أعلن اثنان من الفيزيائيين عن اكتشاف تفاعل دون ذرّي قوي لدرجة اعُتبر خطرًا الإعلان عنه.

الحدث المتفجّر: جسيمان صغيران يعرفان بالكوارك القعري (bottom quark) يمكن أن يندمجا نظريًا لينتجا انفجارًا قويًا جدًا, نتيجة هذا الاندماج هي جسيم دون ذري أكبر وجسيم آخر يعرف باسم النيكليون مع كميّة ضخمة من الطاقة تملأ المكان.

أطلق على هذا الحدث بالانفجار الكواركي (quarksplosion) وهو ينتج طاقة أكثر بكثير مما يحصل في الاندماج النووي المتسلسل الذي يتكون في القنابل الهيدروجينية.

الكواركات عبارة عن جسيمات صغيرة تكون بالعادة متشابكة مع بعضها لتكّون النيوترونات والبروتونات التي تتواجد في نواة الذرّة وتأتي في ستة أنواع (نكهات) وهي: العلوي، السفلي، الساحر، الغريب، القمي، والقعري.

تقاس التفاعلات على المستوى دون الذري بالميغا الكترون فولط (MeV).

عندما يندمج اثنان من الكواركات القعرية وجد الفيزيائيون بأنها تنتج طاقة بحوالي 138 ميغا الكترون فولط, ثمان مرات أكبر من الطاقة التي ينتجها نظيرا ذرات الهيدروجين في القنبلة الهيدروجينية ( تحتوي القنبلة الهيدروجينية على الملايين هذه الاندماجات).

في القنبلة الهيدروجينية يندمج نظير الهيدروجين المسمى (ديوتيريون) مع نظير الهيدروجين (تريتيوم) سوية ليكونا ذرة هيليوم وهو أكبر انفجار ممكن أن تولده ترسانته أسلحة البشر مولدًا طاقة بمقدار 18 مليون الكترون فولط فقط وفقًا لأرشيف الأسلحة النووية (موقع متخصص لجمع البحوث والبيانات حول الأسلحة النووية) وهي كمية قليلة جدًا بالمقارنة مع الطاقة الناتجة من اندماج زوج كواركات قعري.

يقول الباحث المشارك ماريك كارلينر(Marek Karliner) من جامعة تل أبيب في إسرائيل “يجب أن أعترف بأنني عندما أدركت أن تفاعلًا مثل هذا ممكنًا، كنت خائفًا”.

“ولكن لحسن الحظ، الأمر ليس ممكنًا.

وعلى الرغم كون الاندماج النووي للكواركات قوي جدًا إلا أن تفاعلًا واحدًا ليس بتلك الخطورة.

القنابل الهيدروجينية تستمد قوتها الهائلة من التفاعلات المتسلسلة (كل اندماج يؤدي إلى اندماج آخر يحصل بنفس اللحظة) وبالتالي الكثير من الأنوية مع طاقة كبيرة.

كارلينر وجوناثان روسنر (Jonathan Rosner) من جامعة شيكاغو، وجدا أن مثل هذه التفاعلات المتسلسلة لن يكون ممكنًا مع الكواركات القعرية، وقبل نشر البحث، تبادلوا الآراء والنقاش مع زملائهم الذين اتفقوا معهم على النشر.

يقول كارلينر: “لو ظننت لجزء من الثانية بأن هذا الاكتشاف له تطبيقات عسكرية لم أكن لأنشره مطلقًا”.

لأحداث تفاعل متسلسل, يحتاج صانعو القنابل الهيدروجينية إلى مخزون كبير من الجُسيمات.

هناك خاصية مهمة لدى الكواركات القعرية وهي أنه لا يمكن الحفاظ على مخزون منها فهي تبقى في الوجود لمدة بيكو ثانية (واحد من ترليون جزء من الثانية) وهو الوقت اللازم للضوء ليعبر نصف المسافة على طول حبة رمل, بعد ذلك فإنها تتحلل إلى جُسيمات أكثر شيوعًا وأقل طاقة من بقية الجُسيمات بما يعرف بالكوارك العلوي.

يقول العلماء أنه من الممكن القيام باندماج نووي عن طريق الكواركات القعرية في مسرعات الجُسيمات, يذكر الباحثون أيضًا أنه حتى داخل مسرع الجُسيمات لا يمكن تجميع كتلة كبيرة ما يكفي من الكواركات القعرية لإحداث ضرر على العالم الفعلي لذلك لا يوجد داعي للقلق حول قنابل الكواركات القعرية.

يقول كارلينر إن هذا الاكتشاف مثير، لأنه هو أول دليل نظري على إمكانية دمج جُسيمات دون ذرية معًا بطرق تنتج الطاقة.

هذا الفرع الجديد من فيزياء الجُسيمات أصبح ممكنًا من خلال تجربة مصادم الهيدرونات الكبير (LHC) في سيرن، مختبر الفيزياء الجسيمات العملاق بالقرب من جنيف.

في سيرن تعجل الجُسيمات بسرعة قريبة من سرعة الضوء على طول 27 كم بمسار حلقي تحت الأرض قُبيل اصطدامها مع بعضها البعض, ثم يستخدم العلماء حواسيب عملاقة لفحص البيانات الناتجة من تلك الاصطدامات حيث تُكتشف بعض الجُسيمات الغريبة أثناء ذلك.

في حزيران/ يونيو، ظهر شيء غريب بشكل خاص في البيانات من أحد تلك التصادمات: جُسيم باريون “مشوه بشكل مضاعف”، أو ابن عم ضخم للنيوترون والبروتون، وهو في حد ذاته مكون من اثنين من كوارك “قعري” و “قمّي” يُعرف باسم الكوارك “الساحر”.

الكوارك الساحر يكون ثقيل جدًا بالمقارنة مع الكوارك “العلوي” و”السفلي” التي تكوّن البروتونات والنيوترونات.

عندما تصطدم جُسيمات ثقيلة مع بعض فإنها تحول مقدارًا كبيرًا من كتلتها إلى طاقة ربط, وفي بعض الحالات تتبقى طاقة كافية تتحرر إلى الوجود.

عندما يندمج اثنان من الكوارك “الساحر” فإنه ينتج 130 مليون إلكترون فولط من طاقة الربط ويحرر 12 مليون إلكترون فولط من الطاقة للوجود (يعادل ثلثي الطاقة التي تنتج من اندماج ديتريون و ترايتون في القنبلة الهيدروجينية).

هذا الاندماج للكوارك الساحر أول تفاعل للجسيمات على هذا المقياس الذي عُثر عليه قبل أي وقت مضى لتحرير طاقة بهذه الطريقة، وهي النتيجة الرئيسية للدراسة الجديدة، التي نشرت في مجلة الطبيعة (nature).

الاندماج الأكثر حيوية هو اندماج الكواركات القعرية الذي ينتج 280 مليون إلكترون فولط طاقة ربط, و138 مليون إلكترون فولط طاقة تتحرر للوجود ويُعد ثاني تفاعل يكتشف والأقوى طاقة من التفاعلات السابقة المكتشفة.

حتى الآن هذه التفاعلات مجرّد نظرية تمامًا ولم تُبرهن في المختبر, يقول كارلينر إنه يتوقع أن يرى أول التجارب التي تظهر هذا التفاعل في سيرن خلال الأعوام المقبلة.


  • ترجمة : مصطفى المالكي.
  • تدقيق: رؤى درخباني.
  • تحرير : رغدة عاصي
  •  المصدر