لن تشرق الشمس على القطب الشمالي حتى 20 مارس-آذار الجاري، ونحن قريبون من الفترة الأكثر برودة في السنة – لكنّ ذوبانًا استثنائيًا للجليد ربما يكون الأول من نوعه في التاريخ سيحدث قريبًا.

أشارت القراءات إلى أن درجة الحرارة قد بلغت نقطة الذوبان تزامنًا مع عاصفة هائلة ليتسبب ذلك بقفزة كبيرة في درجة الحرارة على امتداد بحر جرينلاد.

درجات الحرارة قد قفزت إلى ما يقارب 2 درجة سلسيوس في القطب الشمالي استنادًا إلى قراءات (النموذج الأمريكي للتنبؤات الجوية – GFS).

في غياب معدات قياس مباشرة لدرجة الحرارة هناك، أكد (زاك لاب – Zack Labe) وهو عالم مناخ يعمل على رسالة الدكتوراه خاصته في جامعة كاليفورنيا أن العديد من التحليلات أظهرت «أن درجة الحرارة كانت قريبة من درجة التجمد»، وهو ما يزيد عن 30 درجة سلسيوس فوق المعدل الطبيعي.

مما يشير إلى أن موجة الدفء قد توغلت إلى قلب القطب الشمالي.

متوسط درجة الحرارة لكامل المنطقة التي تقع شمال خط العرض 80 قفز إلى أعلى مستوى سُجِّل على الإطلاق في شهر فبراير الماضي، حيث وصل إلى أكثر من 20 درجة سلسيوس فوق المعدل الطبيعي.

يقول زاك خلال مقابلة، واصفًا مجموعة بيانات قام بإعدادها المعهد الدنماركي للأرصاد الجوية والتي يعود تاريخها إلى عام 1985. « لم تصل موجة دفء من قبل إلى هذا الحد على الإطلاق، لقد أصبت بالذهول من المدى الذي بلغته موجة الدفء هذه».

أشار بحث علمي إلى أن أمثال موجات الدفء الحادة هذه كنت نادرة الحدوث، لكنها تصبح الآن أكثر اعتيادية من ذي قبل، أوضحت دراسة نُشِرَت في يوليو-تموز الماضي أنه ومنذ عام 1980 أصبحت هذه الظواهر أكثر تكرارًا وأطول أمدًا وأشد حدة.

يقول الناشر الرئيسي للدراسة (روبرت جراهام – Robert Graham) من المعهد القطبي النرويجي: «في السابق لم يكن هذا شائعًا، لقد حدث في 4 سنوات فقط خلال الفترة ما بين 1980-2010، لكنه الآن حدث في 4 من أصل آخر 5 فصول شتاء».

كما أوضح روبرت أن موجات الدفء هذه مرتبطة بتناقص الجليد في القطب الشمالي: «بينما يذوب جليد مياه البحر ويقل سُمكه، يصبح غير محصن أمام عواصف الشتاء القادمة، كما أن طبقات الجليد الرقيقة تنجرف بسرعة ويصبح من السهل أن تنقسم إلى قطع صغيرة.

الرياح القوية الآتية من الجنوب تدفع بالجليد شمالًا نحو قلب القطب الشمالي، تاركة خلفها مساحات كبيرة مكشوفة من المسطحات المائية والتي بدورها تبعث بالحرارة من المحيط إلى الغلاف الجوي».

لقد صُدِمَ العلماء في الفترة الماضية من اكتشاف منطقة من المياه المفتوحة إلى الشمال من جرينلاند، وهي منطقة كانت بالعادة تُغطى بطبقة قديمة وسميكة جدًا من الجليد.

يقول (مايك ماكفيرين – Mike MacFerrin) وهو مختص في طبقات الجليد من جامعة كولورادو الأمريكية في تغريده له على تويتر. «وهذا جعلني أكثر قلقًا من درجات الحرارة الدافئة في القطب الشمالي».

يبدوا أن أمثال هذه المسطحات المائية الدافئة له تأثير على درجة حرارة الهواء. ففي الطرف الشمالي لجرينلاند، حوالي 640 كم إلى الجنوب من القطب الشمالي سجلت محطة الأرصاد الجوية (Cape Morris Jesup) رقمًا قياسيًا تجاوز 61 ساعة لبقاء درجة الحرارة فوق نقطة التجمد منذ بداية هذه السنة فقط.

الرقم المسجل سابقًا منذ بداية عام 1980، كان 16 ساعة خلال نهاية شهر ابريل-نيسان من عام 2011، نقلًا عن (روبرت رود – Robert Rohde)، وهو فيزيائي يعمل في (Berkeley Earth).

وهي مؤسسة غير ربحية تقوم بإجراء دراسات حول درجات الحرارة. في وقتٍ مضى كانت درجة الحرارة قد بلغت ما يقارب 6.1 درجة سلسيوس.

يقول (كينت مور – Kent Moore)، وهو بروفيسور في فيزياء الغلاف الجوي بجامعة تورنتو الكندية، والذي نشر دراسة توضح علاقة ذوبان جليد مياه البحر بموجات الدفء في القطب الشمالي، أن هناك عوامل عديدة قد تكون ساهمت في موجات الدفء هذه.

واحدة من هذه العوامل كما يقول: «أن عواصف حديثة زحفت باتجاه القطب الشمالي عبر بحر جرينلاند، دافعة معها موجات الدفء شمالًا من المناطق الجنوبية، بدلًا من اتخاذ مسارات التفافية عبر (بحر بارنتس – Barents Sea).

وأضاف كينت أن درجة حرارة بحر جرينلاند هي أعلى من المعتاد، الدفء الذي نراه في بحر جرينلاند يؤثر بالتأكيد في موجات الدفء التي تحدث. أنا مذهول كم هي دافئة، لكنني غير متأكد من السبب».

ومن المرجح أن موجات الدفء في القطب الشمالي مرتبطة أيضًا بالارتفاع المفاجئ في درجة حرارة الغلاف الجوي، في طبقة الستراتوسفير التي تقع على ارتفاع 9 كم من سطح البحر – تعلو مكان حدوث غالبية الأحوال الجوية – والتي حدثت قبل عدة أسابيع فقطـ، كما يقول كينت.

يبقى فهمنا لأسباب حدوث موجات الدفء في الغلاف الجوي محدود جدًا. ومع ذلك، فإنها غالبًا تقوم بإعادة ترتيب الكتل الهوائية الدافئة والباردة، والموجة الأخيرة ليست فقط مسؤولة عن الدفء الذي نشهده في القطب الشمالي، بل لها صلة بالعاصفة الثلجية التي ضربت أوروبا حديثًا.

واختصر كينت حديثه بالقول أن ارتفاع درجات الحرارة التي تحدث في القطب الشمالي باستمرار هي بالتأكيد علامة على أنها ستصبح ظواهر ثابتة لشتاء القطب الشمالي؛ لكننا بحاجة لجمع المزيد من البيانات.

سواء كانت قفزة مؤقتة وستنتهي أم تمهيدًا لما قد يصبح معتادًا، فقد أعرب العلماء وبشكل موحد عن صدمتهم إزاء إرتفاع درجات الحرارة التي نشاهدها الآن في القطب الشمالي والوضع الحالي لجليد مياه البحر.

عالم مناخ آخر في ناسا (اليك بيتي – Alek Petty) قال خلال مقابلة أجراها: «هذا شتاء جنوني! ولا أظن أننا نبالغ».

أما (روث موترام – Ruth Mottram) وهو عالم مناخ في المعهد الدانماركي للأرصاد الجوية فيقول: «لم تكن درجات الحرارة بهذا التطرّف على الإطلاق!».


  • ترجمة: بلال عبد الحي
  • تدقيق وتحرير: رؤى درخباني

المصدر