الآن ولد حوالي 4 مليون طفل عن طريق هذه التقنية في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، وقد حاز روبرت إدواردز (Robert Edwards) مبتكر هذه الطريقة على جائزة نوبل في الطب في عام 2010 لتطويره إياها، علمًا بأنه بدأ البحث في استخدام الإخصاب الصناعي خارج الجسم كعلاج للعقم منذ بداية الخمسينيات.

يُعَد الإخصاب الصناعي خارج الجسم (IVF)أكثر تقنيات الإخصاب المساعد فعالية، ويتضمن سلسلة من الإجراءات تشمل أخذ عدة بويضات ناضجة من مبيضي الأم بعد إعطاءها بعض الأدوية المحرضة للإباضة، ليتم تلقيحها فيما بعد مخبريًا بنطاف من الأب بحيث توضع ضمن حاضنة تحت ظروف معينة حتى يتم الإلقاح ثم تعاد البيوض الملقحة أو المضغات إلى الرحم لتكمل رحلتها.

يمكن أن تؤخذ النطاف أو البويضات في حالات خاصة من متبرعين معروفين أو مجهولين، كما يمكن أن يعاد زرع البيوض الملقحة داخل رحم سيدة أخرى في بعض الحالات عندما يكون الرحم لدى الأم معتلا، أو في حال كان الحمل سيؤدي إلى مخاطر تهدد حياتها.

لمَ ولمن تستخدم هذه الوسيلة؟

الإخصاب الصناعي خارج الجسم هو علاج للعقم والمشاكل الجينية، فإذا كان الاستخدام لعلاج العقم، فقد ينصح الزوجان بالبدء بطرق أبسط كالأدوية والإمناء داخل الرحم، وهي طريقة تتضمن وضع النطاف مباشرةً داخل الرحم عند اقتراب موعد الإباضة.

وفي بعض الأحيان يكون التلقيح الصناعي أول خيار مقترح لعلاج العقم عند النساء اللاتي تجاوزن الأربعين من العمر، ويمكن أن يكون خيارًا أيضًا في بعض الحالات الصحية الأخرى مثل:

– انسداد أو تخرُّب قناتي فالوب: فهذا قد يؤدي إلى صعوبة في تلقيح البويضة أو إلى صعوبة في انتقال البيضة الملقحة إلى الرحم للتعشيش.
– اضطرابات الإباضة: عدم انتظام الإباضة أو غيابها سيقلل أو يعدم احتمالية التلقيح.

– الفشل المبيضي المبكر (Premature ovarian failure): أو القصور المبيضي الأساسي وهو فقدان وظيفة المبيض الطبيعية قبل سن الأربعين.

– الانتباذ البطاني الرحمي (Endometriosis): وفيه يحدث ازدراع ونمو للنسيج الرحمي خارج الرحم، وهذا غالبًا ما يؤثر على وظيفة المبيض والرحم وقناتي فالوب.

– الأورام الليفية في الرحم (Uterine fibroids): وهي أورام سليمة في جدار الرحم وهي شائعة عند النساء في الثلاثينات والأربعينات من عمرهن، وقد تؤثر في بعض الأحيان على عملية انغراس البيضة الملقحة.

– إزالة البوقين أو التعقيم البوقي السابق: ربط البوقين أو قناتي فاللوب هو وسيلة منع حمل دائمة، وقد يفيد الإخصاب الخارجي في حال أرادت السيدة الحمل بعد ذلك.

– ضعف في إنتاج أو في وظيفة النطاف: قلة عدد النطاف أو ضعف حركتها أو وجود أي عيوب في شكلها أو حجمها سيؤثر على عملية الإلقاح، وفي حال وجود عيوب أو شذوذات في النطاف فيجب استشارة الطبيب المختص لمعرفة الأسباب الكامنة وراء ذلك وفيما إذا كانت مشكلة قابلة للتصحيح.

– العقم غير المفسر: أي عندما لا يوجد أي سبب واضح للعقم بعد إجراء الاستقصاءات اللازمة.

– الاضطرابات الجينية: إذا كان الزوجان يحملان أو يعانيان من اضطرابات جينية قد يمررانها لأبنائهم، فهما مؤهلين للقيام بالفحص الجيني قبل الزرع(PGD) ، وهذا الإجراء يتطلب الإخصاب الصناعي الخارجي.

– إذا كانت السيدة مقبلة على علاج كيماوي أو إشعاعي يؤثر على الخصوبة فيمكنها حفظ بويضاتها مجمدة إلى حين استخدامها عبر الإخصاب الصنعي خارج الجسم، ويمكن حفظ المضغات أيضًا.

ما هي المخاطر التي قد تحملها هذه الطريقة؟

– الحمل المتعدد: قد يحدث تعشيش لأكثر من مضغة واحدة وهذا يؤدي إلى الحمل المتعدد أو التوأمي، وقد صُنِّف هذا ضمن المخاطر لأنّ الحمل المتعدد يرفع من احتمالية حدوث مخاض مبكر وانخفاض وزن الوليد.

– الولادة المبكرة وانخفاض وزن الوليد: الأبحاث ترجح أنّ هذه التقنية قد ترفع بشكل ضئيل من احتمالية حدوث ذلك.

– متلازمة فرط تحريض المبيض: بعض الأدوية المحقونة المستخدمة لتحريض الإباضة مثل هرمون موجهة الغدد التناسلية المشيمائية البشرية (HCG) قد تؤدي إلى حدوث هذه المتلازمة التي تظهر بأعراض قد تكون خفيفة أو معتدلة أو شديدة تتضمن ألم بطني وانتفاخ وغثيان وإقياء وإسهال وكسب للوزن وانخفاض بحجم الصبيب البولي مع بول غامق اللون وإحساس بالعطش الشديد مع جفاف البشرة والشعر، وفي الحالات الشديدة قد تتفاقم هذه الأعراض مؤدية إلى كسب سريع للوزن وقصر في النفس، وقد تستمر هذه الأعراض لعدة أسابيع في حال حدوث حمل.

– الإسقاط: لم يلاحظ أي ارتفاع في معدلات الإسقاط بسبب استخدام هذه الطريقة ولكن الاحتمال يرتفع مع تقدم عمر الأم، كما أنّ استخدام المضغ المجمدة قد يرفع احتمال الإسقاط بشكل طفيف.

– مضاعفات استخراج البويضات: تستخرج البويضات من المبيض عبر إبر خاصة، وقد يحمل ذلك خطر حدوث نزف أو إنتان أو تأذي للأمعاء أو المثانة أو الأوعية الدموية، كما يوجد مخاطر تتعلق بالتخدير المستخدم في هذه العملية في حال استُخدِم.

– الحمل الهاجر أو المُنتَبَذ (Ectopic pregnancy): في حوالي 2-5% من الحالات المستخدمة لهذا الطريقة سيحدث حمل هاجر خارج الرحم عادةً في قناتي فالوب مما يؤدي إلى إنهاء الحمل.

– العيوب الخلقية: عمر الأم هو عامل الخطر الرئيسي لحدوث ذلك مهما كانت طريقة الإلقاح، ونحتاج المزيد من الأبحاث لمعرفة إذا كان للإخصاب الصنعي خارج الجسم أي دور في حدوث عيوب خلقية معينة.

إلا أنّ بعض المختصين لا يعتقدون بأنّ الإخصاب خارج الجسم يرفع من خطر حدوث أي عيوب.

– سرطان المبيض: على الرغم من أنّ الأبحاث القديمة رجحت وجود ارتباط بين الأدوية المستخدمة لتحريض الإباضة وحدوث نوع معين من سرطان المبيض، إلا أنّ الدراسات الحديثة لا تدعم ذلك.

– التوتر والضغط النفسي: استخدام هذه الطريقة قد يكون مكلفًا ماديًا وعاطفيًا وجسديًا، وقد يساعد الدعم المعنوي من الأصدقاء والأقارب في التغلب على ذلك.

ما هي التحضيرات السابقة لهذه العملية؟

قبل البدء سيطلب الطبيب بالإضافة للفحوص الروتينية بعض الفحوصات الأخرى، التي قد تتضمن ما يلي:

– فحص احتياطي المبيضين: قد يشمل ذلك قياس تركيز الهرمون المحرض للجريب (FSH) والإستراديول والهرمون المضاد لموللر في الدم في الأيام الأولى من الدورة الطمثية، هذه الفحوص، بالإضافة لتصوير المبيضين بالأمواج فوق الصوتية (الإيكو أو السونار)، ستساعد في توقع كيفية استجابة المبيضين لأدوية التخصيب.

– تحليل النطاف: في حال عدم إجراؤه سابقًا سيطلب الطبيب القيام به.

– تجربة نقل المضغة: قد يقوم الطبيب بذلك لتحديد عمق جوف الرحم والتقنية التي سيستخدمها لضمان عملية نقل ناجحة فيما بعد.

– فحص جوف الرحم: وقد يكون ذلك عبر تصوير الرحم المائي بمساعدة الأمواج فوق الصوتية عبر المهبل (Sonohysterography) أو باستخدام منظار الرحم (hysteroscopy).

– فحوص لكشف الأمراض الوبائية والأمراض المنتقلة بالجنس.

ما هي الإجراءات المتبعة وكيف تتم العملية؟

يتضمن الإخصاب الصناعي خارج الجسم سلسلة من الخطوات، وتستغرق الدورة الواحدة منه حوالي الأسبوعين، وهذه الخطوات تتضمن:

– تحريض الإباضة: للحصول على عدة أجربة ناضجة عوضًا عن جراب ناضج واحد كما في الحالة الطبيعية، ويشمل ذلك تناول أدوية لتحريض المبيضين وهي عبارة عن حقن للهرمون المنبه للجريب (FSH) والهرمون الملوتن (LH) وأدوية لإنضاج البويضات عندما تصبح الجريبات جاهزة للسحب بعد حوالي 8إلى 14 يوم بحيث توصف هذه الأدوية كهرمون موجهة الغدد التناسلية المشيمائية البشرية (HCG) أو أدوية أخرى لتساعد البويضة على النضج بالإضافة إلى أدوية تمنع حدوث الإباضة المبكرة وأدوية لتحضير بطانة الرحم.

في بعض الأحيان قد تتوقف العملية عند هذه المرحلة وذلك لعدة أسباب تتضمن: عدد أجربة قليل أو غير كافي، حدوث إباضة مبكرة، تطور عدد كبير من الأجربة مما يؤهب لخطر حدوث متلازمة فرط تحريض المبيض، أو أسباب طبية أخرى.

– سحب البويضات: بعد حوالي أسبوعين من بدء التحريض تصبح البويضات جاهزة للسحب، ويتم ذلك عادةً عبر الإيكو أو السونار المهبلي وفي بعض الحالات عبر تنظير البطن، بحيث تسحب البويضات من الأجربة عبر إبرة مرتبطة بجهاز سحب أو شفط ولا يستغرق ذلك عادة الكثير من الوقت، بعد هذا الإجراء قد تشعر السيدة ببعض التقلصات والإحساس بالامتلاء أو الضغط.

توضع البويضات الناضجة ضمن وسط مغذي مناسب، لتؤخذ فيما بعد البويضات الصحية والجيدة منها وتوضع مع النطاف في وسط حاضن لحدوث الإلقاح، ومع ذلك قد لا ينجح تلقيح جميع البويضات.

– سحب وتحضير النطاف: تؤخذ النطاف من عينة من السائل المنوي وتفصل عنه في المخبر، تتم دراسة حركية النطاف ومدى صحتها وتعدادها كما ذكرنا سابقًا، وفي بعض الحالات يتم سحب النطاف عبر إبرة أو إجراء جراحي مباشرة من الخصية.

– التلقيح: ويكون ذلك عبر وضع البويضات والنطاف في وسط حاضن ومناسب ليحدث الإلقاح أو عبر الحقن المباشر(ICSI) وفيه يتم حقن نطفة واحدة داخل كل بويضة ناضجة بشكل مباشر وهذا يجرى عادةً عندما تتواجد مشاكل في تعداد النطاف أونوعيتها أو في حال فشل الطريقة الأولى في تجارب سابقة للإخصاب خارج الرحم لنفس الزوجين.

في بعض الحالات الخاصة قد يطلب الطبيب القيام بإجراءات معينة قبل إعادة المضغ أو الأجنة إلى الرحم وتتضمن:

  •  ثقب جدار الأجنة أو التفقيس المساعد (Assisted hatching) : ويتم ذلك بعد حوالي خمسة إلى ستة أيام من الإلقاح لمساعدة المضغة على التعشيش داخل الرحم، ويجرى للسيدات الأكبر سنًا وفي حال تكرار فشل محاولات التعشيش السابقة.
  •  الفحص الجيني قبل الزرع (Preimplantation genetic testing): تُحْضَن المضغ حتى مرحلة معينة ليؤخذ منها عينة ويتم فحصها لكشف بعض الأمراض الوراثية المتوقعة حدوثها أو الموروثة من الوالدين، وبهذا يتم استبعاد الأجنة المصابة وتعاد للرحم الأجنة غير المصابة.

– إعادة المضغات إلى الرحم: ويكون ذلك بعد يومين إلى ستة أيام من سحب البويضات وتختلف المدة بحسب الحالة، وهو إجراء غير مؤلم يتم بإدخال قثطرة عبر المهبل إلى الرحم مرتبطة بمحقنة تحوي سائل يحمل المضغ ويقوم الطبيب أو الممرضة بوضع المضغ داخل الرحم.

بعد نقل المضغات إلى الرحم يمكن للسيدة أن تعود لنشاطاتها اليومية الطبيعية مع مراعاة عدم القيام بالأعمال المجهدة التي تقود لعدم الارتياح، وتشمل الأعراض الجانبية الاعتيادية ما يلي:

  •  نزول كمية صغيرة من سائل رائق أو مدمى بعد إعادة المضغات إلى الرحم.
  •  ألم ممض أو ألم عند الضغط في الثديين بسبب المستويات المرتفعة من الأستروجين.
  •  شعور خفيف بالامتلاء أو النفخة.
  •  انقباضات خفيفة الشدة.
  •  إمساك.

في حال حدوث ألم شديد أو معتدل بعد عملية الإعادة يجب إخبار الطبيب بسرعة لتقييم وتحديد المضاعفات المحتملة من حدوث إنتان أو انفتال في المبيضين أو حدوث شكل شديد لمتلازمة فرط تحريض المبيضين.

ما هي النتائج وعلام تعتمد؟

بعد 12 يوم إلى أسبوعين من سحب البويضات، تؤخذ عينة من دم الأم لتحديد ما إذا كانت حاملا أم لا.

وفي حال حدوث حمل، تُحوَّل السيدة إلى الأخصّائي المناسب، أمّا في حال عدم حدوث حمل، فيتم إيقاف تناول الأدوية الموصوفة لتبدأ الدورة الطمثية خلال أسبوع، وفي حال حدوث نزف غير طبيعي يجب استشارة الطبيب وعدم تجاهل الموضوع.

فرص حدوث حمل وإنجاب طفل سليم عبر الإخصاب خارج الجسم يعتمد على عوامل متعددة، تتضمن:

– عمر الأم: كلما كانت الأم أصغر سنًا كلما كانت فرص الحصول على حمل صحي وسليم أكبر، وفي حال كانت بعمر 41 سنة أو أكثر تُنصَح بالتفكير في استخدام بويضات متبرعة.

– وضع المضغات: نقل الأجنة الأكثر تطورًا مرتبط بارتفاع معدلات حمل أكبر مقارنةً بالأقل تطورًا.

– التاريخ الإنجابي: فرص نجاح حمل السيدات اللاتي أنجبن سابقًا أكبر ممن لم ينجبن أبدًا، كما أنّ فرص حدوث الحمل أقل لدى السيدات اللاتي مررن بتجارب إخصاب صنعي خارجي فاشلة سابقة.

– سبب العقم: إذا كان الجهاز التكاثري سليمًا، تزداد احتمالية حدوث حمل عبر الإخصاب خارج الجسم، فالسيدات المصابات بالانتباذ البطاني الرحمي الشديد يمتلكن فرص نجاح أقل من السيدات اللاتي لا يمتلكن سبب واضح للعقم.

– عوامل تتعلق بنمط الحياة: السيدات المدخنات عادة ما يمتلكن عددًا أقل من البيوض الناضجة عند السحب، كما أنّ فرص حدوث الإسقاط أكبر لديهن.

التدخين يمكن أن يقلل من فرص نجاح الحمل باستخدام الإخصاب الصنعي الخارجي بنسبة 50%.

البدانة أيضًا تؤثر على فرصحدوث الحمل والإنجاب، كما أنَّ استخدام الأدوية المنشطة والكحول والاستهلاك المفرط للكافئين وبعض الأدوية قد يكون ضارًا.


  • ترجمة: دانيا الدخيل
  • تدقيق: إبراهيم صيام
  • تحرير: عيسى هزيم
  • المصدر