كشفت دراسةٌ جديدةٌ أنّ أقدم الأحفوريات البشرية الحديثة خارج أفريقيا قد اكتُشفت في فلسطين.

ويُقدّر عمر الفك والأسنان المُكتشَفة حديثًا حوالي 194.000 سنة. ممّا يجعل هذه الأحفوريات أقدم بنحو 50.000 سنةً على الأقل من الأحفوريات البشرية الحديثة المُكتشَفة سابقًا خارج إفريقيا، وتشير النتائج الوراثيّة الحديثة إلى أنّ الإنسان الحديث قد غادر أفريقيا أولًا.

وتشير هذه النتائج إلى أنّ البشر الحديثين قد يكون الوقت للتفاعل والتزاوج مع السلالات (الأنساب) البشرية القديمة خارج إفريقيا أكثر ممّا كان يُعتقد سابقًا. كما يُسلّط هذا الاكتشاف الضوء على الطرق التي اتخذها البشر الحديثون أثناء انتشارهم بعيدًا عن إفريقيا.

متى غادر البشر إفريقيا؟

نشأ البشر الحديثون قبل 200.000 سنة على الأقل في إفريقيا. حيث تعود أقدم العظام المعروفة من نوعنا، الإنسان العاقل هومو سابينز، إلى حوالي 300.000 سنة.

لقد ناقش العلماء منذ وقتٍ طويلٍ كيف ومتى انتشرت السلالات البشرية الحديثة من إفريقيا لاستعمار بقية العالم. وتشير الأبحاث السابقة إلى أنّ الهجرة الجماعية من إفريقيا بدأت بين 70.000 و 40.000 سنةٍ مضت.

ومع ذلك، أشارت النتائج الأثرية التي ظهرت في عام 2014 إلى أنّ هجرات البشر الحديثين من إفريقيا بدأت قبل 100.000 سنة على الأقل.وإضافةً لذلك اكتشف العلماء في مواقع أومو وهيرتو الإثيوبيين حفريات تعود إلى حوالي 195.000 و 160.000 سنة على التوالي، واقترح الباحثون أنّها تعود إلى الإنسان العاقل.

وعلاوةً على ذلك، فإنّ دراسةً وراثيّةً جرت في عام 2017 اقترحت أنّ البشر الحديثون قد تزاوجوا مع إنسان الكهف (النياندرتال) في ألمانيا منذ أكثر من 220.000 سنةٍ مضت.

لتسليط الضوء على انتشار الإنسان الحديث من إفريقيا، ركّز الباحثون على منطقة الشرق الأوسط. وتشير البحوث السابقة إلى أنّ هذه المنطقة كانت على الأرجح ممرًا رئيسيًا للإنسان الحديث والأنماط البشرية القديمة مثل الإنسان البدائي عندما هاجروا من إفريقيا.

ويقول المؤلف المساعد في الدراسة إسرائيل هيرشكوفيتز ، وهو عالم في الأنثروبولوجيا الفيزيائية في جامعة تل أبيب في فلسطين: «قام العلماء بالتحقق من الجزء الأيسر لفك علوي يعود لإنسان بالغ عُثر عليه في كهف ميسليا، وهو أحد الكهوف التي ترجع إلى عصور ما قبل التاريخ على طول المنحدرات الغربية لجبل الكرمل في فلسطين. كان قد وجده أحد الطلاب في عام 2002 خلال الحفر».

تاريخ البشرية

استخدم الباحثون ثلاثة تقنياتٍ مستقلةٍ لتأريخ الفك، يطلق عليه اسم ميسليا -1، وكشفت عن أنّ صاحبها عاش ما بين 177.000 و 194.000 سنة مضت. قبل هذا الاكتشاف، كانت أقدم الأحفوريات البشرية الحديثة المُكتشَفة خارج إفريقيا تتراوح بين 90.000 و 120.000 سنة.

وقال الباحثون: «إنّ عمليات المسح بالأشعة السينية والنماذج ثلاثية الأبعاد الافتراضية للأسنان الثمانية التي لا تزال في الفك المكسور تشير إلى أنّ هذه الأسنان كبيرةٌ إلى حدٍ ما بالنسبة لإنسان حديث».

وأضاف العلماء: «إن شكل الأسنان يُظهر بوضوحٍ أنّها تنتمي إلى السلالة البشرية الحديثة وليست من النياندرتال، أقرب الأقرباء المنقرضة للإنسان الحديث».

وقال الباحث المساعد في الدراسة رولف كوام ، وهو خبيرٌ في علم الإنسان القديم  في جامعة بينغهامتون في ولاية نيويورك: «كل من الأدوات الحجرية التي عُثِر عليها بالقرب من ميسليا-1 استخدمت طريقةً متطورةً تسمى تقنية ليفالويس .

وهذا يشير إلى أنّ ظهور هذه الطريقة المُتقدمة في صنع أداة حجرية يرتبط بظهور الإنسان الحديث في هذه المنطقة، كالتي وجدت في السابق في إفريقيا. وتشير الآثار الأخرى المصنوعة من قبل إنسان والموجودة في كهف ميسليا إلى أنّ الناس هناك كانوا يضرمون النار في مواقد وكان الصيادون قادرين على صيد حيواناتٍ كبيرة، مثل الغزلان والماشية البرية الكبيرة المعروفة باسم أوروشس ».

هذه النتائج تشير إلى أنّ البشر الحديثين هاجروا من أفريقيا منذ 50.000 سنة على الأقل.

وصرّح كوام لموقع (لايف ساينس): «إنّ الهجرة السابقة من إفريقيا تعني إمكانية التبادل الثقافي أو الوراثي مع السكان المحليين القدامى في وقت أبكر مما كنّا نعتقد سابقًا، وتتفق مع بعض الأدلة الجينية الأخيرة للهجرة البشرية المُبكّرة من إفريقيا».

وقال الباحثون: «إنّ ملامح هذه الأحفوريات الجديدة تبدو أشبه بتلك التي تظهر في البشر الحاليين منها عن الأحفوريات ذات العمر المماثل من المواقع الإثيوبية أومو وهيرتو».

وقال هيرشكوفيتز ل (لايف ساينس): «في الحقيقة هذه السمات الحديثة تطوّرت في وقتٍ أسبق ممّا كان يُعتقَد وتشير إلى أنّ تاريخنا البيولوجي يحتاج لأن يعود إلى فترةٍ أقدم بكثير  و ليس 200.000، ولكن ربما 500.000 سنة. وتاريخ نوعنا، الإنسان العاقل، أقدم وربما أكثر تعقيدًا مما كان يعتقد العلماء في السابق».

وأضاف هيرشكوفيتز: «حقيقة أنّ الإنسان الحديث قد غادر افريقيا في وقتٍ أسبق مما كان يُعتقَد قد يساعد أيضًا في تفسير الاكتشافات المُحيّرة مثل وجود الإنسان الحديث فى الصين منذ 120 ألف عام».

وقد سلّطت هذه النتائج الجديدة الضوء أيضًا على الطرق التي قد يكون اتخذها البشر الحديثون في هجرتهم من إفريقيا. وتدعم الأحفوريات فكرة أنّ البشر الحديثين هاجروا خارج أفريقيا عبر الطريق الشمالي – وادي النيل وساحل البحر الأبيض المتوسط – وليس عبر الطريق الجنوبي – مضيق باب المندب، الساحل الجنوبي للمملكة العربية السعودية وشبه القارة الهندية ، شرق آسيا، وفقًا لما ذكره هيرشكوفيتز.

ومن الممكن، على الرغم من أنّه احتمال غير دقيق، أنّ تلك الأحافير والتي تحمل الحمض النووي يمكن استرجاعها، ووضّح كوام: «عادةً ما تكون الأحافير من المناطق الحارة أقل احتماليةً للحفاظ على الحمض النووي».


  • تدقيق: م. قيس شعبية
  • تحرير: أحمد عزب
  • المصدر