عالمة الرياضيات إيمي نويثر (Emmy Noether) التي ساعدت في وضع الأسس لمنهجية جديدة في الفيزياء.

نظرية نويثر في الفيزياء كانت أشبه بما هو عليه الانتقاء الطبيعي في البيولوجيا.

إذا كنت قد كتبت معادلة تحتوي على كلّ ما نعرفه عن الفيزياء النظرية، فيمكنك أن تميز مصطلحاتها من خلال إسهامات فاينمان، شرودنغر، ماكسويل وديراك، لكن إذا قمت بكتابة “نويثر” في المعادلة، فيتوجب عليك ذكر كل شيء.

ولدت إيمي نويثر في بافاريا عام ١٨٨٢. وعلى الرغم من التحاقها بالمدرسة وحصولها على شهادة لتدريس اللغة الانجليزية والفرنسية، فقد وجدت أنها تبدي للرياضيات -التي كان والدها وشقيقها يزاولان العمل بها في جامعة إرلنغن (Erlangen University) اهتمامًا أكثر.

لم يكن مسموحًا للنساء بالالتحاق، لذلك فقد اجتازت امتحان القبول واستمرت في مراقبة الفصول الدراسية حتى اعترفت جامعة ايرلنغن أخيرًا بالنساء وتمكنت من الحصول على درجة الدكتوراه.

اتجهت نويثر إلى مجال البحوث وابتكرت الكثير في مجال الجبر المٌجرد.

خُلاصة عملها هو دراسة بنية الرياضيات وتقليصها إلى أكثر أشكالها تجريدية، وكان هدف نويثر هو معرفة كيف ترتبط الأفكار الرياضية ببعضها البعض بالإضافة إلى بناء هياكل رياضية عامة.

لم تدّع أبدًا أنها ثورية، لكنَّ عملها كان أساسًا لمقاربة أو لوضع منهجية جديدة في الرياضيات.

حين نشرت نويثر أوراقها البحثية في إيرلانغن لم تكن تحصلت على لقب علمي، ولا تحصل على مقابل مادي، كانت فقط قادرة على تقديم دروس الرياضيات بدلًا من والدها عندما يكون مريضًا.

بعد مرور سبع سنوات، دعاها الرياضيان ديفيد هيلبرت وفيليكس كلاين للعمل معهما في جامعة غوتينغن.

أرادوا منها أن تحلّ المشكلة المربكة للحفاظ على الطاقة في نظرية آينشتاين للنسبية العامة.

في سياق اكتشاف ذلك، أنتجت نويثر واحدة من أهم الأفكار في الفيزياء النظرية، والتي أصبحت تعرف باسم نظرية نويثر.

وصف آينشتاين النظرية بأنها جزء من “التفكير الرياضي بعيد النظر”.

ومع ذلك، يمكن القول بكل بساطة: عندما يكون هناك تماثل في الطبيعة، تبقى بعض الكميات الأساسية ثابتة على ما هي عليه.

يشير التماثل إلى متى تبقى العملية الفيزيائية -أو الوصف الرياضي لأحدها- كما هي عند القيام بتغيير ترتيبها.

على سبيل المثال: البندول، يتأرجح ذهابًا وإيابًا باستمرار، بشكل متّسق مع الزمن.

تخبرنا هنا نظرية نويثر أن أي شيء يحتوي على تماثل -أو تناسق- في الترجمة الزمنية يحافظ على الطاقة، لذلك لا يفقد البندول أيّ طاقة.

وبالمثل، إذا كان النظام له تماثل دوراني، فإنه يعمل بنفس الطريقة التي يواجهها أي اتجاه ويحافظ على الزخم الزاوي.

هذا يعني أنه بمجرد أن يدور جسم ما، سوف يستمر في الدوران.

إن الاستقرار الذي نراه في مدارات الكواكب هو نتيجة لهذه التماثلات التي تعمل معًا: الحفاظ على كل من الطاقة والزخم الزاوي للأجسام.

تتيح لنا نظرية نويثر عمل روابط عميقة بين نتائج التجارب والوصف الرياضي الأساسي للفيزياء.

التفكير في الفيزياء بهذه الطريقة هو الذي صنع نوعًا من الطفرة النظرية التي دفعت الفيزيائيين إلى دراسة بوزون هيغز قبل فترة طويلة من ظهورهِ في مصادم الهادرون الكبير.

التماثل هو أمر أساسي للغاية في الفيزياء. إنّ النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات يشار إليه في كثير من الأحيان بمجموعات التناظر:

U(1)×SU(2)×SU(3)

ثورة الفيزياء النظرية كانت جيدة إلى حدٍّ بعيد، لكنَّ نويثر كانت لا تزال تعمل بدون أجر، وغالبًا ما كانت تُدرِّس تحت اسم هيلبرت، كمساعدته الرسمية.

في عام 1922، اي بعد أربع سنوات من نشر نظريتها، تم تسميتها “أستاذ مشارك دون عقد” براتب بسيط.

وقد قامت بإلقاء محاضرات في جميع أنحاء أوروبا.

بعد ذلك جاء النازيون.

كانت نويثر يهودية، وعندما استولى النازيون على السلطة، كانت خارج العمل، وفرّت نويثر بعدها إلى أمريكا وأصبحت أستاذة زائرة في كلية برين ماور، كما ألقت محاضرات أسبوعية في معهد برينسيتون، وللمرة الأولى، كانت لديها زميلات في الرياضيات، وبشكل مأساوي، لم يكن أمامها سوى عامين للاستمتاع بذلك.

توفيت نويثر في عام 1935 بعد حدوث مضاعفات من عملية جراحية أجرتها وهي في الثالثة والخمسين من عمرها، وقد نعاها العديد من علماء الفيزياء وعلماء الرياضيات العظماء، بما في ذلك آينشتاين.

في عهد نويثر، عملت المؤسسة العلمية بجدّ لإبعاد النساء.

إنّ عبقرية نويثر، وبدعم آينشتاين جعلت لها مكانة مهمة حتى يومنا هذا، وبالتحديد في مجاليّ الرياضيات أو الفيزياء، يمكننا ملاحظة عدم وجود مساواة في معاملة النساء والرجال في الأوساط الأكاديمية، وكما علّمتنا إيمي نويثر، عندما ينكسر التماثل، فإن هذا يعني فقدان شيء ما.

ظهر هذا المقال في مجلة cosmos العدد 65 لشهر اكتوبر- نوفمبر، تحت عنوان “عقلٌ متّسق في معادلة غير متكافئة”.


  • ترجمة: حسام صفاء
  • تدقيق: لؤي حاج يوسف
  • تحرير: يمام اليوسف
  • المصدر