يَدرس بحثٌ جديدٌ نُشِر في مجلة (Personality and Individual Differences) ثلاثة أنواعٍ مختلفةٍ من الانسحاب الاجتماعي ووجد أن واحدًا من تلك الأنواع يرتبط بقدراتٍ إبداعيةٍ أكبر لدى الأفراد.

عندما يختار الناس أن يكونوا بمفردهم، فإنهم غالبًا ما يفعلون ذلك لسببٍ من ثلاثة أسباب: كونهم خجولين، أويكرهون التفاعل مع الآخرين، أو أنهم يستمتعون بقضاء الوقت وحدهم.

وعلى نحوٍ تقليدي، قام علماء النفس بوصف الأنواع الثلاثة على الشكل التالي: الخجل، التجنب، وعدم الإجتماعية.

وتهدف الدراسة الجديدة إلى معرفة ما إذا كانت جميع هذه الفئات الثلاث مرتبطةً بنتائج نفسيةٍ سلبيةٍ أم لا.

يميل معظمنا إلى الإعتقاد بأن الوحدة شيءٌ غير مرغوبٍ به، وأكدت بعض الدراسات أن الإفراط في الوحدة يؤثر على صحتنا بشكلٍ عام، لكن الدكتورة جولي بوكر مؤلفة الدراسة الجديدة والمدرّسة في قسم علم النفس في جامعة بافلو في نيويورك كان لها رأيٌ آخر، حيث وجدت ارتباطًا إيجابيًا في النوع المرتبط بالانسحاب الاجتماعي.

لكن الوحدة ليست أمرًا سيئًا دومًا (الجوانب التحفيزية)

حول هذه الروابط السلبية المتعلقة بالوحدة، تقول بوكر: « عندما يفكر الناس في الكُلفة المرتبطة بالانسحاب الاجتماعي، فهم غالبًا يتبنون وجهة نظرٍ تنموية ».

« خلال مرحلة الطفولة والمراهقة، الفكرة دائماً ما تكون أنك إن أخرجت نفسك كثيرًا من وسط زملائك، ستصبح متغيبًا عن التفاعلات الإيجابية مثل تَلقّي الدعم الاجتماعي، وتطوير المهارات الاجتماعية، وغيرها من الفوائد الاجتماعية التي تجنيها عن طريق التفاعل مع زملائك »

تضيف بوكر: «هذا قد يكون السبب في وجود مثل هذا التركيز على الآثار السلبية لتجنب الزملاء والانسحاب من أوساطهم»

وفي إشارةٍ إلى دراستها، تقول بوكر: «من خلال النظر إلى الجوانب التحفيزية، علينا أن نفهم لماذا ينسحب الأشخاص لنفهم المخاطر والمزايا المرتبطة بذلك.»

ولتجربة ذلك، طلب الفريق البحثي من 295 مشاركًا ملء مجموعةٍ من الاستبيانات التي سألت عن دوافعهم للرغبة في الإنعزال ، وإبداعهم، وحساسيتهم تجاه القلق، واستعدادهم للاكتئاب، وميلهم للعدوانية، وانعدام الشعور بالمتعة تجاه أي أنشطة اجتماعية.

وكان المشاركون بالغون تتراوح أعمارهم بين 19 – 31 سنة، في المتوسط.

كما قامت بوكر وزملاؤها بتقييم ما يسمى أنظمة تنشيط السلوك (BAS) ونظم التثبيط السلوكي (BIS).

يساعد النظامان (BAS, BIS) على حدٍ سواء في تنظيم السلوكيات الاجتنابية أو العزلة.

فتعني الدرجة العالية على مقياس BAS، على سبيل المثال، أن المشارك تصنيفه (صحيح جدًا) مثل: « عندما ألاحق شيئًا ما يمكنني التعامل (بدون قيود) ».

بينما تعني الدرجة العالية على مقياس BIS أن الشخص يأخذ بعين الإعتبار تصريحاتٍ مثل >>أشعر بالقلق أو الضيق الشديد عندما أفكر أو أعرف أن شخصًا ما غاضبٌ مني<< وتُصنَف على المؤشر ب (صحيح جدًا.)

واستخدم الفريق البحثي كلا المقياسين BAS / BIS للتمييز بين الأنواع المختلفة من الانسحاب الاجتماعي.

الأشخاص غير الإجتماعيين هم الأكثر إبداعًا

وجدت الدراسة أن الأفراد غير الإجتماعيين أو المنطوين على أنفسهم كانوا أكثر إبداعًا.

ووفقًا للقائمين على الدراسة، فإن هذه النتائج تُقدم (أول دليلٍ على الفوائد المحتملة) للانطواء على النفس وعدم الاجتماعية.

وعلى النقيض من ذلك، تبين أن الخجل والتجنب يرتبطان سلبًا بالإبداع، بمعنى أنه كلما كان الشخص أكثر خجلًا أو تجنبًا للبشر في المطلق ، كان أقل إبداعًا.

وفي إطار التكهن عن أسباب هذه العلاقة السلبية، تقول بوكر أن >>الأفراد الخجولون والمتجنبون قد يكونون غير قادرين على استخدام وقت العزلة لديهم بسعادةٍ وانتاجية، ربما لأنهم يٌشتتون أذهانهم نتيجة إدراكهم ومخاوفهم السلبية<<

على النقيض من ذلك، يقضي الشباب (غير الإجتماعيين) بمفردهم وقتًا أطول منه مع غيرهم، ولكنهم يقضون بعض الوقت مع أقرانهم أيضًا، وهم ليسوا معادين للمجتمع، فقط لا يبادرون بالتفاعل مع الآخرين، كما أنهم لا يبدون رفضاً للدعوات الاجتماعية من أصدقائهم. ”

لذلك تستكمل بوكرحديثها، « قد يحصل الأشخاص غير الإجتماعيين على ما يكفي من التفاعل مع أصدقائهم بحيث يُصبح بإمكانهم التمتع بهذه العزلة عندما يكونون بمفردهم، فهم قادرون على التفكير بشكلٍ خلاقٍ وخلق الأفكار الجديدة – مثل الفنان في الاستوديو أو الأكاديمي في مكتبه.»

تختتم الدكتورة بوكر : « على مر السنين، اتسمت (عدم الإجتماعية) بأنها نوعٌ غير خطيرٍ نسبيًا من الانسحاب الاجتماعي، ولكن مع النتائج الجديدة التي ارتبطت بالقدرة على الإبداع، نعتقد الآن أن عدم الإجتماعية يمكن وصفها على نحوٍ أفضل باعتبارها شكلًا مفيدَا للانسحاب الاجتماعي.»

مواضيع ذات صلة:


  • ترجمة: علي أبوالروس.
  • تدقيق : م. قيس شعبية.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر