نحن نعلم أنّ الميكروبات في الأمعاء تمتلك تأثيرات قويّة على صحتنا.

هل يمكن لبعض هذه البكتيريا أن تجعل من أدمغتنا موطنًا لها؟

الأسبوع الماضي في الاجتماع السنويّ لجمعيّة علم الأعصاب لفت إعلان لصورٍ مجهريّة عالية الدقّة الانتباه لبكتيريا يبدو أنّها تخترق وتعيش في خلايا أدمغة بشريّة سليمة.

هذا العمل أوليّ، إذ أنّ مؤلفيه كانوا حذرين فنوّهوا إلى أنّ عيّنات الأنسجة التي جمعوها من الجثث قد تكون ملوّثة.

ولكن بالنسبة للعديد من المارّة في قاعة المعرض، فإنّ إمكانيّة تأثير البكتيريا بشكلٍ مباشرٍ على العمليات في الدماغ ـ بما في ذلك، ربّما مسار الأمراض العصبيّة ـ كانت مذهلةً للغاية.



قال عالم الأعصاب رونالد ماكغريغور من جامعة كاليفورنيا – لوس أنجلوس، الذّي لم يشارك في العمل: «هذا هو خبر الأسبوع، إنّه مثل مصنع جزيئيّ جديدٍ بالكامل – في الدماغ – له احتياجاته الخاصة. هذا أمرٌ مذهلٌ فعلًا».

إنّ الدماغ عبارة عن بيئة محميّة، محاطة جزئيًا بمكونات مجرى الدم، بواسطة شبكةٍ من الخلايا التي تحيط بأوعيتها الدمويّة.
يمكن للبكتيريا والفيروسات التي تخترق هذا الحاجز الدماغيّ الدمويّ أن تسبب التهابًا يُهدد الحياة.

وقد اقترحت بعض الأبحاث أنّ الميكروبات البعيدة ـ التي تعيش في أمعاءنا ـ قد تؤثر على المزاج والسلوك وحتّى على خطر الإصابة بالأمراض العصبيّة، ولكنّ بطرقٍ غير مباشرة.

على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي اختلال توازن ميكروبات الأمعاء إلى زيادة إنتاج بروتين مؤذٍ والذي قد يُسبب مرض باركنسون في حال انتقل عبر العصب الذي يربط الأمعاء بالدماغ.

حديثٌ بصوت عالٍ سُمع من قاعة المعرض مساء الثلاثاء من أخصائيّة الأعصاب، روزاليندا روبرتس من جامعة ألاباما في برمنغهام (UAB)، حيث أخبرت الحاضرين عن اكتشافٍ مؤقت – إذا كان صحيحًا – يقترح علاقةً غير متوقعة بين الميكروبات والدماغ.

يبحث مختبرها عن الاختلافات بين الأشخاص الأصحاء وبين الأشخاص المصابين بالفصام عن طريق فحص شرائح من أنسجة المُخّ المحفوظة في الساعات التالية للوفاة.

منذ حوالي خمس سنوات، أصبحت عالمة الأعصاب كورتني ووكر – التي كانت آنذاك طالبةً جامعيّة في مختبر روبرتس – مفتونة بأشياءٍ غير معروفة عصوية الشكل ظهرت في صور مفصّلة بدقّة لهذه الشرائح، تمّ التقاطها بواسطة مجهر إلكترونيّ.



كانت روبرتس قد رأت هذه الأشكال من قبل.

تقول روزاليندا: «لكنّني رفضتها، لأنّني كنت أبحث عن شيء آخر».

لكنّ ووكر كانت مصممة، لذلك بدأت روبرتس استشارة الزملاء في UAB.

في هذا العام، أعطتها عالمة جراثيم خبرًا غير متوقع: إنّها بكتيريا.

هذا وقد وجد فريقها الآن البكتيريا في كل دماغٍ قاموا بفحصه – 34 دماغًا – نصفهم أصحّاء والنصف الآخر أدمغة مصابين بالفصام.

تساءلت روبرتس عمّا إذا كانت البكتيريا من الأمعاء قد تسربت من الأوعية الدمويّة إلى الدماغ في الساعات بين وفاة الشخص واستخراج الدماغ.

لذلك نظرت إلى أدمغة الفئران الصحيّة، والتّي تمّ حفظها بعد قتل الفئران مباشرةً.

ثمّ نظرت إلى أدمغة الفئران الخالية من الجراثيم – إذ تمّت تربيتها بعناية لتخلو من الحياة الميكروبيّة – وكانت نظيفةً بشكلٍ كامل.

كما كشف تسلسل الحمض النوويّ الريبوزي – (RNA) أنّ معظم البكتيريا تشكّلت من ثلاثة أشكال شائعة في القناة الهضميّة: “Firmicutes”، “Proteobacteria”، و”Bacteroidetes”.

لا تعلم روبرتس كيف يمكن لهذه البكتيريا أن تصيب الدماغ.

قد تكون عبرت من الأوعية الدمويّة، أو عبر الأعصاب من الأمعاء، أو حتّى عبر الأنف.

ولا يمكنها قول الكثير عمّا إذا كانت هذه البكتيريا مفيدة أو ضارة.

كما لم تتواجد أيّ علامات التهاب تشير إلى أنّها تسبب الأذى، ولكنّ كميّتها لم تحدد بعد، أو تُقارن بشكلٍ منهجيّ بين الأدمغة الانفصاميّة والصحيّة.

إذا اتضح أنّ هناك اختلافات كبيرة، فإنّه بإمكان الأبحاث المستقبليّة أن تفحص كيف يمكن لهذا (الميكروب الدماغيّ) المُقترح الحفاظ على صحة الدماغ أو تهديدها.

في الفحص الأوليّ لصور المجهر الإلكترونيّ، لاحظ فريق روبرتس أنّ البكتيريا المقيمة لديها تفضيلات محيّرة.

يبدو أنّها تسكن الخلايا النجميّة، التّي تتفاعل مع الخلايا العصبيّة وتدعمها.

على وجه الخصوص، تتجمع الميكروبات في نهايات الخلايا النجميّة التّي تطوّق الأوعية الدمويّة، عند الحاجز الدماغيّ الدمويّ وحولها.

كما يبدو أنّها أكثر وفرةً حول النتوءات الطويلة للخلايا العصبيّة المغلّفة بالمادة الدهنيّة المسماة المايلين.

لا تستطيع روبرتس تفسير هذه التفضيلات، ولكنّها تتساءل ما إذا كانت البكتيريا تنجذب إلى الدهون والسكّر في خلايا الدماغ هذه.

لماذا لم يشاهد الباحثون المزيد من البكتيريا في الدماغ؟

قد يكون أحد الأسباب هو أنّ قليلًا من الباحثين يقومون بفحص أدمغة الجثث بالمجهر الإلكترونيّ، كما تقول روبرتس.



«ليس شائعًا وجود العديد من الأدمغة في وقت واحد لفحصها من قِبَل علماء الأعصاب».

وقد يتجاهل علماء الأعصاب ـ كما فعلت ووكر حتّى وقت قريب ـ أو لا يعترفون بوجود بكتيريا في عيّناتهم.

تعترف روبرتس أنّ فريقها ما يزال بحاجةٍ إلى استبعاد التلوّث.

على سبيل المثال، هل يمكن للميكروبات من الهواء أو من الأدوات الجراحيّة أن تدخل في النسيج أثناء استخلاص الدماغ؟

هي تخطط للبحث عن مثل هذه الأدلة.

كما تريد استبعاد كون المحاليل التّي تحفظ أدمغة الفئران تدخل أو تغذّي البكتيريا.

بين زوّار الإعلان، «كان هناك بعض المشككين»، كما لاحظت روبرتس.

وتضيف: « لديّ هذا الشعور أيضًا، ولكن حتّى لو لم تكن البكتيريا في الواقع مزدهرة في أدمغةٍ حيّة، فإنّ أنماط غزوها بعد الوفاة مثيرة للاهتمام».

«إذا كان لدينا بالفعل ميكروبات في الدماغ كما تقترح روبرتس، فهناك الكثير للبحث بشأنه» كما يقول ثيودو بوستولاش، وهو طبيب نفسيّ في جامعة ماريلاند في بالتيمور.

حيث درس طفيليّ (المقوّسة القنديّة – Toxoplasma gondii)، الذي يغزو الدماغ ولكنّه لا يسبب دائمًا مرضًا واضحًا.

يضيف بوستولاش: «لست مندهشًا جدًا من إمكانيّة عيش أشياءٍ أخرى في الدماغ، ولكنّه بالطبع، أمر ثوريّ، إن كان صحيحًا».

«إذا كانت هذه البكتيريا المعويّة الشائعة تتواجد بشكلٍ روتينيّ وحميد في الخلايا الدماغيّة وحولها، فمن الممكن أنّها تلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم نشاط المناعة في الدماغ».

كما يضيف: «هناك طريق طويل لإثبات ذلك، ولكنّه مثير».


  • ترجمة: كنان مرعي
  • تدقيق: آية فحماوي
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر