في أكبر دراسة طبية من نوعها على موضوع الوعي في حالات الاقتراب من الموت ، أدلةٌ جديدةٌ تَظهر لتدعم نظرية إستمراريةِ الإدراك بعدَ توقفِ عمل القلب و الدماغ حيثٌ أنّه من الممكنِ للوعي أن يَستَمر لمدةِ ثلاث دقائق بعدَ توقفِ أجهزة الجسم عن العمل.

إن فكرة إستمراريةِ الوعي إلى ما بعد توقف عمل القلب و الدماغ هي فكرة غريبةٌ و تواجه بالكثيرِ من الشك ، و لكن و مع زيادة عدد العلماء و الدراسات التي تعالج هذه الظاهرة ، نأمل في الحصول على لمحة حول ما ربما يحدث لنا عندما نموت.

في جامعة Southampton في المملكة المتحدة ، أنهت مجموعة من العلماء دراسة استمرت لمدةِ أربع سنوات على 2006 شخص من الذين عانوا تجربةِ توقف القلب، كانت العينة مجموعة من المرضى في ١٥ مستشفى موزعة في كل من المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية و النمسا.

حيث أن العلماء قاموا بمقابلة 330  من الذين نَجَوا (الذين عادوا إلى الحياة بعد توقف القلب) عن الذكريات التي لديهم بما يخص التجربة.

وجدَ الباحثون أن حوالي 40% من العينة كانوا مدركينَ لما يحدث حولهم عند إعلان الأطباء لِموتهم السريري حيثُ تمّ فيما بعد إنعاشِهم ليعودوا إلى الحياة مرةً أُخرى ليخبروا ما شعروا به في ذلك الوقت.

و قد نَشَرَت The National Post قصص أشخاص شاركوا في هذه الدراسة، فَأحد الرجال أوضح بما يخص هذه التجربة أنه و بَعدَ إعلان وفاته سَريرياً كان يرى الأطباءَ يسعفونَهُ من زاويةِ الغرفة، في المقابل وصفت إمرأة شاركت في الدراسة كُلَّ شئٍ حصلَ في وقتِ إعلانِ وفاتها تماماً كما حدث و بدقة عالية حيثُ أنّها وَصَفَت صوت الماكينات كيف كانت من بعد موتها.

“نحن نعلم تماماً أنّه و بعد توقفَ نبض القلب فإنّ الدماغ يتوقف عن العمل بعد 20-30  ثانية لكن و في هذه الدراسة فقد كان من الواضح أنّ الوعي يستمر إلى ما بعد توقف القلب عن النبض بحوالي 3 دقائق” هذا ما أوضحهُ رَئيس الدراسة مساعد البروفيسور في الطب الدكتور Sam Parnia.

كما أنه أضافَ بما يتعلق بتجربةِ أحد الأشخاص المشاركين في الدراسة حيثُ قال “لقد وصَفَ الرجل كُلَّ شيء حدثَ تقريباً في تلك الغرفة حتى أنه كانَ بمقدوره سماعَ رنين الماكينة التي تُصدرُ أصواتاً متقطعة لمدة 3 دقائق متواصلة و من خلال وصفه لهذا الصوت كانَ بمقدورنا تحديد الوقت الذي مرّ على الرجل و هو مُدرِك لما يحدث حوله ، و الجدير بالذكر أنّ الرجل كان واثقاً تماماً بما كان يقولهُ و كل ما قالَهُ الرجلُ حدثَ فعلاً في الغرفة آنذاك”.

في حين أنّ ليس جميع من نَجَوا من الموت السريري تذكروا ما حدث في ذلك الوقت، و يرجع ذلك ربما إلى نوع الأدوية التي أُعطيت لهم آنَذاك و كانت كفيلة لِتُغيب العقل عن الوعي ، و قد أفادت The National Post أنَّ 40% من الذينَ أُعطيوا دواءً معيناً من شأنه منع الدماغ عن العمل شهدوا مشاعر مختلفة فواحد من أصل كلِّ خمسة أشخاص أحسَّ بشعور السكينة و السلام ، بينما ثلث العينة (من ال40%) شعروا بتباطئِ الوقت أو تسارعه أما البعض وصف مشاهدة أضواء لامعة و آخرون وصفوا شعور انفصالهم عن الجسد في حين أنّ البعض وصف شعور الخوف و كَأنّهم يغرقون.

“التقديرات تشيرُ إلى أنّهُ هناكَ ملايين من البشر حولَ العالم عايشوا تجربة الاقتراب من الموت ، و لكن و فيما يخصُّ الأدلة العلمية المثبتة المتعلقة بهذا الموضوع فقد كانت ضعيفة و غامضة كما أنّه لم يكن هناكَ دراسات كافية تدعم أو تنفي هذا الموضوع” هذا ما قاله Parnia و أضاف قائلاً “في حين أن الكثير من الناس شكّك بدقة المعلومات المُعطاة من المرضى قائلين بأنّها هلوسات أو تهيؤات إلّا أنّ معظم الأحداث التي وُصِفَت قد حدثت بالفعل ، و لكن رغم ذلك فإنّ الموضوع يحتاج إلى المزيد من التحقيقات و التقصّيات”.

في النهاية فإن أيّ بحثٍ يثير موضوع ماذا يحدث عند الموت هو موضوعٌ مثيرٌ للجدل و ذلك للصعوبة الكبيرة في جمع معلومات كافية و دقيقة لدعمٍ علميٍ مُؤَكدٍ.

و لكن لنقل بأن مثل هذا النوع من الدراسات بدأَ يَخطو في الإتجاه الصحيح لتوثيق و مناقشة ماذا يحصل لنا فعلاً عند مجابهةِِ الموت.

نُشرت هذه الدراسة في دوريّة Resuscitation


  • إعداد: روان ثوابتة
  • تحرير: عيسى هزيم