ما هي الرياح الشمسية وهل هي خطرة ؟

الرياح الشمسية المجال المغناطيسي الشمس الأرض

هذه الصورة هي مفهوم لأحد الفنانين لشكل المجال المغناطيسي الأرضي، بوجود الجبهة المقوسة Bow Shock ، الأرض في منتصف الصورة محاطة بمجالها المغناطيسي متمثلًا بالخطوط البنفسجية والجبهة المقوسة متمثلة بالهلال الأزرق على اليمين والعديد من الجسيمات النشطة في الرياح الشمسية متمثلة باللون الذهبي منعكسة بواسطة الغلاف المغناطيسي الأرضي. تتسبب الرياح الشمسية في تدفق البلازما والجزيئات من الشمس نحو الفضاء، بالرغم من أن الرياح ثابتة لكن خصائصها ليست كذلك. ما الذي يسبب هذا التدفق وكيف يؤثر على الأرض؟

النجم العاصف

تصل درجة حرارة طبقة (الكورونا-Corona) وهي طبقة الشمس الخارجية إلى حوالي 1.1 مليون درجة سيليزية. لا تستطيع جاذبية الشمس في هذه الحالة تحمل الحركات السريعة للجزيئات فتتدفق تلك الجزيئات بعيدًا عن النجم. يتباين نشاط الشمس على مدى دورتها المؤلفة من 11 سنة، مع تغير عدد البقع الشمسية ومستويات الإشعاع والمواد المقذوفة على مر الزمن.

تؤثر هذه التغيرات على خصائص الرياح الشمسية ومن ضمنها مجالها المغناطيسي وسرعتها وحرارتها وكثافتها. تختلف هذه الرياح أيضًا اعتمادًا على مكان قطعة الشمس التي تصدر منها ومدى سرعة دوران هذه القطعة. تزداد سرعة الرياح الشمسية عند المناطق الداكنة في الكورونا أو ما يعرف بفجوات الكورونا- Corona holes، إذ تصل إلى حوالي 800 كيلومتر في الثانية، بينما تكون درجة الحرارة والكثافة في هذه المناطق منخفضة ويضعف فيها المجال المغناطيسي، إذ تكون خطوط المجال مفتوحة باتجاه الفضاء.

تحدث هذه الفجوات عند الأقطاب وخطوط العرض الواطئة وتبلغ أكبر حجم لها عندما يكون النشاط الشمسي بأضعف ما يكون. يمكن أن تصل درجة حرارة الرياح السريعة إلى حوالي 800,000 درجة سيليزية. تتحرك الرياح الشمسية عند منطقة حزام التدفق في طبقة الكورونا- coronal streamer belt حول خط الاستواء بشكل أبطأ بسرعة حوالي 300 كيلومتر في الثانية. تصل درجة حرارة الرياح البطيئة حوالي 1.6 مليون درجة سيليزية.

تتكون الشمس وغلافها الجوي من البلازما ومزيج من الجزيئات موجبة وسالبة الشحنة بدرجات حرارة عالية جدًا، لكن بمجرد مغادرة المادة للشمس محمولة بواسطة الرياح الشمسية فإنها تصبح أشبه بالغاز. قال كريغ دي فوريست (Craig De forest) عالم الفيزياء المختص بالنظام الشمسي في معهد البحث-Southwest Research Institute (SwRI(التابع لمدينة بولدر-Boulder في كولورادو الأمريكية في تصريح: «كلما ابتعدنا عن الشمس تنخفض قوة المجال المغناطيسي بشكل أسرع من انخفاض قوة ضغط المادة. في النهاية، تسلك المادة سلوكًا غازيًا وتقل فيها خصائص البلازما ذات الهيكلة المغناطيسية».

تأثيرها على الأرض

تغادر الرياح الشمس حاملةً معها جزيئات مشحونة وغيومًا مغناطيسية، تتحرك الرياح الشمسية في كل الاتجاهات عاصفةً بكوكبنا باستمرار ومؤثرةً فيه بطريقة مثيرة للاهتمام. إذا وصلت المادة المحمولة بواسطة الرياح الشمسية سطح الأرض ستُحدث إشعاعاتها ضررًا شديدًا لأي مظهر من مظاهر الحياة على الأرض.

يعمل المجال المغناطيسي الأرضي كدرع يُعيد توجيه المادة الموجودة حول الأرض ويجعلها تتدفق خلفه، إذ تمدد قوة الرياح المجال المغناطيسي وتقلصه نحو الداخل في الجانب المواجه للشمس وتجعله يتمدد في الجانب البعيد عن الشمس. تطلق الشمس أحيانًا رشقات من البلازما تُعرف بانبعاثات الكورونا الكتلية- Coronal Mass Ejections (CMEs) أو العواصف الشمسية. تمتلك الـ CMEs تأثيرًا أقوى من تأثير الرياح الشمسية التقليدية، هذا التأثير أكثر شيوعًا خلال الفترة النشطة للدورة المعروفة بالحد الشمسي الأقصى-Solar Maximum.

قالت ناسا على موقعها الإلكتروني المتخصص في رصد العلاقة الشمسية- الأرضية-Solar Terrestrial Relations Observatory (STEREO): «تعدّ
المقذوفات الشمسية المؤثر الأقوى للعلاقة الرابطة بين الأرض والشمس، بالرغم من أهمية ال CMEs لم يتوصل العلماء لفهم كامل لأصلها وتطورها ولا لتركيبها أو مدى وجودها في الفراغ بين الكواكب»، تأمل مهمة الـ STEREO بتغيير هذا الوضع.

عندما تحمل الرياح الشمسية ال CMEs وباقي رشقات الإشعاع القوية باتجاه المجال المغناطيسي لكوكب ما، يمكن أن تتسبب في ضغط المجال المغناطيسي ودمجه مع بعضه في الجانب الخلفي في عملية تعرف بإعادة الاتصال المغناطيسي. تتدفق الجسيمات المشحونة عائدة باتجاه الأقطاب المغناطيسية للكوكب مسببة ظاهرة جميلة تعرف بالشفق القطبي في الغلاف الجوي العلوي. رغم امتلاك بعض الأجسام لمجال مغناطيسي واقٍ، بعضها الآخر يفتقر الحماية. القمر التابع للأرض لا يمتلك غلافًا لحمايته لذلك هو يتحمل الضرر الأكبر.

يمتلك المشتري وهو أقرب الكواكب للشمس مجالًا مغناطيسيًا يحميه من الرياح الاعتيادية القياسية، لكنه يحتاج قوته الكاملة لحمايته من الرشقات الأقوى مثل الـ CMEs. عندما يلتقي التدفق السريع مع البطيء فإنهما يكونان معًا مناطق كثيفة تعرف بمناطق التفاعل المساعد على الدوران – Co-rotating Interaction Regions CIRs التي تشن عواصف أرضي-مغناطيسية عند تفاعلها مع الغلاف الجوي للأرض.

الرياح الشمسية والجسيمات المشحونة التي تحملها يمكن أن تؤثر في الأقمار الصناعية الأرضية ونظام تحديد المواقع GPS. النبضات القوية يمكن أن تدمر الأقمار الصناعية أو يمكنها أن تدفع إشارات الGPS بعيدًا عن مسارها الحقيقي بعشرات الأمتار. تسبب الرياح الشمسية اضطرابات في جميع كواكب النظام الشمسي، استمرت مهمة ناسا الجديدة في التحقق من الرياح المتحركة بين أورانوس وبلوتو.

قال هيذر إيليوت (Heather Eliot)، عالم الفضاء العامل في SwRI في سان أنطونيو، تكساس في تصريح: «تصبح السرعة والكثافة بمعدل واحد عند تحرك الرياح الشمسية، لكن الرياح تستمر في التعرض للحرارة بسبب الضغط المؤثر عليها عند حركتها، لذلك يمكنك رؤية الأدلة على نمط تعاقب حرارة الشمس حتى في النظام الشمسي الخارجي».

دراسة الرياح الشمسية

لقد علمنا بوجود الرياح الشمسية منذ خمسينيات القرن الماضي، لكن رغم تأثيراتها الواسعة على الأرض وعلى رواد الفضاء لم يستطع العلماء معرفة كيفية تطورها. حاولت بضع المهمات في العقود القليلة الماضية تفسير هذا اللغز. قامت مهمة أوليسيس التابعة لناسا- NASA’s Olysses Mission بدراسة الشمس على خطوط عرض مختلفة، إذ قاست الخصائص المختلفة للرياح الشمسية على مدى أكثر من 12 عام. تحيط أقمار المستكشف التكويني المتقدم -Advanced Composition Explorer (ACE) satellite بأحد النقاط الخاصة بين الأرض والشمس التي تعرف بنقطة لاغرانج-Lagrange، في هذه المنطقة تتعادل قوة جذب الأرض وقوة جذب الشمس جاعلة القمر الصناعي يسير بمدار متزن.

انطلقت ACE في عام 1997 وكانت تقيس الرياح الشمسية وتوفر قياسات حقيقية لجريان الجسيمات المستمر. درست مركبتا ناسا الفضائيةSTEREO-A STEREO-B حافة الشمس لمعرفة كيف ولدت الرياح الشمسية، انطلقت STEREO في أكتوبر عام 2006 ووفقًا لناسا فإنها وفرت نظرة ثورية فريدة من نوعها عن النظام الشمسي للأرض.

تأمل إحدى المهمات الجديدة بتسليط الضوء على الشمس والرياح الشمسية، إذ انطلقت مهمة مسبار باركر NASA’S Parker Solar Probe في صيف عام 2018 وهي تهدف لملامسة الشمس بعد عدة سنوات من الدوران حول النجم. سيغطس المسبار داخل طبقة الكورونا للمرة الأولى، باستعمال مزيج من وسائل التصوير والقياس لإحداث ثورة في طريقة فهم طبقة الكورونا وزيادة الوعي عن أصل الرياح الشمسية وتطورها.

قال العالم نيكولا فوكس (Nicola Fox) المساهم في مشروع مسبار باركر الشمسي، التابع لمختبر الفيزياء التطبيقية في جامعة جونز هوبكنز (Johns Hopkins) في تصريح: «سيُجيب مسبار باركر عن أسئلة حول فيزياء الشمس حيرتنا لأكثر من ستة عقود، مضيفًا أنها مركبة فضائية محملة بتكنولوجيا اختراق ستحل العديد من الألغاز الكبيرة حول النجم، من ضمنها اكتشاف سبب كون طبقة الكورونا أكثر حرارة بكثير من سطحها».

اقرأ أيضًا:

خلال كسوف الشمس، يحاول الفلكيون الكشف عن أسرار الرياح الشمسية

اكتشاف تصدع في الغلاف المغناطيسي ل الارض ( درعنا الوحيد ضد الاشعاعات الكونية و الرياح الشمسية )

ما هي الرياح الشمسية؟

تصوير حافة الشمس لأول مرة من أجل فهم مصدر الرياح الشمسية

المصدر

ترجمة: رياض شهاب
تدقيق: رزان حميدة