الدراسة التي قد تفتح آفاقًا جديدةً في معالجة الأمراض الدماغيّة

تخيّل معي هذه الصورةَ، أسلاكٌ كهربائيّةٌ عاريةٌ دون الغلاف البلاستيكيّ العازل، الذي يغلّفها عادةً، هذا سيجعلها عرضةً لكافّة المخاطر المحيطة بها دونَ حمايةٍ، وبذلك لن تؤدّيَ دورَها بنقل الكهرباء بفعاليّةٍ كما تؤدّيه في حال كانت مغلّفةً.

الآنَ تخيّل هذه الأسلاكَ بداخل دماغك لا على الطريق السريع المؤدّي للمدينة.

هذا تمامًا ما يحدث في العديد من الأمراض العصبيّة مثل التصلّب العُصَيديّ وأمراض الحبل الشوكيّ والسكتة الدماغيّة والإصابات الدماغيّة لدى حديثي الولادة وحتّى مرض ألزهايمر.

تمامًا كما في حالة السلك العاري، تفقد الألياف العصبيّة في الدماغ غلافَها الميالينيّ (النخاعينيّ)-Myelin Sheath الحاميَ لها وبالتالي تصبح ضعيفةً للغاية وهذا يجعل الخلايا العصبيّةَ تتعرّض للمؤثّرات المحيطة بها ويقلّل من قدرتها على نقل السيّالة العصبيّة بكفاءةٍ وسرعةٍ ممّا يؤدّي إلى ضعفٍ في الإدراك والإحساس والحركة.

أثناءَ المرض، يقوم الدماغ بآليّاتٍ لإعادة الميالين الواقي وإصلاح الوضع، لكنّه للأسف لا ينجح في إتمام المهمّة.

استمرّ العلماء لسنواتٍ بمحاولة فهم الأسباب الكامنة وراءَ عدم اكتمال عمليّة الإصلاح.

إنّ التغلّبَ على هذه العقبة يحمل معه احتمالاتٍ واعدةً لمعالجة الأمراض العصبيّة الناتجة عن تعطّل هذه الألياف.

كشفت «كاترينا أكاسوجلو Katerina Akassoglou» وفريقُها البحثيُّ في معاهد غلادستون عن استراتيجيّةٍ علاجيّةٍ جديدةٍ واعدةٍ، الأمر المثير للدهشة هو أنّ هذه التقنيّةَ تعتمد على بروتينٍ موجودٍ في الدم.

المُتَّهم هو بروتينٌ موجودٌ في الدم:

على الرغم من أنّ الخلايا المسؤولةَ عن إصلاح الميالين موجودةٌ ضمنَ النسيج العصبيّ، وهي عبارةٌ عن خلايا جذعيّةٍ ناضجةٍ تنتقل إلى مكان الأذيّة وهناك يكتمل نموّها وتنضج لتصبحَ خلايا منتجةً للميالين، إلا أنّ هذه العمليّةَ تُحظَر في العديد من الأمراض العصبيّة ولهذا السبب يكون الدماغ عادةً غيرَ قادرٍ على إصلاح الميالين التالف.

بينما ركّز العلماء في محاولتهم لفهم عدم قدرة الدماغ على إصلاح نفسه على ما يحصل داخلَ الخليّة، اتبعت «أكاسوجلو» نهجًا مختلفًا. تقول «أكاسوجلو» كبيرة الباحثين في جامعة غلادستون، وأستاذة علم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو (UCSF) والمؤلّفة الأساسيّة لدراسةٍ نُشرت من قبل مجلّة علم الأعصاب العلميّة: «لقد خطر ببالنا أنّه من الممكن أن يكونَ أكثرَ نفعًا لو بحثنا عمّا يحصل بالبيئة المسمومة المحيطة بالخليّة حيث تتجمّع بروتينات الدم، فقد أدركنا أنّ العملَ على البروتين المخثّر للدم (الفيبرينوجين-Fibrinogen) قد يفتح احتمالاتٍ لأنماطٍ جديدةٍ من المعالجات التي تساعد على إصلاح النسيج العصبيّ».

أمضت «أكاسوجلو» معظمَ حياتها المهنيّة بدراسة دور كلٍّ من الحاجز الدماغيّ الدمويّ والفيبرينوجين في الأمراض الدماغيّة. وقد استطاعت أن تُظهِرَ في دراساتٍ سابقةٍ أنّه عندما يتسرّب الدم إلى الدماغ يسبّب الفيبرينوجين التهابًا عبر تفاعله مع الخلايا المناعيّة، الأمر الذي يؤدّي إلى أذيّاتٍ دماغيّةٍ.

وفي دراستها الجديدة، استطاعت «أكاسوجلو» وزملاؤها الكشفَ عن أثرٍ جديدٍ -لا زال متوقّعًا وغيرَ مثبتٍ- ناتجٍ عن تسرّب الدم إلى الدماغ.
يقول المؤلّف الأوّل للدراسة «مارك بيترسن Mark Petersen»، صاحب دكتوراه في الطبّ، وهو عالمٌ زائرٌ في مختبر «أكاسوجلو» ومساعد أستاذ طبّ الأطفال في (UCSF): «لقد وجدنا أنّ الفيبرينوجين يمنع الخلايا الجذعيّةَ البالغةَ من التمايز والتحوّل إلى خلايا ناضجةٍ قادرةٍ على إنتاج الميالين، الأمر الذي يؤثّر سلبًا على عمليّة التجديد وتوليد الميالين في الدماغ».

هدفٌ جديدٌ يمكن أن يساعدَ في علاج التصلّب المتعدّد وأمراض أخرى:

إنّ عمليّةَ توليد الميالين شديدة الأهميّة لمعالجة أمراضٍ عصبيّةٍ عديدةٍ كالتصلّب العصبيّ المتعدّد، والسكتة الدماغيّة، وإصابات الدماغ لدى حديثي الولادة، ومرض ألزهايمر. ربّما يشهد المجتمع العلميّ تحقيقَ هذا الهدف قريبًا.

يقول «لينارت ماك Lennart Mucke»، طبيب ومدير معهد غلادستون للأمراض العصبيّة وأستاذ علم الأعصاب في (UCSF): «إنّ إصلاحَ الميالين عبرَ إزالة الآثار السلبيّة الناجمة عن الضرر الوعائيّ في الدماغ يُعتبَر أقصى ما توصّل إليه العلم في معالجة الأمراض. يمكن لهذه الدراسة أن تغيّرَ الطريقةَ التي نفكّر بها حول الأذيّات الدماغيّة وسبل علاجها».

يمكن للباحثين الآن التوجُّه لآليّاتٍ جديدةٍ لاستهداف الفيبرينوجين كوسيلةٍ لاستعادة وظائف التجدُّد في الجهاز العصبيّ المركزيّ. وهذا يمكن أن يوصلَنا إلى علاجاتٍ جديدةٍ لمساعدة المرضى الذين يعانون من مرض التصلّب العصبيّ المتعدّد والعديد من الأمراض الأخرى المرتبطة بالميالين.


لقراءة المقالة كاملة: http://www.cell.com/neuron/fulltext/S0896-6273


  • ترجمة: حلا مخللاتي
  • تدقيق: اسماعيل اليازجي
  • تحرير : رغدة عاصي
  • المصدر