ربما لا تتوقفون في كثير من الأحيان للتفكير في هذا الأمر، لكنَّ المادة بعد ولادة الكون مباشرةً لم تكن بالشكل الذي نعرفه عليها اليوم.

بدلًا من ذلك، يعتقد العلماء أنها كانت تمامًا في شكل يشبه الحساء أطلقوا عليه اسم “حساء الكوارك”، وهي حالة تعرف أيضًا ببلازما كوارك-غلوون.

يخبر الباحثون أنهم تمكنوا من تشكيل قطرات سائلة فائقة الصغر من هذا الحساء في المختبر، ما قد يسمح لنا بالنظر في الماضي مرة أخرى إلى أول ميكروثانية من الوجود.

وصُنعت قطرات من بلازمات كوارك-غلوون في ثلاثة أشكال هندسية -دوائر وإهليليجات ومثلثات- وذلك باستخدام مصادم جزيئي ضخم مخصص لضرب البروتونات والنيوترونات بعنف عند سرعات ودرجات حرارة مرتفعة إلى أن تتفكك.

إحدى النتائج الأساسية للتجربة هي أن هذه البلازما الصغيرة من الكوارك – غلوون تتصرف مثل السوائل حتى على أصغر المقاييس. واعتقد العلماء في البداية أن هذا الشيء مستحيل، لكنهم رأوا الآن المزيد والمزيد من الأدلة التي تؤكد ذلك.

يقول أحد أعضاء فريق العمل، جيمي نايجل من جامعة كولورادو بولدر: «لقد جعلتنا نتائجنا التجريبية أقرب إلى الإجابة على سؤال حول أصغر كمية يمكن أن توجد من الكون المبكر».

ما هي بالضبط بلازما كوارك-غلون؟

إنها حالة شبيهة بالسوائل، ولكنها حالة موجودة في درجات حرارة مرتفعة جدًا، حيث تكون الظروف حارةً جدًا لتشكيل الذرات.

وكما يوحي الاسم فإنها تتكون من الكواركات ولوونات، وهي جسيمات أولية تتحد لتشكل البروتونات .

نحن نتحدث عن المنطقة التي تبلغ 4 تريليون درجة سيليزية، أكثر سخونة من نواة الشمس بحوالي 250،000 مرة.

بينما بردت هذه الجسيمات في نهاية المطاف بما يكفي لتشكل فيما بعد المادة العادية التي تشكل عالمنا اليوم، فإن خصائص هذه البلازما تظل رائعة بالنسبة للعلماء – الخصائص التي تحكي قصة بدايات الكون وكل شيء فيه.

منذ بداية القرن الحالي، اقترحت التجارب التي أجريت في مصادم الأيونات الثقيلة بسرعات النسبية في مختبر بروكهافن الوطني في مدينة نيويورك أن بلازما كوارك-غلوون قد تتصرف مثل السوائل شبه الكاملة.

التصادم الذري(اليمين) ينتج الأشكال الثلاث من البلازما (اليسار). (فينيكس، نيتشر 2018).

يقول أحد الباحثين، بول روماتشكي من جامعة كاليفورنيا بولدر: «إذا كان بإمكانك الحصول على زجاجة من هذا السائل على مكتبك، وقمت بتدويرها وجعلتها تطفو حول حاجز ما، فإنها ستفعل ذلك دون أي احتكاك تقريبًا».

هذا ما صُممت هذه التجربة الأخيرة لاختباره: ما إذا كانت قطرات حساء الكوارك ستحافظ على شكلها حتى في أحجام أصغر، وهذا ما يتلاءم مع فرضية السائل.

والدوائر الناتجة والأشكال البيضاوية والمثلثات هي أقوى دليل حتى الآن على أن هذا هو الحال بالفعل، حتى عندما تصطدم ببضعة بروتونات فقط.

يدعم البحث الجديد الدراسات السابقة التي أجريت في مصادم الأيونات الثقيلة بسرعات النسبية على بلازما كوارك-غلوون.

لقد قامت المختبرات المتخصصة بإنتاجها لعدة سنوات في ظروف متنوعة، ولكنها تظهر وتختفي من الوجود بلمح البصر، ويمكن أن تشكل تحديًا للتحليل.

وأمامنا الكثير لاستكشافه حول هذا الشكل الأقدم للمادة، لكننا بالفعل في طريقنا لمعرفة كيف تحول بالضبط حساء الكوارك إلى مادة حقيقية. ففي نهاية المطاف، يمكننا كشف المزيد من الأسرار حول كيفية توسع الكون.

بعد ذلك، ينشغل فريق المختبر في مختبر بروكهافن الوطني بإعداد تجارب لاختبار خواص بلازما كواركات-غلوون بمقاييس أصغر.

وتتساءل فيكتوريا غرين إحدى الباحثات من جامعة فاندربيلت في ولاية تينيسي: «ما مدى الصغر الذي يمكن أن يكون عليه نظام يحمل سلوكًا جماعيًّا؟».

إن الفكرة تفيد بأنه بإمكاننا تكرار الانفجار العظيم على نحو مصغر في المختبر وفهم أن الحالة البدائية للكون كانت هي هذه الحالة السائلة المثالية والتي يمكنها أن تقدم لنا معلومات عن النماذج الكونية.


  • ترجمة: عبد الله آيت أوشن
  • تدقيق: مرح منصور
  • تحرير: مازن سفّان
  • المصدر