من الصعب مشاهدة أقدم صورة فوتوغرافيّة ناجية في العالم، فهي صورةٌ ملوّنةٌ مائلة إلى اللون الرماديّ، على لوحٍ مطليٍّ بالبيتومين الصلب تبدو كشيءٍ ضبابيّ.

في عام 1826، التقط هذه الصورة مُخترعٌ يُدعى جوزيف نيسيفور نبيس (Joseph Nicéphore Niépce) وكانت أول صورة فوتوغرافيّة في العالم، لتُظهر حديقة منزله في فرنسا.

وبحسب المؤرّخ مارك أوستيرمان (Mark Osterman)، فقد علِمَ نيبس مُسبقًا بأنَه إذا قُمتَ بوضع الأسفلت المُسال مع زيت الخُزامى على لوحٍ البيوتر (pewter – لوح رماديّ اللون من القصدير والنحاس والأنتيمون SB)، ووضعتَ أمامه جسمٌ ما كورقة شجرٍ مثلًا، ومن ثمَّ قُمتَ بتعريض اللوح لأشعة الشمس، فإن الأسفلت سوف يتصلّب في المناطق التي تعرّضت للشمس أكثر من المناطق المحجوبة وراء ورقة الشجر، عندها إذا قُمت بغسل هذا اللوح؛ فإن الأسفلت غير المتصلّب المتوّضع وراء ورقة الشجر سوف يُزال ليُعطي إنطباعًا على شكل الجسم الحاجب للضوء.

لقد استخدمَ نيبس مادة “بيتومين يهودا” وهو الأسفلت الناشِئ طبيعيًّا، والذي كان مُستخدمًا منذ زمن المصريين القدماء، وذلك بخلطها مع الماء ووضعها على لوح البيوتر، ثم قام بتعريضها للحرارة ليتصلّب البيتومين إلى حدٍ ما، وقام بعدها بوضع اللوح داخل كاميرا تم توجيهها إلى نافذة ثانية، وترك من بعدها الكاميرا فترةً من الزمن ربما دامت لِيومين، عندها تصلَّب البيتومين على الأجزاء المُعرّضة للشمس أكثر من تلك الأقل تعرّضًا لها؛ كأجزاء من اللوحة التي تواجه بناءً أو ذلك الجزء المُظلم من الأفق، بعدها قام بغسلِ الأجزاء غير المُتصلّبة لتُعطي هذه الصورةً التي تكادُ أن تُرى.

تقع الصورةُ الآن في مركز هاري رانسوم (Harry Ransom) في ولاية تكساس.

يقول المؤرّخ أوسترمان: «ربما استغرق الأمر يومين من التعرّض للشمس، وذلك بغية تسجيل رسمٍ مُجسّدٍ للأفق والعناصر المعماريّة الأكثر بدائيّةً للعديد من المباني خارج النافذة وتحتها».

ويضيف: «في حين أنَّ هذه التقنيّة التي أطلق عليها نيبس اسمَ هليوغرافي (heliographic) قد أنتجت أقدم صورة فوتوغرافيّة معروفة في العالم، فقد كانت جودة الصورة قليلةً جدًا واستغرقت الكثير من الوقت لإنتاجها».

بقيت الصورة على هذا النحوِ حتى قام نيبس بالتعاون مع مخترعٍ آخر اسمه لويس داجير (Louis Daguerre)، والذي قام بالتقاط صورة بعمليّة تصوير بدائيّة استخدم فيها لوحًا فضيًّا ذو حساسية عالية لليود مع بخار الزئبق، وذلك ليعطي صورةً بجودة أفضل بكثير ودون أن تستغرق وقتًا طويلًا للإنتاج.

تُوفّي نيبس عام 1833 قبل أن يكتمل تطوير هذه التقنيّة، ولكن داجير وبمساعدةٍ من ابن نيبس قاما بتطويرها ووجدا بأن تعريضَ لوح يوديد الفضّة (silver-iodide) لبخار الزئبق من شأنه أن يُنتج صورةً أفضل جودةً خلال دقائق.

يقول أوسترمان: «اكتشف داجير بأنَّ لوح يوديد الفضّة لا يتطلّب سوى جُزء صغير من زمن التعرّض، وبالإمكان الكشف عن صورةٍ غيرُ مرئيّة أو مخفيّة عن طريق تعريض اللوح إلى أبخرة الزئبق، ومن الممكن أيضًا أن يوضع اللوح بعد ذلكَ في خليطٍ من كلوريد الصوديوم والذي يُثبّت الصورة ويجعلها تستقر».

وبحلولِ عام 1838 كان داجير يلتقط صورًا للأجسام والمباني، وقامت بعدها الحكومة الفرنسيّة عام 1839 بمنحه وابن نيبس معاشًا مدى الحياة مقابل مشاركتهما لتقنيّتهما في التصوير الفوتوغرافيّ، وقد انتشر استخدام هذه النوع من التصوير بشكلٍ سريعٍ حول العالم، وقد سُميَّت طريقة التصوير هذه باسم داجيروتايب (Daguerreotype) نسبةً له، وكانت مُشجعًا لكثير من المخترعين الآخرين لإيجاد طرق جديدة وأفضل لالتقاط الصور وإنتاجها في الوقت نفسه، بالإضافة لتطوير الصور المتحرّكة.

وعلى سبيل المثال، فإن التغييرات في المواد الكيميائيّة التي وُضعت على الألواح قد أنتجت صورًا خلال زمنِ تعرّض أقل، جاعلةً من السهل التقاط صورٍ للناس، وفي الوقت ذاته التقاط المزيد من التفاصيل للشخص أو الجسم الذي يتم تصويره.

كما طُوّرت التقنيّات التي تستخدم الورق بدلًا من الألواح الفضيّة، مما يُقلل من تكلفة التقاط الصور، بالإضافة لتحسيناتٍ في الكاميرات التي توضع فيها الألواح (والأوراق لاحقًا)، أصبح المصوّرون أكثر قدرةً على الحركة والتقاط عدد أكبر من الصور، بما في ذلك تقريبٌ للصوّر التي التُقطت من بعيد.


  • ترجمة: رامي الحرك
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • نحرير: عيسى هزيم
  • المصدر