تتكون المادة من جسيماتٍ أوليةٍ ويذكر النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات أن هذه الجسيمات تتواجد في عائلتين: اللبتونات (مثل الإلكترونات والنيوترينوات) والكواركات (التي تشكل البروتونات والنيوترونات).

وطبقًا للنموذج القياسي فإن هاتين العائلتين مستقلتان تمامًا ولهما شحنات كهربائية وأعداد كمية مختلفة ولكنهما يمتلكان نفس عدد الأجيال، وكما موضح في الصورة.

ومع ذلك فإنّ بعض النظريات التي تتجاوز النموذج القياسي بما في ذلك النظريات الموحدة الكبرى تتنبأ بأنّ اللبتونات والكواركات تندمج في طاقاتٍ عاليةٍ لتصبح جسيمات (لبتوكواركات – leptoquarks) إذ تُقترح هذه الجسيمات في النظريات التي تحاول توحيد القوى الأساسية: القوة النووية القوية والضعيفة والقوة الكهرومغناطيسية.

هذه التوحيدات ليست نادرةً في الفيزياء، فقد وّحَد العلماء القوى الكهربائية والمغناطيسية في القرن التاسع عشر في قوةٍ واحدةٍ تعرف بإسم القوة الكهرومغناطيسية من خلال الصيغ الرياضية الأنيقة لماكسويل.

أما بالنسبة لجسيمات لبتوكواركات فيعتقد أنّ هذه الجسيمات الهجينة لها خصائص كل من اللبتونات والكواركات بالإضافة إلى نفس عدد الأجيال.

هذا التوحيد لن يسمح للكواركات واللبتونات بالانقسام إلى نوعين من الجسيمات فحسب، بل يسمح أيضًا بتحول اللبتونات إلى كواركات والعكس صحيح.

في الحقيقة يمكن تفسير الانحرافات التي اكتُشِفَت في تجربة (مصادم الهيدرونات الكبير – LHCb) وكذلك في تجربة بيل وبابار في قياسات خصائص ميزونات B من خلال وجود هذه الجسيمات الافتراضية.

إذا وجدت جسيمات اللبتوكواركات فإنّها ستكون ثقيلةً جدًا وتتحول بسرعةٍ أو تتحلل إلى لبتونات أو كواركات أكثر استقرارًا.

وقد بحثت التجارب السابقة -في المسرع الأكبر للبروتونات (SPS)، ومصادم الإلكترونات – بوزيترونات الكبير (LEP) في سيرن، ومسرع الهيدرونات-الإلكترونات الحلقي في مصادم (DESY) في هامبورغ، والمعجل الكبير (تيفاترون – Tevatron) الملحق بمركز الأبحاث النووية (Fermilab)- تحلل جسيمات لبتوكواركات من الجيل الأول والثاني.

أُجريت عمليات البحث عن الجيل الثالث من جسيمات لبتوكواركات لأول مرةٍ في تيفاترون ويجري الآن استكشافها في مصادم الهادرون الكبير (LHC).

بما أنّ جسيمات لبتوكواركات سوف تتحول إلى لبتونات وكواركات، بدأ الباحثون في مصادم الهيدرونات الكبير بالبحث عن بصمات إشارة في توزيعات نتائج التحلل.

في حالة الجيل الثالث من جسيمات لبتوكواركات يمكن أن يكون اللبتون هو جسيم تاو أو تاو نيوترينو بينما يمكن أن يكون الكوارك علويًّا أو سفليًّا.

في ورقةٍ أخيرةٍ باستخدام البيانات التي جُمِعَت في عام 2016 بطاقة تصادم تُقَّدَر بـ (13 TeV)، وقدمت تجربة (CMS) في مصادم الهيدرونات الكبير نتائج عمليات البحث عن جسيمات لبتوكواركات من الجيل الثالث، إذ حُوّلت كل جسيمات لبتوكواركات من الجيل الثالث في التصادمات في البداية إلى زوج من جسيم تاو-كوارك العلوي.

بما أنّ المصادمات تنتج الجسيمات والجسيمات المضادة في نفس الوقت، فقد بحثت تجربة (CMS) بشكلٍ محددٍ عن وجود أزواجٍ من جسيمات لبتوكواركات و لبتوكواركات المضادة في أحداث الاصطدام التي تحتوي على بقايا كوارك العلوي وكوارك علوي مضاد وجسيم تاو وجسيم تاو مضاد.

بالإضافة إلى ذلك ولأنّ جسيمات لبتوكواركات لم تُرَ من قبل وخصائصها بقيت غامضةً، يعتمد الفيزيائيون على حساباتٍ متطورةٍ تعتمد على عواملٍ معروفةٍ للبحث عنها.

وهذه العوامل التي تشمل طاقة التصادمات ومستويات الخلفية المتوقعة هي مقيدة بالقيم الممكنة للكتلة ودوران الجسيم الافتراضي.

من خلال هذه الحسابات يمكن للعلماء تقدير عدد جسيمات لبتوكواركات التي قد تُنتَج في مجموعة بياناتٍ معينةٍ من تصادمات البروتون-البروتون وكم من الكميات التي يمكن تحويلها إلى منتجات نهائية يمكن أن تبحث عنها أجهزة الكشف.

يقول رومان كوغلر عالم الفيزياء الذي يعمل على هذا البحث من خلال تجربة (CMS): «لقد أصبحت جسيمات لبتوكواركات واحدةً من أكثر الأفكار إثارةً لتوسيع حساباتنا لأنّها تجعل من الممكن تفسير العديد من الحالات الشاذة التي لوحظت في مصادم الهيدرونات الكبير، ونحن نبذل قصارى جهدنا إما لإثبات أو استبعاد وجودها».

بعد فحص أحداث الاصطدام من أجل البحث عن خصائصٍ محددةٍ، لم تلاحظ تجربة (CMS) أيّ زيادةٍ في البيانات التي قد تشير إلى وجود الجيل الثالث من جسيمات لبتوكواركات.

وبالتالي كان العلماء قادرين على استنتاج أنّ جسيمات لبتوكواركات من الجيل الثالث تتحول حصريًا إلى زوجٍ من جسيمات تاو-كوارك العلوي يجب أن تكون كتلتها على الأقل (900 GeV) أو أثقل من الكوارك العلوي بحوالي خمسة أضعاف بينما كان الكوارك العلوي هو أثقل الجسيمات التي لاحظناها.

الحدود التي وضعتها تجربة (CMS) على كتلة الجيل الثالث من جسيمات لبتوكواركات هي الأضيق حتى الآن.

وقد بحثت التجربة أيضًا عن الجيل الثالث من جسيمات لبتوكواركات التي تتحول إلى جسيمات تاو وكوارك السفلي، واستنتجت التجربة أنّ مثل هذه اللبتوكواركات يجب أن تكون كتلتها على الأقل (740 GeV).

ومع ذلك فمن المهم ملاحظة أنّ هذه النتيجة مأخوذة من فحص جزءٍ صغيرٍ من بيانات مصادم الهيدرونات الكبير عند (13 TeV) من عام 2016.

ستضمن عمليات البحث الإضافية من تجربتي (CMS) و (ATLAS) التي تأخذ في عين الاعتبار البيانات من عام 2017 بالإضافة إلى التشغيل القادم لعام 2018 أنّ مصادم الهيدرونات يمكنه مواصلة اختبار النظريات حول الطبيعة الأساسية لكوننا.


  • ترجمة: سرمد يحيى.
  • تدقيق: رند عصام.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر