إنّ أساسيّات الفيزياء على هاوية الخطر.

باستخدام المنظومة الشمسية بأكملها على أنّها مختبر، واستخدام أكثر أدوات قياس الوقت تطوّرًا على أنّها تجهيزات لهم، ساعد العلماء على إثبات “فرضيّة المصعد لأينشتاين” – إحدى أهمّ أركان النظريّة النسبيّة العامّة.

تتناول النظريّة أساسيّات الكتلة، الجاذبيّة، الفضاء، والوقت_ ولذا فإنّ إثبات صحّتها أساسي جدًّا في سبيل الحفاظ على أركان الفيزياء كما نعرفها.

الأمر الذي ألهم فكرة المصعد لأينشتاين-المعروفة بمبدأ التكافؤ-هو أنّك إن وجدت نفسك منعدم الوزن، وتطفو في وسط مصعد مغلق من دون أيّ نوافذ، فمن المستحيل أن تعرف إن كنت تبحر في الفضاء العميق أو تتسارع بنسبة كبيرة نحو الأرض.

على الأرجح، إنّك لن تجد نفسك عالقًا في أيٍّ من الموقفين، ولكن المبدأ الرئيسي هنا هو أنّ قوانين الفيزياء تطبّق هي ذاتها في كلتا الحالتين، بغضّ النّظر عن مكانك أو السرعة التي تتحرّك بها.

إنّ الجاذبيّة موجودة في موقف واحد دون غيره، ولكنّ النتيجة هي ذاتها في كلتا الحالتين، وهذا ما أدركه أينشتاين.

إنّ المبدأ الذي نحاول التحقّق منه في هذه الدراسة، متّصل بما ورد أعلاه، وهو أنّ كلّ شيء في ذلك المصعد الافتراضي الذي يسقط بحرّيّة سيتسارع بنفس النسبة-أنت، قهوتك التي أفلتّها لتوّك، الشخص الغريب الذي يسقط بجانبك، وهكذا دواليك.

وللتحقّق من هذا، قام الفيزيائيّون في المركز الوطني للمعايير والتكنولوجيا (NIST) باستخدام كوكب الأرض على أنّه الجسم الذي يطفو والمنظومة الشمسيّة على أنّها بئر المصعد.

ولقياس التسارع، أحضر الباحثون أكثر الساعات الذريّة تطوّرًا لدينا: أربع ميزرات هيدروجين ( الميزر هو معيار تردد الهيدروجين ) وثمان ساعات سيزيوم ذرّيّة.

وبمقارنة دقّات هذه الساعات على مدى 14 عامًا، وجد الفريق فارقًا يبلغ 0.00000022 وزد أو اطرح 0.00000025.

إنّ هذا الرقم يقارب الصفر بشكل كبير، وهذا أفضل ما استطعنا الحصول عليه، فإذا كان أينشتاين على حقّ، وكلّ هذه الساعات تسقط بنفس نسبة التسارع في الفضاء، فيجب أن تكون هذه القيمة صفرًا.

بصيغة أخرى، على الرغم من اختلاف تأثيرات جاذبيّة الشمس، المشتري والأجسام المختلفة، فإنّ دقّات الساعات الذرّيّة تبقى ثابتة- تمامًا كما بقيت ثابتة في حالة الأشخاص الافتراضيين والأشياء الأخرى التي في داخل المصعد.

إنّ هذه التجربة أبعد ما تكون عن أوّل مرّة نقوم فيها بإثبات هذه الفرضيّة، ولكنّها الأكثر دقّة، ويعود الفضل في هذا للتحسينات التي أضيفت إلى دقّة الساعات الذرّيّة.

“ويعود السبب الرئيسي خلف إجراء هذه التجربة إلى التشديد على دور الساعات الذرّيّة في اختبار أساسيّات الفيزياء، وخصوصًا أساسيّات النظريّة النسبيّة العامّة”، كما يقول باجوناث باتلا أحد أعضاء الفريق الباحث.

وما زال هناك مستويات أعلى من الدقّة، ومجموعة متعدّدة من الطرق التي يستطيع الفيزيائيّون فيها إثبات هذه النتائج.

وعلى رأس ذلك، فإن المزيد من الدقّة في قياس مبدأ التكافؤ، يعني المزيد من الدقّة في قياس أساسيّات أخرى متعلّقة بالفضاء والوقت في الكون، وللساعات الذرّيّة دورًا مهمًّا في هذا.

يقول باتلا: “وما نقوم به هو ربط اختبارات الجاذبيّة بالساعات الذريّة، وبتدوين الحدود التي لا تزال تحدّ الساعات الذرّية الحاليّة، ونقدّم آفاقًا مستقبليّة حول علاقة الجيل الجديد من الساعات الذريّة بهذا الموضوع”.

ما زال هناك بعض التضاربات بين النظريّة النسبيّة العامّة والفيزياء الكمّيّة التي علينا تفسيرها، ولكنّنا سنترك هذا الموضوع للدراسات المستقبليّة لتدرسه. أمّا بالنسبة للوقت الراهن، فإنّ أينشتاين يربح مجدّدًا.


  • ترجمة: منال جابر
  • تدقيق: جدل القاسم
  • تحرير: حسام صفاء
  • المصدر