ربما قرّر بعضنا أن يبدأ العام الجديد بارتياد النادي الرياضي، ليتخلّص من دهون البطن المزعجة، ولكن هل فكّرنا يومًا، ما هي الآليّة الخلويّة للتمارين الرياضية في إنتاج تلك الآثار المرجوّة؟

يكمن سر تلك التمارين في جزئية إشارة الإنترلوكين-6 التي تلعب دورًا أساسيًا في هذه العملية (وِفق ورقةٍ بحثيّة نُشرت في 27 ديسيمبر في مجلة Cell Metabolism).

كما هو مُتوقَّع أن 12 أسبوعًا من التمرين كانت كفيلةً بإنقاص الدهون الحشوية في البطن لمن يعانون من السِّمنة، لكن ما أثار الدهشة هو غياب تأثير هذه التمارين لدى من يتعالج بال tocilizumab المُصرَّح باستخدامه حاليًا في علاج التهاب المفاصل الروماتيدي، إذ يقوم هذا الدواء بإيقاف إشارة الإنترلوكين-6، كما يعمل أيضًا على زيادة مستويات الكولسترول بصرف النظر عن القيام بالنشاط الرياضي (البدني).

وتقول المحررة الأولى آني-سوفي ويديل-نييرجراد من جامعة كوبنهاجن: «يتذكّر الناس دائمًا أنه يجب أن يقوموا بالتمارين الرياضية، إذ يُعزّز التمرين الرياضي الصحة الجيدة وكما نعلم الآن أن الممارسة المنتظمة للنشاط البدني تقلل الكتلة الدهنيّة في البطن ومنه خطر تطوير الأمراض الناتجة عن الأيض القلبي».

ازدياد دهون البطن لا يؤدي فقط إلى زيادة خطر حدوث تلك الأمراض القلبية وإنما إلى حدوث السرطان، والخرف وكلها أمراضٌ تؤدي إلى الموت.

يُقلل النشاط البدني من الأنسجة الشحميّة الحشويّة التي تحيط بالأعضاء الداخلية في التجويف البطني، ولكن ما تزال الآليّة غير واضحةٍ.

افترض الباحثون أن هرمون الإبينفرين (هرمون القتال أو الهروب) يتوسط حدوث هذا التأثير.

ولكن تشُك ويديل-نييرجراد والباحثة المشاركة هيلجا إلينجسجارد أن الإنترلوكين-6 يمكن أن يلعب أيضًا دورًا مهمًا لأنه ينظّم الطاقة الأيضيّة، وينشط تفكك الدهون لدى الأصحاء ويتحرر من العضلات الهيكلية أثناء التمرين.

ليتأكدوا من صحة الفكرة قاموا بإجراء (تجربةٍ أحادية المركز-single-center trial) –وهي تجارب يبادر باحث واحد بالقيام بها وتكون في مركز بحثيٍّ واحد- استمرت مدة 12 أسبوعًا، إذ قسّموا الأشخاص الذين يعانون من سمنةٍ في منطقة البطن إلى 4 مجموعات عشوائيًا.

كان عدد المشاركين 53 مشاركًا قُسِّمُوا إلى مجموعتين إحداهما تلقّت tocilizumab والأخرى محلولًا ملحيًا كدواءٍ وهمي (بلاسيبو) عبر التسريب الوريدي وقُسّمت كُلٌ من تلك المجموعتين إلى مجموعة تمارس تمارين الدرّاجة وذلك عبر عِدّة جلساتٍ أسبوعيًا مدة كل جلسةٍ 45 دقيقة وأخرى لا تمارس التمارين الرياضية. استخدم الباحثون تقنيّة التصوير بالرنين المغناطيسي لتقييم كتلة النسيج الشحمي الحشوي في بداية ونهاية الدراسة.
وجدنا في مجموعتي البلاسيبو تناقص كتلة الدهون الحشويّة بمتوسط 225 جرام أي ما يعادل 8% بالمقارنة مع أقرانهم الذين لم يقوموا بالتمرين الرياضي.

ووجدنا في المجموعات الذين مارسوا التمرين الرياضي (بلاسيبو، وtocilizumab) أن tocilizumab أدى إلى ازدياد كتلة النسيج الشحمي بما يقارب 287 جرام بالمقارنة مع أقرانهم ممّن تلقّوا البلاسيبو.

كما أدّى تناول tocilizumab إلى زيادة الكولسترول الكُلي والكولسترول الضار low-density-lipoprotein (LDL) بالمقارنة مع البلاسيبو في كلا المجموعتين (مع نشاط بدني ودونه).

تقول ويديل-نييجراد: «تلك الدراسة -على حد علمنا- هي الأولى التي تُبيّن الدور الفيزيولوجي المهم للإنترلوكين-6 في تنظيم كتلة الشحوم الحشوية في أحشاء الإنسان».

لاحظ الباحثون أن تلك الدراسة كانت تمهيديةً استكشافيةً وليست بغرض تقييم علاجٍ ما ضمن الإطار السريري.

وبشكلٍ أكثر تعقيدًا، يمتلك الإنترلوكين-6 تأثيرات متعاكسة على الالتهاب، حسب الحالة. فمثلًا يُشاهد الارتفاع البسيط المزمن للإنترلوكين-6 في مرضى السمنة الحادة، والسكّري النمط 2 والأمراض الوعائيّة القلبيّة.

وتوضّح ويدييل-نييرجراد: «تختلف طرق الإشارة في الخلايا المناعية عنها في الخلايا العضليّة بشكلٍ واضحٍ ما ينتج عنه أفعالٌ مُحرّضةٌ للالتهاب ومثبّطةٌ للالتهاب وبالتالي يمكن أن يعمل الإنترلوكين بشكلٍ مختلفٍ بين الأصحاء والمرضى».

سيقوم الباحثون في أبحاثٍ قادمةٍ باختبار قدرة الإنترلوكين-6 بالتأثير على الشحوم أو الكربوهيدرات التي تقوم بتوليد الطاقة تحت ظروفٍ متعددةٍ، كما سيبحثون في قدرة إعطاء مزيدٍ من الإنترلوكين وحده (أي دون تمرين رياضي أو أدوية أخرى) -عن طريق الحقن- على إنقاص كتلة الشحوم، وتؤكّد ويديل-نييجراد: «نحتاج إلى فهم أعمق للإنترلوكين-6 لنناقش تلك الإمكانيات».

يقدّم الباحثون حاليًا بعض النصائح العمليّة لممارسة التمارين أثناء العطلة، فتقول ويدل-نييرجراد «من المهم أن نؤكّد أن التمارين الرياضية تؤدي إلى زيادة وزن الجسم لأنها تزيد الكتلة العضليّة، لذلك من الجيد أن نقيس محيط الخصر بالإضافة إلى الوزن لمراقبة تأثير التمارين الرياضية وقياس نقص كتلة الدهون الحشوية ولكي نبقى متحمسين إلى ممارسة المزيد من التمارين الرياضية».


  • ترجمة: رهف السّيّد
  • تدقيق: مينا خلف
  • تحرير: كارينا معوض
  • المصدر