تشير الدراسات والأبحاث التي وضعت ممارسة اليوغا والتأمل تحت الاختبار، إلى العديد من الفوائد، مثل: تحسين الذاكرة الذاتية، والأداء الإدراكي الموضوعي لدى مرضى التدهور الإدراكي الشخصي (SCD)، وتأثيرها الإيجابي، بإنقاص جزيئات التهابية قد يؤدي تواجدها المستمر إلى مشاكل صحيةٍ خطيرةٍ، كالاكتئاب والسرطان، وكذلك فائدتها بتحسين آلامٍ أسفل الظهر، وتخفيف أعراض الاكتئاب.

وقد أظهرت دراسة أخرى نُشِرَت في دورية ((Frontiers in Human Neuroscience، التأثير الإيجابي لممارسة التأمل واليوغا على الجهاز العصبي المركزي، وكذلك على الجهاز المناعي، مما يحسِّن الصحة العامة للفرد.

تابع الباحثون في هذه الدراسة، المشاركين على مدى ثلاثة شهور، قاموا فيها بممارسة اليوغا والتأمل، مع اتباع نظامٍ غذائي نباتي، ومن بين 200 مشارك من الإناث والذكور، تطوع 98 منهم؛ للمشاركة في اختبارات، تقيس واسمات حيوية محددة، ولكن بسبب نقص الدعم، خضع 38 منهم فقط، (19 ذكرًا و19 أنثى) لمثل تلك الاختبارات، ومع ذلك، وبسبب بعض الظروف التي جعلت بعض البيانات غير قابلة للاستعمال، 26 فقط من هؤلاء المتطوعين، تم تحليل العينات البيولوجية التي جمعت منهم.

قد كان للعديد من المشاركين تجارب سابقة بممارسة أنواعٍ مختلفةٍ من التأمل واليوغا، بشكل متكررٍ وذلك يتضمن، تأمل الشونيا والسامياما (Shoonya and Samyama meditation)، والهاثا يوغا(Hatha yoga)، والبراناياما (Pranayama Yoga).

لقد تم تقييم المشاركين قبل وبعد فترة ممارسة اليوغا، وذلك تضمن اختبارات تقييم نفسية للمشاركين، شملت بيانات حول الصحة النفسية، واليقظة الذهنية، أو التركيز الكامل للذهن ((Mindfulnessومدى التفاعل مع مثل هذه الوسائل العلاجية، وكذلك قياسات لعامل التغذية العصبية الدماغي (BDNF)، وهو بروتين يعزز نمو واستمرار مختلف الخلايا العصبية، كما يسهم في الاستجابة المناعية والتنظيم الأيضي، والتعامل مع التوتر، بالإضافة إلى تقييم استجابة الكورتيزول عند الصحو(CAR)، والكورتيزول هرمون يتواجد ضمن ما يعرف بالمحور الوطائي النخامي الكظري (HPA axis)، واختبارات تقيس مستوى السيتوكينات المحرضة، والمضادة للالتهاب، وهي بروتينات صغيرة، مسؤولة عن التواصل بين الخلايا، تتواجد أو تسهم في وظيفة الجهاز المناعي.

وبعد تحليل البيانات، وجد فريق الباحثين، أنّ الانخراط بتمارين اليوغا والتأمل، ترافق مع انخفاض في مستويات القلق والاكتئاب-حسبما قاله المشاركون- ومع ارتفاع في اليقظة الذهنية، أو الوعي التام.

ومن وجهة نظر علمية، سجل الباحثون ارتفاعًا في مستويات عامل التغذية العصبية الدماغي (BDNF) في مصل الدم، وكذلك تعزيز في استجابة الكورتيزول عند الصحو (CAR)، وهذا ما يقترح تحسُّنًا في الاستجابة لعوامل القلق.

وكذلك أظهرت البيانات ارتفاعًا في مستويات السيتوكين المضاد للالتهاب (interleukin-10)، مع انخفاض مستويات السيتوكين المحرض للالتهاب (interleukin-12)، وهذا ما أدى إلى تخفيف العملية الالتهابية.

ويقترح المشرف على الدراسة، (د. ب. رائيل كاهن-(Dr. B Rael Cahn من قسم العلوم النفسية، والسلوكية في جامعة جنوب كاليفورنيا، أنّه على الأقل بعض من التحسينات الهامة التي طرأت على كل من وظيفة المحور الوطائي النخامي الكظري المتمثلة بزيادة استجابة الكورتيزول عند الصحو، والوظيفة العصبية المناعية المتمثلة بارتفاع عامل التغذية العصبية الدماغي، وتبدلات نسب السيتوكينات، كانت من المرجح بسبب ممارسة التأمل المكثفة.

ويعتقد الباحثون أنّ مجموع التبدلات الحيوية المختلفة المستخلصة من البيانات التي جمعوها، تشير إلى تحسُّنٍ في الصحة العقلية والجسدية الإجمالية، كما يسلطون الضوء على فكرة أنّ نتائجهم قد تشير إلى تحسُّنٍ في وظيفة عناصر محددةٍ من الجهاز العصبي المركزي، وكذلك الحصول على جهازٍ مناعيٍ أكثر صحة، بالإضافة إلى تعزيز التركيز، والانتباه أو الوعي.

ويوضح د.كاهن، أنّ الارتفاع الملاحظ بعامل التغذية العصبية الدماغي، قد يكون مرتبطًا بتحسُّنٍ في التخليق العصبي (Neurogenesis)، والمرونة العصبية (Neuroplasticity) ،ومن المحتمل كذلك، أن يكون ارتفاع استجابة الكورتيزول عند الاستيقاظ؛ بسبب تحسُّن التأهب، والاستعداد لعلاقة العقل والجسم، وكذلك قد تشير التبدلات الطارئة على السيتوكينات، إلى تحسُّن الاستعداد المناعي.

ويشير الباحثون أيضًا، إلى أنَّ التأثيرات المشاهدة بعد جلسات اليوغا والتأمل، قد تحمل إمكانية تنبيه الحصين(hippocampus)، للعمل بصورة أفضل.

ومع ذلك يحذر العلماء إلى أنّ جميع هذه التأثيرات الإيجابية، قد لا تكون بسبب التأمل واليوغا، إذ يشير البعض إلى إمكانية ارتباط ذلك بالحمية الخاصة بالفرد أو بالتفاعل الاجتماعي، أو بتأثير مدربي اليوغا والتأمل.

ولكن يبقى د.كاهن وفريقه متحمسين لنتائج عملهم، ويؤمنون بأنهم مهدوا الطريق لدراسات أوسع، عن الفوائد النفسية والجسدية المحتملة للتأمل واليوغا، يقول: “حسب معرفتنا، دراستنا هي الأولى التي تفحص نطاقًا عريضًا من الواسمات المحرضة، والمضادة للالتهاب ضمن مجموعة سليمة من الأشخاص قبل وبعد جلسات التأمل واليوغا، ونتائجنا تبرر القيام بدراساتٍ أوسع؛ لتقييم إمكانية تكرار هذه النتائج، ونوعيتها وآثارها على المدى الطويل”.


  • ترجمة: دانيا الدخيل
  • تدقيق: رجاء العطاونة
  • تحرير: ناجية الأحمد
  • المصدر