وجدت مركبة ناسا (Curiosity) آثارًا قديمة لمواد عضوية مطمورة في صخور مريخية، ورصدت تقلبات موسميّة في نسبة غاز الميثان الموجود في الغلاف الجوي للكوكب الأحمر، زيادة في انبعاث سنوي للغاز وكأن هناك شيئًا يتنفّس.

هذه الاكتشافات التي نُشِرت كورقتين بحثيتين في مجلة ساينس (Science) مثيرة حقًا، ولكنها لا تعدّ إثباتًا أو حتّى دليلًا قويًا على وجود شيء ما حي حاليًا أو قديمًا هناك. هذه المركّبات العضوية ليست حتّى أوّل مركّبات من نوعها وجدناها على سطح المريخ ولكنها الأقدم.

عالمة البيولوجيا الفلكية إنج لويس تين كيت (Inge Loes ten Kate) من جامعة أوتريخت (Utrecht University) في هولندا، تقول: «يمكن للعمليات الجيولوجية شرح كلا الأمرين»، وكتبت كيت تعليقًا لمجلة ساينس تشرح فيه الورقتين البحثيتين.

العثور على مركّبات عضوية  -مواد تحوي في تركيبها الكربون، وتعتبر مهمة لنشوء الحياة- في صخور مريخية عمرها 3.5 مليار سنة أمر مهم، كما تقول كايت، وكذلك اكتشاف التقلبات الفصلية في ميثان الكوكب.

الكائنات الحيّة تنتج الكثير من المركبات العضوية، والحياة كما نعرفها تحتاج إلى المواد العضوية لتنشأ. لذلك تشير الآثار العضوية المكتشفة إلى توافر الشروط الأساسية لنشوء الحياة على المريخ في فترة قريبة من فترة توافرها على الأرض. حيث أن المركبة (Curiosity) قد أظهرت بالفعل أن الماء تدفق في منطقة غايل كريتر (Gale Crater) منذ مليارات السنين، المنطقة نفسها التي وجدت فيها هذه المركبات العضوية.

تقول كيت: «والانبعاث الفصلي للميثان ربما قد يكون شكّل الإشارة التي ستلتقطها (Curiosity) في حال تشكلت الحياة في ذلك الوقت وما زالت موجودة في مكان ما». على الأرض، الكائنات الحيّة تنتج الكثير من الميثان ولا سيما البكتيريا، ولكن للغاز الكثير من المصادر الأخرى غير الحيّة.

لكن العلماء وجدوا مواد عضوية قديمة على المريخ، لماذا لا يكون هذا أمرًا مهمًا؟

سبب كبير لذلك، كما تقول كيت، أن هذا ليس مفاجئًا. «المواد العضوية» هنا لا تعني شيئًا يشبه ما نراه في حياتنا على الأرض فهي ليست بقايا أعشاب أو خلايا ميتة. المواد العضوية تشمل عائلة كاملة من المركبات التي تحوي ذرات كربون.

تعتبر هذه المواد ضرورية لنشوء الحياة ولكن يوجد العديد من الأماكن التي فيها الكثير من المركبات العضوية، ولكن لا يوجد فيها حياة. ما وجدته (Curiosity) هي مركبات مثل الثيوفين (C4H4S) وثنائي ميثيل الكبريت (C2H6S) وهي ليست نادرة في نظامنا الشمسي.

يوجد في النظام الشمسي ما يكفي من الكربون والهيدروجين ليتفاعلا ويعطيا مركبات عضوية بشكل متكرر دون تدخل لأي كائنات حية.

تقول كيت: «حتى هذه الأيام، نرى تدفقًا كبيرًا للمواد العضوية على شكل غبار بين الكواكب أو النيازك».

يُعتقد أن هذه الأشياء منتشرة في النظام الشمسي، والعلماء توقعوا بالفعل أنه في الفترات الأقدم، والأكثر اضطرابًا للنظام الشمسي فإنّ المواد العضوية أمطرت على المريخ.

يمكننا أن نجد مواد عضوية على سطح قمر المشتري (تايتن) لنفس السبب، وقد اكتشفت المركبة (Curiosity) مواد عضوية على سطح المريخ في عام 2014 ولكن في صخور أحدث.

تقول كيت: «آثار المركّبات العضوية المكتشفة حديثًا تسهم في تأكيد أنّ شروط نشوء الحياة قد توافرت بالفعل على سطح المريخ قبل 3.5 مليار سنة، وأنه لم يكن هناك قوى خارجية -كالضوء فوق البنفسجي مثلًا- قادرة على تدميرها كليًا».

ويتفق معها مؤلفا الدراستين، إذ كتبا أنه لا توجد طريقة لمعرفة ما الذي أنتج هذه المركّبات، قد تكون عوامل بيولوجية أو جيولوجية أو نيازك، وأنّ بعض خصائص هذه المركّبات تُظهر أنها ليست بقايا مباشرة لكائنات حيّة عاشت هناك.

وكتب الباحثان أنّ جزءًا من المشكلة يكمن في حقيقة أن هذه المركبات تغيّرت بشكل كبير عبر الزمن منذ أن تشكّلت بالأصل. كان من الممكن أن يعطي تركيبها الكيميائي الأصلي معلومات عن مصدرها أيًا كان هذا التركيب، ولكنه ضاع منذ زمن بعيد.

لهذه الأسباب تذكر كيت أن اكتشاف التغيّرات في الميثان أكثر إثارة، وتقول: «بالتأكيد، هناك عمليات جيولوجية والتي قد تغيّر مستوى غاز الميثان خلال السنة المريخية». مرشح محتمل هي عملية (serpentinization) عندما تتفاعل المياه والمعادن مطلقةً غاز الميثان.

«من الممكن لهذا أن يحدث على المريخ» كما تقول كيت، ويمكن للتفاعل أن يتسارع أو يتباطأ على مدار السنة عندما يسخن الكوكب أو يبرد مما ينتج الزيادة في الانبعاث بدون أيّ كائن حي.

تقول كيت: «لمعرفة مصدر تقلب الميثان، يجب على العلماء معرفة مدى انتشاره على المريخ، ويجب أيضًا أن يعرفوا مدى قِدَمه، والكيمياء المسببة له». لم تكشف مستشعرات (Curiosity) فيما إذا كانت مركبات الميثان قديمة أم حديثة أو فيما إذا كانت تحوي نظائر كربون مماثلة للميثان الذي تطلقه الكائنات الحية على الأرض.

«لنجيب على هذه الأسئلة نحتاج مزيدًا من الأدوات ومزيدًا من ساعات العمل» تقول كيت. ولكن بالتأكيد تلك الاكتشافات تساعد على الأقل في توجيه البحث عن الحياة على الكوكب الأحمر.


  • ترجمة: مهران يوسف
  • تدقيق: صهيب الأغبري
  • تحرير: أحمد عزب
  • المصدر