إنه لأمر مثير للتساؤل لماذا لا يقلع المدخنون عن التدخين بعد معرفتهم أنه يسبب الوفاة.

أو لماذا لا يخسر الشخص البدين بعض الباوندات بعد معرفته بالتأثيرات القاتلة للوزن الزائد.

جاء العلماء بحزمة من الأسباب عن تعلق الإنسان بالعادات السيئة، وعدم فعلهم أي شيء للتخلص من تلك العادات.

هل نقوم بقتل أنفسنا؟

أجرى العلماء دراسةً في مركز التحكم بالأمراض في الولايات المتحدة وتوصّلوا إلى أن العادات السيئة والتي يمكن تجنبها، كالتدخين، الحمية السيئة، ونقص التمرينات الرياضية، أدت إلى نصف حالات الوفاة بالولايات المتحدة في عام ٢٠٠٠.

حيث أدى التدخين إلى ٤٣٥ ألف حالة وفاة.

قلة النشاط والطعام السيء إلى 400 ألف حالة وفاة.

استهلاك المشروبات الكحولية إلى 85 ألف حالة وفاة.

من بين الأسباب المقترحة:

  • الميل البشري الفطري للإنكار والمقاومة.
  • الحاجة للتقبل الاجتماعي.
  • عدم القدرة على تفهم طبيعة الخطر الحقيقية.
  • الرؤية الشخصية للأمور والقدرة على تبرير العادات غير الصحية.
  • الميل الجيني للإدمان.

ربما تظن أن هؤلاء الناس يتحركون في مهمة واحدة باتجاه تدمير النفس بدلًا من أن يرغبوا بالخلود.

تقول «سيندي جاردين» من جامعة ألبيرتا: «وجدنا أن الناس لا يغيرون عاداتهم السيئة، ولكن هذا ليس بسبب عدم درايتهم بالأخطار الكبيرة لذلك، ولكننا نميل إلى العيش للحاضر والمستقبل القريب بدلًا من أن نفكر في المستقبل البعيد.»

التعرف على القاتل:

قامت دراسة بقيادة «جاردين»، باستطلاع استقصائي على عينة من 1200 شخصًا في ألبيرتا بكندا في عام 1994 ومرة أخرى في 2005 عما يمكنهم اعتباره تصرفات خطيرة.

قيّم الكثير من المشاركين عادات كالتدخين، وشرب الكحوليات، والتعرض للشمس لفترة طويلة، على أنها أفعال أكثر خطورة من نقص الأوزون والتلوث الكيميائي.

في دراسة شبيهة أقيمت عام 2008، استفسر العلماء عن سبب تقييم سكان كندا الأصليين لتلك الأفعال على أنها خطيرة أو أنها ليست كذلك.

على سبيل المثال، عندما سألوا عن قيادة السيارة مع شرب الكحوليات، ذكر المشاركون أن ذلك قد يضرك ويضر غيرك.

فإذا كان الناس يعلمون أن التدخين قد يقتلهم، أو القيادة وهم متعاطون للكحول قد تكون قاتلة، يقترح المنطق أنهم يجب أن يتوقفوا عن ذلك.

ولكن بالرغم من معرفتهم بالمخاطر، تخبرنا «جاردين» أن الناس تواصل فعل العادات السيئة.

جميع الناس يفعلون ذلك:
تقترح «جاردين» عدة أسباب لهذه النتائج المتناقضة فمثلًا، عندما يكون الفعل مقبولًا بين الناس أو ربما محبذ عند البعض، تميل الناس للتصالح مع الحقيقة القائلة بأنه فعل مضر، ذاكرين لنفسهم (كل الناس تفعل ذلك).

تقول (جاردين) في هذا الإطار: «إنهم يبررون أفعالهم بقولهم: نحن نعلم أن ذلك سيء، ولكن في الدوائر الاجتماعية إنه يجعلني مقبولًا بشكل أكبر.

فينتهي الأمر بالعادة بشيء يبرره الناس بشكل ما، ويكون من الأسهل تبريره بشكل يجعله يتلائم مع الوسط الاجتماعي.»

إحدى الطرق التي تؤدي إلى التصالح مع التدخين أو الأكل بشراهة هي التجربة الفردية التي تدعم الفعل، فبإمكانك أن تقول (حسنًا، إنها لم تضرني بعد) أو (جدتي دخنت طوال حياتها وعاشت لمدة 90 عامًا).

في 2004 استنتجت (جاردين) أن التوتر والإجهاد دفع الناس للتدخين كأكثر عادة خطيرة.

و تقول: «الكثير منا يرتدي عباءة التوتر والإجهاد هذه الأيام، فبدلًا من النظر إليهما كمسببين للضرر الجسدي أو إيذائهما للعلاقات العائلية، يميل الناس للتباهي به وكأنه نجاحٌ عظيم.»

التفسيرات المحفوفة بالمخاطر:

إن احتمالية الإصابة بمرض أو الوفاة نتيجة مادة أو فعل معين تصاغ رقميًا، كنسبة مئوية.

وجدت (إلين بيترز) من جامعة أوريغون، أن هناك اختلافًا بين مجيدي الحساب وغيرهم في النظر إلى نفس المعلومات.

فغير مجيدي الحساب وقراءة الأرقام، الذين يميلون للاعتماد على المخاوف أكثر من الأدلة الدامغة، يقودهم الخوف من السرطان لاتخاذ قرارات إما إلى التدخين أو عدمه، أو إلى أهمية العلاج لأنواع محددة من السرطان.

فالأمر يعود للعواطف كمرشد لاتخاذ الاختيارات، كما تقترح بيترز.

ولهذا السبب فهي تعتقد أن حملة (الحقيقة) التي أجريت بواسطة مؤسسة American Legacy Foundation وغيرها من الحملات المعادية للتدخين كانت مؤثرةً للغاية.

أظهرت إعلانات الحملة صورًا بشعة لنزيف المخ والتهابات القلب مع عبارات تذكر أن التدخين هو السبب.

يُظهر أحد الفيديوهات فأرًا بحجم الإنسان يمشي في أحد أنفاق المترو وقد رأى لافتة تذكر أن التدخين يحتوي على سم الفئران فسقط على الفور.

أظهرت دراسة بواسطة تلك المؤسسة أن 22% من النقص الإجمالي في معدل التدخين بين الشباب من عام 2000 إلى عام 2002 كان بسبب حملتهم (الحقيقة).

لا يوجد لقاح للتصرفات السيئة:

يلعب كلًا من المحيط الاجتماعي والمحيط البيئي دورًا كبيرًا في تغذية العادات السيئة.

على سبيل المثال، إذا علمت أن كل أصدقائك يظلون مستيقظين طوال الليل، أو يبقون طوال النهار تحت ضوء الشمس على الشواطئ، أو يدخنون مرات عديدة أثناء فترات الراحة في العمل، هذا سيؤثر عليك إذا كنت تود أن تكون جزءًا من ذلك النشاط أيضًا.

أكل البطاطس على الأريكة ربما ارتبط بالتلفاز بواسطة عوامل خارجية أكثر من كونه نقص رغبتنا في أن نكون أصحاء.

تقول (أندريا جيلين) من مدرسة بلومبرج للصحة العامة بجامعة جون هوبكنز: «إننا نخبر الناس أن عليهم بزيادة النشاط الجسدي، ولكن في بعض الأحياء، إذا خرجت للمشي فإنك تضع نفسك تحت خطر الطريق؛ إما بالمرور غير المنظم أو بالعنف في الجوار».

يتطلب الإتيان بحملات توعية صحية ناجحة المزيد من البحث في خطط متعددة، كما يقول الخبراء.تقول (جيلين):

«لا يوجد خطة أو رصاصة واحدة للقضاء على العادة السيئة، فنحن غير قادرين على إيجاد لقاح يؤدي للتصرفات الصحية.

علينا أن نكون أكثر إبداعًا.

علينا العمل مع مختلف الشركاء ومختلف الناس.»


  • ترجمة : محمد إيهاب
  • تدقيق : أسمى شعبان
  • تحرير : ندى ياغي
  • المصدر