في حين أن بناء صداقة حميمة في مكان العمل ونشر روح الفريق هما أمران رائعان، متى كانت آخر مرة قام فيها زميل – ربما كان محتسيًا الكثير من الكحول – وقال شيئًا سخيفًا جدًا كطرح فكرة سياسية مدّعيًا أن جورج بوش وراء أحداث 9/11.

أو أن باراك أوباما مسلم من كينيا، أو أن رئيسك أعرب عن إنكار العِلم بحجة أن الأرض مسطّحة، أو أن هبوط أبولو على سطح القمر كان مزيّفًا؟!

إن سماع رئيسك أو زميلك في العمل ينكر حقيقة الأعمال التجارية يعدّ أمرًا مقلقًا كنظرية المؤامرة، مثل الأدلة على أن منتجًا مفضّلًا لم يلقَ رواجًا أو أن قرارًا ما خاطئ تمامًا.

فماذا ستفعل إذا كان الشخص الذي تعمل معه -حتى الرئيس التنفيذي للشركة- يقول لك شيئًا خاطئًا بشكل واضح؟
يقول (Gleb Tsipursky): «إن التعامل مع إنكار الحقيقة – في مجال الأعمال والسياسة وغيرها من مجالات الحياة – هو أحد مجالات بحثي، وقد نشرتُ مؤخرًا كتابًا عن هذا الموضوع.

وهنا بعض النصائح لتجاوز حفل عيد الميلاد في المكتب أو تجنّب المواجهة المباشرة مع الرئيس أو مدير العمل».
يبدأ الأمر من الأعلى.

إن أسوأ السيناريوهات هي عندما يكون الرئيس التنفيذي هو الشخص الذي ينكر الحقيقة.

أُجريت دراسة على مدى أربع سنوات قادها موقع (LeadershipIQ.com)، وهو موقع يوفّر حلقات دراسية عن القيادة عبر الإنترنت.

أُقيمت فيها مقابلات مع 1087 من أعضاء مجالس الإدارة من 286 منظمة من جميع الأنواع كانت قد أجبرت مسؤوليها التنفيذيين الرئيسيين على المقابلات ووُجد أن ما يقارب الربع من المديرين التنفيذيين – 23 في المئة – تم طردهم بسبب إنكارهم للواقع، وهذا يعني رفضهم الاعتراف بالحقائق السلبية حول أداء المنظمة.

وتشير البحوث الأخرى بشدة إلى أن السلوكيات التي أعرب عنها المديرون التنفيذيون “يشعرون بها في جميع أنحاء المنظمة من خلال التأثير على المعايير التي تفرض عقوبات أو تثبط سلوك الأعضاء وصنع القرار وأنماط السلوك والتفاعل بين الأعضاء”.

وتشير هذه النتائج مجتمعة إلى أن المنظمات التي ينكر فيها المدراء التنفيذيون الوقائع السلبية ستكون لها ثقافة إنكار الواقع في التسلسل الهرمي.

وبطبيعة الحال، حتى عندما يعيش المدير في العالم الحقيقي، ربما البعض الآخر في المنظمة قد يعتقد معتقدات خاطئة.

يمكن أن يعاني المهنيون على جميع المستويات من الميل إلى إنكار الحقائق وهذا أمر غير مريح في إعدادات الأعمال.

ويصف العلماء هذا الخطأ في التفكير ب- تأثير النعامة- ويسمى هكذا نسبة إلى الفكرة الأسطورية التي تفترض أن النعام تحشر رؤوسها في الرمال عندما تشعر بالخطر.

ننسى الحقائق والمنطق

من البداهة مواجهة الزملاء الذين يعانون من “تأثير النعام” بالحقائق، ولكن البحث يقول -والمنطق السليم في حال كان زميلك هو مشرفك الخاص- أن هذا تصرف خاطئ تقبل على القيام به.

والسبب أنه عندما يعتقد شخص ما بفكرة نعرف أنها خاطئة، قد يكون وراء هذا الاعتقاد موانع عاطفية وهناك عدد من العوامل التي تفسر سبب حدوث ذلك.

على سبيل المثال، تظهر الأبحاث حول تحيز التأكيد أننا نميل إلى البحث عن المعلومات وتفسيرها بطرق تتفق مع معتقداتنا. لذا، حتى لو كانت المبيعات أقل بكثير من التوقعات، قد يرفض الرئيس التنفيذي هذه المعلومات عند وضع توقعات مالية جيدة لاعتقاده بأن أفعاله ينبغي أن تقود الشركة للأفضل.

في مثال آخر لشركة استشرتُ فيها، رفضتْ مديرة الشركة الاعتراف بأن الشخص الذي عيّنتْه مباشرةً كان غير مناسبٍ، على الرغم من أن كل شخص آخر في الدائرة يقول بأن الموظف كان يعيق الفريق. وقد يكون سلوك المديرة على الأرجح نتيجة لما يصفه العلماء بمغالطة التكلفة الغارقة، وهو الميل إلى مضاعفة القرارات السابقة حتى عندما يظهر تقييم موضوعي أن القرار سبّب بعض المشاكل.

في كلتا الحالتين، ستؤدي مواجهة الحقائق مع الرئيس التنفيذي أو المدير إلى الشعور بالسوء. فنحن غالبًا ما نفضّل وضع رؤوسنا في الرمال بدلًا من الاعتراف بأخطائنا بسبب تردّدنا في تجربة المشاعر السلبية.

إن البحث عن ظاهرة تسمى التأثير العكسي (backfire effect) يظهر أننا نميل إلى الحفر في الأرض باستخدام كعب القدم عندما تقدم لنا حقائق تجعلنا نشعر بالسوء بشأن هويتنا أو قيمتنا الذاتية أو رؤيتنا أو انتماءاتنا الجماعية.

في بعض الحالات، عرض الحقائق في الواقع يثير الحماس، مما يدفع الناس إلى تطوير ارتباط أقوى مع المعتقدات غير الصحيحة. وعلاوة على ذلك، فإننا نعرب عن غضبنا من الشخص الذي يجلب لنا الرسالة، وهي ظاهرة يسميها الباحثون “أطلقِ النار على الرسول – shoot the messenger “.

بالإضافة إلى أن هنالك العديد من الأخطاء العقلية الأخرى التي تمنع رجال الأعمال من رؤية الواقع بوضوح واتخاذ قراراتٍ جيدة.
نمذجة العواطف والقيم

هذا لا يعني أن العواطف هي المشكلة. هم ليسوا كذلك. العواطف مهمة بشكل أساسي للتجربة الإنسانية، ونحن بحاجة إلى كل من العقل والعاطفة لاتخاذ قرارات جيدة.

لذلك بدلًا من تقديم الحقائق، يجب أن يكون هدفك إظهار القيادة العاطفية ومحاولة معرفة ما هي الموانع العاطفية التي تثبط زميلك من رؤية الواقع بوضوح.

للقيام بذلك، استخدم الفضول والاستجواب الدقيق لمعرفة قيمهم وأهدافهم وكيفية تشكيلهم لتصوّرهم للهوية الذاتية مع التركيز على نشر مهارة الذكاء العاطفي للتعاطف.

لسوء الحظ، رغم البحوث المكثّفة حول أهمية الذكاء العاطفي في الأوضاع المهنية، ما تزال الكثير من المنظمات تفشل في توفير مثل هذا التدريب.

بناء الثقة

بعد فهم أهداف وقيم زميلك، حاول أن تظهر اهتمامك بها.

وتبين البحوث أن القيام بذلك هو أمر بالغ الأهمية لنقل المعرفة بفعالية في البيئات المهنية.

إن ممارسة النسخ المتطابق، أو إعادة صياغة النقاط التي أدلى بها الشخص الآخر باستخدام كلماتك الخاصة يدل على أنك تفهم كيف يشعر مما يساعد على بناء الثقة.

ومع الرئيس التنفيذي، قد تتحدث عن كيفية مشاركة كل منكما الرغبة في أن تكون السلطة التنفيذية رائدة وقوية حقًا. حاول ربط الصفات والعواطف التي حدّدها الرئيس التنفيذي بأمثلة محدّدة في سلوكه.

وفيما يتعلّق بالمدير مع الموظف المشكوك فيه، كان لي محادثة مع المديرة عن رؤيتها لموظفيها الحاليين والمستقبليين المحتملين يلعبون دورًا في المستقبل البعيد المدى للإدارة التي تديرها.

وأبدت قلقها بشأن الأداء المالي للشركة والمخاوف في الحصول على التمويل للموظفين المستقبليين، مما أعطاني فكرة إضافية عن السبب في أنها قد تحمي الموظف غير الكفء.

إلغاء الموانع العاطفية

بعد وضع نفسك على نفس الجانب مع الشخص الآخر، وبناء الثقة وإقامة علاقة عاطفية، يأتي دور الانتقال إلى المشكلة: الموانع العاطفية.

والمفتاح هنا هو إظهارها، دون إثارة رد دفاعي أو عدواني أي إظهارها بشكل يفسر كيف يقوّض إنكار الحقيقة الحالي الأهدافَ الخاصة بهم على المدى الطويل.

ويمكن الاستشهاد بمثال لرجل أعمال بارز قَبِل بالحقائق الصعبة للمضي قدمًا، مثل كيف ساعد – Alan Mulally- الرئيس التنفيذي السابق لشركة (Ford) في إنقاذ الشركة من خلال إجراء العديد من التصحيحات.

وتبيّن البحوث أن تقديم التعزيز الإيجابي دون تنازل يمكن أن يكون فعالًا مع الزملاء والزعماء على حد سواء.


  • ترجمة: بشار الجميلي
  • تدقيق: رزان حميدة
  • تحرير: رؤى درخباني

المصدر
مواضيع ذات صلة: