الأرض كبيرة جدًا ليتمّ إدخالها وفحصها بجهاز أشعةٍ سينيّة أو مقياس رنينٍ مغناطيسيّ، لذا وجد فريق بحث من العلماء في إسبانيا طريقة واعدةً لفعل ذلك، فقد استخدموا جسيمات دون ذريّة تتدفق بشكلٍ مستمرٍ عبر الكوكب.

فحص العلماء جوف الأرض باستخدام الـ(نيوترونات – neutrinos)، واستخدموا تلك الجسيمات لإيجاد طريقةٍ جديدةٍ كليًّا لقياس كتلة الأرض.

النيوترونات هي عبارة عن أشياءٍ صغيرةٍ غريبة، وهي أكثر الجسيمات توافرًا في الكون، ولكنّ التقاطها صعبٌ نوعًا ما. إنّها مشابهة للإلكترونات، لكنّها لا تمتلك شحنةً كهربائيّة كما أنّ كتلتها تقارب الصفر، وبالتالي فإنّ تفاعلها مع الكتل العاديّة ضعيفٌ جدًا عند جريانها بسرعةٍ تقارب سرعة الضوء.

تندفع مليارات النيوترونات خلال جسدك، لهذا نستطيع معرفة سبب تسميتها بالجسيمات “الشبحيّة”.

بينما تُعتَبَر جهودنا لالتقاط تلك الجسيمات -تاريخيًا- قليلةً جدًا، فقد فتح وجود مكتشف النيوترونات المُسمى  “IceCube neutrino detector”  -والمتواجد في القارة القطبيّة- الطريق لعالَم بحث واسعٍ يتعلّق بعلم النيوترونات.

استطاع علماء الفيزياء في معهد (فيزياء الجسيمات  – Corpuscular Physics) في فالنسيا-إسبانيا (IFIC) دراسة الكتلة الداخليّة للأرض بواسطة استخدام بيانات سنةٍ كاملةٍ من المُكتشف.

يعمل هذا المُكتشف مثل الأشعة السينيّة. عندما يتمّ تصويرك بالأشعة السينيّة فإنّ حزمًا من تلك الأشعة تُرسَل عبر جسدك، تمرّ معظم تلك الأشعة عبر الأنسجة الناعمة كالعضلات والأعضاء. إلّا أنّ الأعضاء الأكثف كالعظام تمتص تلك الحزم بنسبةٍ أعلى. لذا فإنّ معظم الأشعة السينيّة تصل إلى الجانب الآخر، ما يُنشئ صورةً لهيكلك العظميّ.

ولكن، عوضًا عن استخدام الأشعة السينيّة، استخدم العلماء النيوترونات الجويّة، أسرابًا من النيوترونات والتي تنشأ نتيجة اصطدام الجسيمات المشحونة -الموجودة في الفضاء- بالغلاف الجويّ للأرض. تَعبُر تلك الأسراب الغلاف الجويّ ولكن يتمّ امتصاصها بواسطة النواة الذريّة للأجسام التي تمرّ عبرها.

كلّما كانت المادة أكثف ازدادت نسبة الامتصاص، الادعاء الذي مكّن فريق البحث من إنشاء دراسةٍ تتعلق بكثافة كتلة الأرض.

يشرح ذلك عالِم الفيزياء في المعهد، (سيرجيو بالوماريس رويز – Sergio Palomares-Ruiz): «مكنّنا استخدام النيوترونات الجويّة من تلقّي نيوترونات قادمة من كلّ الاتجاهات، بمدى واسعٍ من الطاقة، وتدفقٍ يُعرَفُ بدقّته الكافية. تعتمد الكميّة المُمتصّة لتدفق النيوترونات الجويّة على كميّة المادة المجتازة، بالإضافة لشحنة النيوترون. لذلك خلال دراسة اختلاف كميّة المادة الممتصة نستطيع تحديد توزّع كثافة الأرض».

تُعتَبَر الزوايا المختلفة عاملًا مهمًا هنا. تصل بعض النيوترونات إلى نواة الأرض، أمّا البعض الآخر يقوم يقوم باجتياز نواة الأرض بزوايا مائلة بالكامل.

قدّم تحليل كلّ من التركيز والزوايا، الأدوات التي ساعدت الفريق لحساب كثافة الكوكب على أعماق مختلفة.

بشكلٍ عام، يتمّ استقراء كثافة الأرض عن طريق انتشار الموجات الزالزاليّة الناشئة عن الزلازِل. إلّا أنّ الموجات الزلزاليّة غير قادرة على اختراق نواة الأرض.

يقول عالِم الفيزياء في المعهد، (أندريا دونيني – Andrea Donini): «تخترق النيوترونات -بالمقابل- كلّ ذلك منتجةً معلوماتٍ قيّمةً عن نواة الأرض غير المعروفة، المكان الذي تولّد فيه مغناطيسيّة الكوكب».

لم يتعلّم الفريق أيّ شيء جديدٍ عن كوكبنا. خريطة كثافة قلب الأرض، كتلته و(اللحظة التي تحجّر عندها – moment of inertia)، جميعها تمّ حسابها عن طريق بيانات النيوترونات، كما تطابقت كلّها مع القياسات التي أُخِذَت بطريقةٍ أخرى -والتي وفّرت تفاصيل أقل-.

لم تكن الغاية من البحث تعلم أيّ شيء عن الأرض، بل كانت الغاية الانكشاف لأشياء جديدة نستطيع تعلّمها من النيوترونات. وهذا يؤكّد أنّ النتائج التي تمّ التوصّل إليها رائعة جدًا.

كتب الباحثون في ورقتهم البحثيّة: «تظهر نتائجنا نجاعة هذا الكشف عند دراسة البنيّة الداخليّة لكوكب الأرض، والذي يُعتَبَر مُكمّلًا للطرق الجيوفيزيائيّة التقليديّة».

مع أنّ بيانات النيوترونات في هذا الوقت شحيحة نسبيًا، فإنّ فريق البحث يأمل أن يشجّع بحثهم على إطلاق المزيد من البيانات المُجمّعة في مرصد “IceCube”، بالإضافة إلى انطلاق علومٍ جديدةٍ حول النيوترونات.


  • ترجمة: مازن سفّان
  • تدقيق: آية فحماوي
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر