كان على محبي فيلم «Blade Runner» الصادر عام 1982، الانتظار لأكثر من ربع قرن لإصدار الجزء الثاني من الفيلم «Blade Runner 2049» الذي بدأ عرضه في دور السِّينما الأمريكيَّة في 6 أكتوبر.

ويجب عليهم أن ينتظروا فترةً أطول بكثير لرؤية روبوتاتٍ تحاكي البشر، والتي يطلق عليها اسم النسخ «Replicants» تسير في عالمنا الحقيقي.

على الرغم من أن أحداث الجزء الأول من الفيلم تدور في العام 2019، وتجري أحداث الجزء الثاني بعد 30 عام من الأول – أي أنها في المستقبل القريب نسبيًا – فإن هذه النّسخ البشريّة تمثل تكنولوجيا متطورة جدًا مقارنةً بما يمكن أن تقدمه لنا التقنيات اليوم.

فهذه الروبوتات لا يمكن تمييزها عن البشر عمليًا، وتتحرك وتتحدث وتتصرف كما البشر تمامًا، وقد برمجت لتكون مستقلّةً وتعتمد على نفسها، وتتميز بوعي ذاتي بشكل ملحوظ.

وقد خطا المهندسون والمبرمجون اليوم خطواتٍ كبيرةٍ في مجال الرّوبوتات والذّكاء الاصطناعي منذ صدور الجزء الأول من الفيلم، إلا أن احتمال إيجاد نسخٍ مماثلةٍ للإنسان لا يزال أمرًا بعيد المنال، كما كان قبل 35 عامًا.

فما مدى قربنا من تطوير روبوتاتٍ كالبشر؟

لقد عمل المبرمجون على مدى عقودٍ على تطوير نظمٍ حاسوبيَّةٍ تدعى الشّبكات العصبونيَّة، وقد صُممت هذه النُّظم لتعمل بطريقة مماثلة للدماغ البشري، ويمكن استخدامها لتدريب الحاسوب لأداء بعض المهام.

وعلى الرغم من أن أجهزة الحاسوب قد لا تبدو قادرةً على محاكاة الدِّماغ البشري بشكلٍ كاملٍ حتى الآن، فقد أظهرت إمكانياتٍ كبيرةٍ في التَّعلم للقيام بأشياء لطالما اعتقدنا سابقًا أنه من المستحيل على الآلات القيام بها.

في عام 1997، صممت شركة «IBM» حاسوبًا يدعى «Deep Blue» وللمرة الأولى كان الذّكاء الاصطناعي قادرًا على أن يفكر ويفوز في مواجهته مع بطل الشّطرنج غاري كاسباروف «Garry Kasparov» إذ تمكّن من البحث في 200 مليون خطوة محتملة في الثّانية، وهزم الحاسوب كاسباروف في ستّ مباريات لعباها على مدى عدّة أيام.

وقد أظهر الحاسوب حينها أن أجهزة الحاسوب يمكن أن تتعلّم لتقوم بخيارات استراتيجية معقّدة من خلال الرّجوع إلى قاعدة بيانات كبيرة لردود الفعل المحتملة.

جهاز كمبيوتر آخر من «IBM» يدعى «واتسون» تولى مهمةً أكثر تعقيدًا في عام 2011، بالتنافس ضد متسابقين بشر في مسابقة متلفزة تدعى «Jeopardy» وكان أداءه أفضل من بطلين سابقين.

وكان دماغ واتسون أكثر تطورًا من سابقه الأزرق «Deep Blue»، وتمكن من معالجة الأسئلة التي طرحت باللغة الطبيعيَّة وتقديم إجاباتٍ مستمدةٍ من البيانات المدخلة على مدى أشهر قبل المنافسة، وفقًا للشركة.

بعد ذلك في عام 2016، حصلت العاب الذّكاء الاصطناعي على ترقيةٍ كبيرةٍ عندما هزم نظام ذكي يدعى «Alpha Go» لاعبًا بشريًا في لعبة «Go» حيث يعتقد الكثيرون أن هذه اللعبة الاستراتيجيَّة هي الأكثر تعقيدًا التي سبق للبشر اختراعها.

وقال المبرمجون في مؤتمر صحفي في ذلك العام: «تعلّم ألفا غو كيفيّة اللعب من خلال مشاهدة الملايين من الألعاب باستخدام نوعين من الشّبكات العصبونيّة أحدهما لتقييم وضع اللعبة، والآخر لتحديد الحركة التّالية».

وفي الآونة الأخيرة، سمحت الشّبكات العصبونيّة لأجهزة الحواسيب بالبحث في الأعمال الفنيّة، كتأليف أغنية أو رسم صورة ديناصورٍ من الزُّهور، أو حتى تأليف خمسة فصولٍ من رواية لعبة العروش.

ووفقًا لما قالته جانيل شاين «Janelle Shane» الباحثة والمهندسة الكهربائية التي تعمل على تدريب الشّبكات العصبونيّة: «نادرًا ما تُفسِر قصص الخيال العلمي ما يجري في وراء ذلك الوجه المعدني، وبالنسبة لمحاكاة البشر فمن الصعب على الشّبكات العصبونيّة تنسيق النّشاط الجسدي وإظهار التّأثر العاطفي والفروق الاجتماعيّة الدّقيقة، لما يتطلبه الأمر من المبرمجين من إدخال كميات هائلة من البيانات، وقدرات معالجة تتجاوز أنظمة الذّكاء الاصطناعي الموجودة في جميع أنحاء العالم اليوم، فهذا العالم متنوع جدًا وهذا ما يعتبر واحدًا من أهم الصُّعوبات التي تواجهنا».

وتضيف: «يمكنك تدريب الشّبكة العصبونيّة لتقوم بالمهام البسيطة بشكلٍ جيدٍ، ولكن عند قيامها بالعديد من المهام المختلفة عن بعضها البعض في وقتٍ واحدٍ، كالتّحدث والتّعرف على الكائنات وتحريك الأطراف، فستتحول كل واحدةٍ من هذه المهام إلى مشكلة صعبة حقًا، ومن الصعب عليك معرفة ما يمكن أن يواجه الروبوت في الحياة الواقعية وتضع الاحتمالات بناءً على ذلك».

وقد قامت شاين ببرمجة الشّبكات العصبونيّة للقيام بأشياء تبدو بسيطةً إلى حدٍ ما – بالمقارنة مع الرّوبوتات المعقدة الشّبيهة بالبشر – ومع ذلك كانت بعض النّتائج غريبةً بشكلٍ ملحوظٍ.

أما على صعيد هيئة الروبوتات، فقد لوحظ تطور كبير في التّصاميم الرّوبوتية التي تحاكي الشّكل البشري في العقود الأخيرة، على الرغم من ذلك فلا تزال بعيدةً كل البعد عن الطّبيعة البشريّة.

يقول هود ليبسون «Hod Lipson» أستاذ الهندسة الميكانيكية وعلوم البيانات بجامعة كولومبيا في نيويورك: إن التصاميم الحديثة تتيح إمكانية دمج المزيد من الأجزاء في الروبوتات لمساعدتها على التّحرك بشكل شبيه بالبشر».

وكما صرح ليبسون لـ «Live Science»: «لقد وصلنا إلى منعطفٍ هام في تحديد ما يمكن للروبوتات القيام به مع مكوناتها القاسية والصلبة، كالمحرّكات والقطع المعدنية والمفاصل الصلبة، أما في علم الأحياء فستلاحظ أن الحيوانات لديها مرونة لا تملكها الروبوتات».

قام ليبسون وزملاؤه مؤخرًا بتصميم عضلات مخصصة للروبوتات، مطبوعةٌ بشكلٍ ثلاثي الأبعاد وتتبع آلية تعرف باسم المحرّك «Actuator» للتحكم بحركة الروبوت.

وهو مصنوع من مواد مرنة ويعمل بالكهرباء وأقوى بحوالي 15 مرةً من العضلات البشريّة، كما أن هذا المحرك يمكن أن يتحرك ردًا على منبهٍ معينٍ، وهو الأمر الذي اعتبره ليبسون الحلقة المفقودة في تصاميم أجساد الروبوتات السّابقة.

ويقول ليبسون معلقًا على ذلك: «لقد حللنا الكثير من المشاكل، ولكن عندما يتعلق الأمر بالحركة فما زلنا بدائيين إلى حدٍ ما، فلن يحلّ المحرك الذي أوجدناه كل المشاكل التي تواجهنا بالضرورة، ولكنه يعالج بالتأكيد واحدةً من أبرز نقاط ضعف في الروبوتات».

على مدى العقد الماضي، ظهرت روبوتات مذهلة – حيةً – بجلد اصطناعي، لكن هناك سبب وجيه لعدم رؤيتنا أي روبوت يمشي في الشّارع بناءً على ما قاله ليبسون: «هناك فجوة كبيرة تكمن في عدم قدرة الروبوتات على التّعامل مع بيئة فيزيائيّة غير بنيويّة بالشكل المطلوب».

وأضاف ليبسون: «مشكلة العديد من هذه الأفلام أن لا أحد لديه أي فكرة عن كيفيّة جعل الروبوت مرنًا أو رشيقًا، إلى جانب تخزين الطاقة داخله والمشي لعدة أيام.

أما عن التنبؤ بمستقبل الروبوتات، فاعتقد أننا سنصل إلى مستوى العقل البشري في الذّكاء الاصطناعي في وقتٍ قريبٍ جدًا، ولكن عندما يتعلق الأمر بجسد الروبوت فسيستغرق الأمر قرنًا آخر».


  • ترجمة: دعاء عساف.
  • تدقيق: محمد عبدالحميد ابوقصيصة.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر