إذا كنت قلقًا مُسبقًا فمع الأسف هناك شيءٌ إضافيّ قد تحتاج إلى القلق بشأنه، فقد وجدت دراسة جديدة أنّ التوتّر يمكنه أن يُضعف ذاكرتك حاليًا ويُسرّع من الانحدار (التراجع) المعرفيّ لاحقًا في السنوات المقبلة من حياتك.

وإذا لم يكن هذا موتّرًا بشكلٍ كافٍ فاعلم أنّه قد يكون للتوتّر أيضًا علاقة بانكماش الدماغ قليلًا وِفقًا لدراسة نُشِرَت في 24 تشرين الأول في مجلة “Neurology”.

وفي دراسةٍ ضمّت أكثر من 2000 متطوّع ذي صحّةٍ جيّدة وفي منتصف العمر وجد الأطباء أنّ الأشخاص أصحاب المستويات المرتفعة من الكورتيزول -وهو مؤشّر للتوتّر- في الدم كان أداؤهم ضعيفًا بشكلٍ أكبر في اختبارات الذاكرة، كما أنّ حجم الدماغ لديهم كان مُتقلّصًا قليلًا مقارنةً مع أولئك الأشخاص صاحبي المستويات الطبيعيّة من الكورتيزول.

وكان هذا التأثير أكثر وضوحًا عند النساء في هذه الدراسة.

ولكن، قبل أن تفزع اعلم أنّ الباحثين أكّدوا على أنّ النتائج -وهي مُقلقة في الحقيقة- لا تعني أنّ التوتّر يُسبّب ضررًا للدماغ.

ولكنّ الدراسة بدلًا من ذلك كشفت عن علاقةٍ بين التوتّر ووظائف الدماغ، وهذا يتناسق مع الدراسات المخبريّة القائمة على الفئران.

لا تقلق فذلك طبيعيّ

إنّ الاستجابة للتوتّر هي جزءٌ طبيعيّ من الحياة إذ أنّه يجب على الجسم أن يتفاعل عندما يواجه الخطر أو تهديدات من قِبَل الآخرين.

والكورتيزول هو جزءٌ رئيسيّ لاستجابة التوتّر تلك، كما قال مؤلّف الدراسة الدكتور (جوستين إتشو-تشيجوي -Dr. Justin Echouffo-Tcheugui) -أستاذُ مساعدٌ في الطب في كليّة الطب بجامعة جونز هوبكنز في بالتيمور-.

وخلال لحظات التوتّر ترتفع مستويات الكورتيزول وتقوم -بالاشتراك مع هرمون آخر يُدعى الأدرينالين- بدفع الجسم لتشكيل استجابة المقاومة أو الهروب.

كما يقوم الكورتيزول بشكلٍ خاص برفع مستوى الغلوكوز -أو السكر- في مجرى الدم، الأمر الّذي يحفّز استخدام دماغك للطاقة كما يقوم بإخماد وظائف الجسم غير الضروريّة في حالات الطوارئ بشكلٍ عاجلٍ، مثل الهضم والتكاثر والنمو.

وبمجرّد انتهاء حادثة التوتّر يجب أن تنخفض مستويات الكورتيزول، ولكنّ هذا لا يحدث دائمًا، وذلك كما أخبر الدكتور جوستين لموقع “Live Science”.

وقد يستمر الجسم بملاحظة التوتّر -ولسببٍ غير مفهوم بشكلٍ جيّد- يقوم بالحفاظ على المستويات المرتفعة من الكورتيزول.

أو كما في الحياة الحديثة يمكن أن تُسبّب حياة المنزل أو العمل للشخص توتّرًا يوميًا.

كما يمكن لمتسويات الكورتيزول المرتفعة بشكلٍ دائم أن تُسبّب ضررًا للقلب والجلد.

لهذا فإنّ القول بأنّ التوتّر والمستويات العالية من الكورتيزول يمكن أن يُؤثّر أيضًا على الذاكرة ووظائف الدماغ ليس مُفاجئًا كما قال الدكتور جوستين، وبالتّالي فإنّ الأشخاص المصابين بمتلازمة كوشينغ -وهي اضطراب يتمّ تمييزه جُزئيًا بمستوى مرتفع ومستمر من الكورتيزول- عادةً ما يعانون من ذاكرةٍ ضعيفةٍ، وقصور الانتباه، وتقلّب المزاج، والاكتئاب.

التوتّر والدماغ

قام الدكتور جوستين والّذي اعتمد على كليّة الطب في هارفارد أثناء إجراء التحليل في الدراسة الجديدة بالاستفادة من قاعدة بيانات لدراسة فرامنغهام للقلب -وهي دراسة ضخمة مُموّلة حكوميًا تعقّبت صحّة آلاف المقيمين في (فرامنغهام ماساتشوستس – Framingham Massachusetts) لأكثر من 70 عامًا-.

حدّد جوستين وزملاؤه 2231 شخص بمعدّل عمر 49 عامًا وكانوا أصحّاء من الخَرف.

أجرى كلّ مُشارك في بداية الدراسة فحصًا ذهنيًا وتقييمات للذاكرة ومهارات التفكير.

وتمّت إعادة اختبار ذاكرتهم ومهارات التفكير لديهم مرّةً أخرى بعد ثمان سنوات.

وعند انتهاء الدراسة سُحبت أيضًا عيّنات دمٍ، كما تمّ إجراء فحص الرنين المغناطيسيّ لحوالي 2000 منهم لقياس حجم الدماغ.

وجد الباحثون أنّ الأشخاص ذوي مستويات الكورتيزول العالية قد حقّقوا نتائج منخفضة في اختبارات الذاكرة ومهارات التفكير بشكلٍ أكبر من الأشخاص ذوي المستويات الطبيعيّة من الكورتيزول.

كما رُبطت المستويات العالية من الكورتيزول بحجمٍ كلّي أصغر للدماغ.

وقال جوستين أنّ الدراسة هي بمثابة لمحةٍ سريعةٍ لتأثرات الكورتيزول لفترةٍ محددة ومن أجل مجموعةٍ واحدةٍ من الأشخاص والذين كانوا -بأغلبهم- من أصولٍ أوروبيّة.

ومع التأثيرات الضّارة المعروفة لمستويات الكورتيزول المرتفعة على أنسجة الجسم المختلفة صرّح جوستين أنّه يجب على الأطبّاء الانتباه لاحتماليّة تضرّر الدماغ.

وقال جوستين: «كشف بحثنا عن فقدان الذاكرة وانكماش الدماغ عند الأشخاص متوسطي العمر قبل أن تبدأ الأعراض في الظهور في النشاطات اليوميّة بشكلٍ اعتياديّ، لذلك من المهمّ أن يجد الناس طرقًا لتقليل التوتّر».

وقال الدكتور (بول جورج – Paul George) -الأستاذ المساعد في علم الأعصاب والعلوم العصبيّة في جامعة ستانفورد، والّذي لم يشارك في البحث- أنّ الدراسة المبينّة على مجموعةٍ من الأشخاص: «تطرح المزيد من الأسئلة والتي تحتاج إلى تفسيرٍ أعمق حول كيفيّة تأثير الكورتيزول على الدماغ وعلى معرفتنا».

وصرّح الدكتور بول لموقع “Live Science”: «إحدى نقاط القوّة هي تقييم أحجام الدماغ هذه باستخدام تقييمات التصوير المُتعدّدة بغية تقدير التغيّيرات على الدماغ».

«إنّ حجم الدراسة قد زاد من تأثيرها أيضًا، كما وفّروا تحليلًا دقيقًا لاستبعاد العوامل الخارجيّة مثل الاكتئاب».

وأضاف الدكتور بول أنّ القيود تكمن في طبيعة هذه الدراسات الوبائيّة، إذ أنّ الباحثين غير قادرين على التأكد من أنّ السبب هو وجود أم استمرار التوتّر لأنّهم يعتمدون على عيّنة دم صباحيّة لتحديد مستويات الكورتيزول.

وقال جوستين أنّه يوافق على ذلك التقدير.

ومع ذلك يمكن أن يكون لتخفيف التوتّر مجموعة من الفوائد، إذ يتحقق ذلك من خلال النوم بشكلٍ أفضل، والتمارين، وتقنيات الاسترخاء، أو من خلال طلب دواءٍ مُخفّضٍ للكورتيزول من الطبيب إذا لزم الأمر.

وقال: «ليس هناك أيّ خطأ في تقليل التوتّر».


  • ترجمة: عدي بكسراوي.
  • تدقيق: آية فحماوي.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر