وضع العلماء مؤخرًا شجرة عائلة ضخمة تعد الأكبر حاليًا، حيث جمعوا بيانات الأنساب المتاحة عبر مواقع متخصصة من على الإنترنت تضم 13 مليون شخص أي ما يعادل 11 جيلًا.

أرقام مبهرة لكن الأكثر إبهارًا هو ما تظهره هذه الشجرة من تفاصيل عن ماضينا نحن البشر.

ولعلك قمت من قبل بتجربة إحدى المواقع المختصة بالجينات للكشف عن أصول عائلتك، ومن بين كل هذه المواقع، اختار الباحثون موقع جيني (Geni.com)، وذلك لما يتبعه من أسلوب عملي لجمع المعلومات عن نسب المعمرين و مدى طول العمر لفئة معينة،حيث قاموا بتحليل 86 مليون ملف شخصي متاح للعامة موجود على موقع جيني، إذ بحثوا عن أية بيانات خارجة عن المألوف كأشخاص كانوا أبناء و أباء بنفس الوقت لشخص أخر.

و بمحاولة منهم للابتعاد عن أي شكل من أشكال التحيز مثل أن يستخلصوا معلومات لعيّنة إجتماعية تختلف من حيث العامل الاقتصادي أو الوضع الاجتماعي عن غيرها، فقاموا بمقارنة جزء من النتائج مع 80000 شهادة وفاة مسجلة لدى دائرة الصحة في فيرمونت، ليستطيعوا بعد ما جمعوه من بيانات معتمدة تشكيل 5.3 مليون شجرة عائلة مكونة من 13 مليون شخص عاشوا بالفترة الزمنية الممتدة بين 1650 و2000 .

الشبكة الأوسع في التاريخ الإنساني تشكلت من أفراد معظمهم ينحدرون من أوروبا وأمريكا الشمالية تحمل تفاصيل عن طول العمر والهجرة والعلاقات الجينية والزواج ما بين الأعراق المختلفة.

وجدير بالذكر أن تحضير مثل تلك شبكة هو مهمة صعبة و بحاجة لمجهود كبير وتفاني أكبر.

وكمثال على ما أثارته هذه الدراسة من عجب لما نتج عنها من تفاصيل متمثلة في ميل النساء في هذه التركيبة السكانية المختارة إلى التنقل أكثر من الرجال على مدى القرون الماضية، إلا أن الرجال سافروا مسافات أطول إلى أن ينتهي بهم الامر ببلد أخر في غالب الأحيان.

وعلل يانيف إيرليش عالم الوراثة حاسوب من مشروع “MyHeritage” ذلك بالأوضاع الاقتصادية في تلك الآونة مضيفًا: “من التفسيرات المحتملة لبقاء الرجال بمسقط رأسهم نجد توفرهم على فرص اقتصادية كأن يرثوا عقار أو أرض” وإجمالًا فإن أحداثًا مثل الحروب والاضطرابات دفعت الناس إلى الهجرة والاستقرار في مناطق أخرى، والارتباط بآخرين هناك، و ما ساعد على ذلك أكثر هي التطورات التي طرأت على وسائل المواصلات والتي أدت بدورها إلى توسيع المسافة المتاحة ليبحث فيها الناس عن شركاء.

و قد قاس الباحثون هذه المسافة بفترات زمنية مختلفة و تتبعوها، إذ كشفت لهم أن السكان كانوا يميلون لإيجاد شريك ضمن نطاق 8 كم في سنة 1800، و الذي تغير بعد ما شهده قطاع النقل من تقدم خلال سنة 1850 لتزداد الرقعة فتصبح 12 كم و من ثم 100 كم لسنة 1950 و في سياق آخر كشفت الدراسة عن ملاحظة مثيرة أخرى فمنذ سنة 1650 إلى حدود بداية القرن التاسع عشر كان متوسط المتزوجين من أوروبا وأمريكا الشمالية هم أولاد عم من الدرجة الرابعة، وبذلك قل معدل تباعد القرابة للأشخاص المولودين بعد العام 1800، و يرجع ذلك لتكسر بعض المحرمات و التقاليد مع مرور الزمن .

إحدى التفاصيل الأخيرة المستقاة من الدراسة هي نسبة طول العمر بناءًا على الجينات المكتسبة، حيث أظهرت بأن 16% فقط من حياة الناس تكون محكومة للموروثات الجينية، وهو مستخلص يخالف الكثير من النظريات العالمية السابقة، كما أنها نسبة قليلة كما وضح إيرليش، فعلى سبيل المثال، التدخين يزيل ما يناهز عشر سنوات من عمر المدخن، أي أن خيارات الشخص التي يتبعها خلال حياته لها الثقل الأكبر بتحديد مدى العمر .

يضيف الباحثون أخيرًا أن نتائجهم التي نُشرت في مجلة علم الجينات ستوفر موردا مفيدا عند إجراء دراسات أخرى مستقبلية .


  • ترجمة: وسيم الزيادات
  • تدقيق: كنزة بوقوص
  • تحرير: ندى ياغي
  • المصدر