حمض أميني قد يحمل سر الإصابة بانفصام الشخصية


ربطت دراسة جديدة أجريت في الجسم الحي؛ مرض انفصام الشخصية أو الفُصام مع زيادة مستويات حمض أميني مشترك بين الأمهات الحوامل.

ويأمل الباحثون أن تسهم نتائجهم في علاجات جديدة ونموذج أفضل في علاج ذلك المرض.

يعرف انفصام الشخصية بأنه اضطراب عقلي مزمن يتميّز بالأوهام والهلوسة السمعية وأفكار جنون العظمة. ويمكن تصنيف أعراض المرض على أنها “إيجابية” أو “سلبية”.

تعتبر الأعراض الإيجابية هي النموذج المثالي للأشخاص المصابين بانفصام الشخصية، والتي لا تحدث للأشخاص الأصحاء.

وقد تشمل تلك الأعراض الهلوسة والأوهام والأفكار المضطربة.

أما الأعراض السلبية فهي على النقيض من ذلك عبارة عن اضطرابات في السلوكيات الطبيعية، مثل التصرف الخالي من أي عاطفة (المعروف باسم “التأثير الساكن” flat effect -)، حيث لم يعد هناك أي متعة في ممارسة الأنشطة، أو يعاني المريض من صعوبات في القيام بالأنشطة المختلفة.

وفقًا للمعهد الوطني للصحة العقلية، تتراوح عوامل الخطر للإصابة بالفصام بين العوامل الوراثية والبيئية إلى الاختلالات الكيميائية في الدماغ.

في الوقت الحاضر، تشمل علاجات الفصام العقاقير المضادة للذهان والعلاجات النفسية الاجتماعية (عن طريق تعليم الأشخاص المُشخَصين بالمرض كيفية التعامل مع البيئة الاجتماعية)، وكذلك اتّباع نهج أكثر تعقيدًا يدعى ’’الرعاية المتخصصة المنسقة‘‘، والذي يتضمن وصفات الأدوية ومجموعة متنوعة من العلاجات التي تركّز على التكيّف والتكامل مع البيئة الخارجية.

كشفت دراسة جديدة أجراها باحثون من جامعة كاليفورنيا في إيرفين عن سبب آخر محتمل لمرض انفصام الشخصية، وتقدّم أملًا جديدًا لتطوير علاجات أكثر فعالية والأساليب الوقائية.

ونشرت نتائج تلك الدراسة مؤخرًا بقيادة الدكتورة أمل الأشقر (Amal Alachkar) في دورية (Molecular Psychiatry).

دلائل في دراسات سابقة:

ركزت الدراسة على دور الميثيونين (methionine) الزائد في أجسام الأمهات الحوامل.

الميثيونين عبارة عن حمض أميني لا يمكن تصنيعه من قبل الجسم، ومع ذلك يمثل عاملًا حاسمًا في عملية مثيلة الحمض النووي (DNA methylation)، وهي الآلية التي تدفع عملية التعبير الجيني.

بعض الأطعمة غنية بالمثيونين وتشمل الجبن ومنتجات الألبان الأخرى، والبيض، وبعض اللحوم، والفول، ومختلف البذور والمكسرات.

وخلصت الدراسة إلى أن الفائض من الميثيونين في نظام الأم يمكن أن يؤدي إلى تطوّر خاطئ في دماغ الجنين، والذي يمكن أن يؤدي بدوره إلى ظهور مرض انفصام الشخصية.

كما أوضحت الدكتورة الأشقر لدورية (Medical News Today): «الميثيونين هو محور الاستقلاب الكربوني الواحد، كما أنه الحمض الأميني الذي ينظم عملية المثيلة، وقد تعلمنا أن انفصام الشخصية هو اضطراب متعدد الجينات وتنموي وخِلقي.

وعملية المثيلة أمر أساسي لكل هذه العمليات».    ‍‍

واستندت الدكتورة أمل الأشقر وزملاؤها في البحث إلى الدراسات القديمة، التي يعود تاريخها إلى ستينيات القرن الماضي، واستدعت فيه الدور الذي لعبه زيادة مستوى الميثيونين في تطور المرض.

توضح الدكتورة أمل الأشقر: «لقد أدركنا أن الدراسات القديمة أظهرت أن تناول الميثيونين يؤدي إلى تفاقم أعراض مرض الفصام»، وأضافت: «مما دفع الباحثين إلى إجراء تجاربهم في الجسم الحي، والتي كشفت عن أن تناول الميثيونين تسبب في عجز سلوكي شبيه بمرض الفصام في الفئران البالغة».

زيادة الميثيونين مرتبطة بالفصام:

ومع ذلك، أعلنت الدكتور أمل الأشقر أن هذه الآثار “عابرة أو سريعة الزوال”.

ولاختبار اتساق فرضيتهم، صمم الباحثون الدراسة الحالية، حيث قاموا بتجربة الميثيونين على “الفئران الحوامل خلال الأسبوع الثالث من الحمل في وقت نمو الدماغ».

قام الباحثون بإعطاء الفئران ثلاثة أضعاف الجرعة اليومية العادية من الميثيونين، والحفاظ على نفس النسبة التي استخدمت الدراسات القديمة.

وكان هذا لاختبار الفرضية القائلة بأن الفئران الحوامل التي تتعاطى جرعات زائدة من الميثيونين تنتج ذرية من الفئران مصابة بأعراض مشابهة للفصام.

أظهرت صغار الفئران المولودة حديثًا عجزًا في نمو الدماغ مماثل لمرض انفصام الشخصية وفقًا لما تمّ تأكيده من خلال تسعة اختبارات مختلفة، والتي تمحورت على ظهور الأعراض الإيجابية والسلبية، بالإضافة إلى مشاكل في الإدراك مثل فقدان الذاكرة.

وعندما قام العلماء بإعطاء هذه الفئران أدوية مضادة للذهان؛ لوحظ أن هذه الأدوية فعالة في العلاج.

فقام الباحثون بإعطاء الفئران عقار هالوبيريدول (haloperidol)، وهو دواء يستهدف الأعراض الإيجابية، وأعطوها عقار كلوزابين (clozapine)، وهو دواء يستهدف الأعراض السلبية والمشاكل الإدراكية في الدماغ.

الآثار الوراثية للفصام:

وقالت الدكتورة أمل الأشقر لموقع (Medical News Today) أن الدراسة أظهرت العديد من المفاجآت، مما قد يكشف عن منظور جديد لمرض انفصام الشخصية.

وقالت إن أهم النتائج التي توصلت إليها هي أن الفئران تظهر الأعراض المزمنة كما هو الحال في مرض انفصام الشخصية، وأن الأدوية المضادة للذهان تظهر تأثيرًا عكسيًا للعجز السلوكي المميز لانفصام الشخصية؛ مما قد ينعكس على التأثيرات العلاجية في الفصام البشري.

والأهم من ذلك، كما تشير الدكتورة أن: «أحد الجينات التي عثر عليها في الفئران يدعى (Npas4)، قد ارتبط بمرض الفصام».

ووفقًا للباحثة، هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها مناطق معينة من الأدمغة البشرية (هذا الجين) والذي يتم تثبيطه».

ويأمل الفريق البحثي في أن تسمح أبحاثهم بتطوير نموذج جديد للفئران في دراسة مرض الفصام، وهو ما يأخذ في الاعتبار تأثير “علاج الميثيونين قبل الولادة”، والتي تتضمن الجوانب الجينية والخِلقية والمتعلقة بعملية النمو في هذا المرض.

يأمل الباحثون في المستقبل في التركيز على آليات عمل مرض انفصام الشخصية من وجهة النظر الجزيئية، وما إذا كان بالإمكان إيجاد علاجات جديدة.


  • ترجمة: علي أبو الروس
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • تحرير : محمد حمد

المصدر