تَعِدُ الشركة الناشئة «Nectome» بأنها ستكون قادرة – في يومٍ ما – من خلال حفظ/تحنيط دماغك، على تحويل الوصلات العصبية لدماغك إلى شيفرة قد تسمح لك أن تحيا إلى الأبد.

حسنًا، لكن ستكون الشركة بحاجة إلى أن يبقى دماغك على قيد الحياة أثناء عملية النقل!!

قد يكون الحديث عن تقنية كهذه سابقًا لأوانه، لكن على العموم ماتزال هذه التقنية غير معروضة للبيع، إلا أنه ثمة هناك قائمة يمكنك التسجيل فيها مقابل مبلغ قابل للاسترداد قدرُه 000,10 دولارًا أمريكيًا، وتضم هذه القائمة 25 شخصًا متفائلًا إلى حد كبير – أو ربما ساذجًا إلى حد كبير، ينتظرون شريحتهم من الجنة الرقمية.

ولا تزال شركة «Nectome» في طور إجراء الأبحاث، بعد حصولها على جائزة قدرها 000,80 دولارًا أمريكيًا لعملها في حفظ دماغ خنزير، حيث تم الاحتفاظ بالوصلات العصبية في مكانها بعد أن أُعيدت إلى حالة مرنة.

ويسعى العاملون في الشركة إلى الحفاظ على الوصلات العصبية للدماغ من خلال حفظه في محلول (تزجيج- vitrifying)*(1)، يُبقي كل وصلة عصبية في حالة زجاجية، ريثما يتمكنون من صياغتها على شكل برمجية حاسوبية.

وللقيام بذلك لا يمكنهم أن ينتظروا حتى يصيبك مكروه، فعلى سبيل المثال، توقف جريان الدم لدقائق معدودة لا تتجاوز الخمس، يمكن أن يكون كافيًا لموت الخلايا العصبية غير الحصينة.

لذا فيجب أن يكون قلبك لا زال ينبض (أي لاتزال على قيد الحياة)، لكي تبدأ عملية الحفظ.

وبما أن هذه التقنية تتطلب من الشخص أن يتخذ قرارًا بالموت، فلن تكون قانونية إلا تحت شروط خاصة جدًا، شبيهة بتلك التي يتضمنها قانون كاليفورنيا للعام 2015 (قانون إنهاء الحياة أو الموت الرحيم- End of Life Option Act).

فيمكن بذلك للشركة أن تمنح أولئك المصابين بأمراض مستعصية بصيصًا من الأمل في الاستيقاظ في دار خلود افتراضية، وذلك عبر دماغ رقمي في المستقبل البعيد.

وإن الحديث عن هذه التقنية ليس بالأمر الجديد، فالعديد من كُتَّاب الخيال العلمي من أمثال (ويليام جبسون-William Gibson ) كانوا لسنوات عدة ومازالوا يتنبؤون بمثل هذه الأفكار، والتي تُعرف (بنشوة المهووس – Geek Rapture)، فكانوا إما يستبعدون إمكانية حدوثها، أو يتنبؤون بقُرب اختراعها.

ومنذ منتصف القرن العشرين، تعمل الشركات على تجميد أجساد البعض في الثلاجات، أملًا في أن يصبحوا – في يوم ما، قادرين على حلَها وإعادتها إلى شكلٍ ما من أشكال الحياة.

ولكن إعادة الدماغ المتجمد إلى العمل بصورة متكاملة، أو حتى نسخه إلى شيفرة حاسوبية تؤدي وظائفه، يتطلب قفزة كبيرة جدًا في التكنولوجيا.

بالإضافة إلى أن الحفظ بالتجميد يؤدي دورًا ضعيفًا في الحفاظ على المشابك (أو الوصلات) العصبية من التلف والإبقاء عليها في مكانها، في حين من المتوقع أن يؤدي الحفظ بالتزجيج دورًا أفضل في حفظ المادة الرمادية للدماغ.

وبالطبع ثمة فرقٌ شاسع بين قدرة دماغك والشيفرة الرقمية، لكن الاعتقاد يذهب إلى أن هذه النسخة البرمجية من دماغك ينبغي أن تضم ذكرياتك، ومن ثم فإنك سوف تَحْيا – افتراضيًا – إلى الأبد داخل محاكاة حاسوبية.

ويبدو أن حديثنا يدور حول الأمل أكثر من العلم، هذا صحيح، فالعقبات التي تواجه البحث العلمي ليست سوى جزء من المشكلة.

فمازلنا غير قادرين بعد على حل المعضلة الكبرى، والتي تتجلى بعدم فهمنا للطريقة التي يمكن فيها لأنظمة مادية كالأدمغة – والحواسيب قريبًا – أن تكون واعية، وكذلك التساؤل عما إذا كان الدماغ بحاجة لجسد لكي يؤدي وظائفه.

إذ إن صنع أدمغة يمكن لأجهزتها العصبية أن تقود سيارة «Lego» يعد شيئًا، وصنع دماغ بشري يمكنه أن يدرك ذاته هو شيء آخر تمامًا، بل ويفوق قدرتنا، ليس فقط على صنعه، وإنما أيضًا على استيعابه.

علاوةً على المعضلات الأخلاقية التي يمكن أن نواجهها.

وقد صرّح عالم الأعصاب (ميشيل هندركس – Michael Hendricks) من جامعة «McGill»: «إن إغراق أجيال المستقبل بأكوامٍ من أدمعتنا فيه شيءٌ من الغطرسة بشكل هزلي».

وأضاف قائلًا: «ألسنا نغادرهم تاركين ما يكفيهم من المشاكل!».

ناهيكَ عن مشاكل الحماية الرقمية والخصوصية وكذلك حقوق النشر، والتي نعاني منها على مستوى فيديو موسيقي نُشِر على موقع اليوتيوب، فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بعقل إنسان متوفي منذ زمن بعيد.

على العموم، فإن شركة «Nectome» قد حصلت للتو على المليون دولار الأولى لها، ولا شك بأنها ستتابع بحثها لبعض الوقت، فللشركة جدول زمني يتصوَّر الخطوات الأولى لعملية حفظ الذاكرة وذلك خلال العقد القادم.

وحتى إن كنت ترى أن هذا كله ليس سوى محضُ خيال، فإنه من الجلي أن هذا ليس مجرد حلم سينطفئ في وقت قريب، لذا فإن كل ما علينا فعله هو أن ننتظر ونترقب!

*(1)التزجيج- vitrifying: هو عملية تحويل المادة إلى مادة صلبة غير متبلورة شبيهة بالزجاج خالية من أي بنية بلورية.


  • ترجمة: محمد غيث بغدادي.
  • تدقيق: هبة فارس.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر