تشكّل الخلايا أساس جميع الكائنات الحية، وهي الوحدة المفردة الأصغر للحياة، من أبسط الجراثيم للحيتان الزرقاء وأشجار الخشب الأحمر العملاقة. يدرس علم الأحياء الخلوي (البيولوجيا الخلوية) بنية الخلية ووظيفتها، من الخواص العامة التي تتشاركها جميع الخلايا، للوظائف الفريدة والمعقدة النوعية لخلايا متخصصة، ويدور حول مفهوم أن الخلية هي الوحدة الأساسية للحياة.

بالإضافة إلى أن التركيز على دراسة الخلية يتيح استيعابًا مفصلًا للأنسجة والكائنات الحية التي تؤلفها الخلايا، إذ تمتلك بعض الكائنات الحية خلية واحدة فقط، في حين تنتظم أخرى في مجموعات متعاونة بأعداد هائلة من الخلايا.

وبينما يركز علم الأحياء الجزيئي بشكل كبير على جزيئات الحياة (ولاسيّما الأحماض النووية والبروتينات)، يُعنى علم الأحياء الخلوي بكيفية توظيف الخلايا لهذه الجزيئات حتى تبقى على قيد الحياة، وتتكاثر وتُنجز وظائفها الطبيعية.

علم الأحياء الخلوي الخلايا البيولوجيا الجراثيم الخلية

علم الأحياء الخلوي

في الأبحاث الطبية الحيوية، يُوظَّف علم الأحياء الخلوي لمعرفة المزيد عن الآلية الطبيعية لعمل الخلايا، وكيف يمكن أن تؤدي الاضطرابات في هذه الآلية لأمراض، فقد يساهم فهم هذه العمليات في إيجاد علاجات تستهدف الأداء غير الطبيعي.

توجد عدة مجالات فرعية أساسية ضمن علم الأحياء الخلوي، من بينها دراسة طاقة الخلية والآليات الكيميائية الحيوية التي تدعم الاستقلاب الخلوي. نظرًا لكون الخلايا آلات بحد ذاتها، يتداخل التركيز على طاقة الخلية مع السعي وراء الأسئلة حول كيفية بدء نشوء الطاقة في الخلايا البدائية الأصلية منذ بلايين السنين.

يُعنى مجال فرعي آخر لعلم الأحياء الخلوي بوراثيات الخلية وترابطها الوثيق مع البروتينات المتحكمة بتحرر المعلومات الوراثية من النواة لسيتوبلازما الخلية، بينما يُركّز آخر على بنية مكونات الخلية، المعروفة بالمقصورات التحت الخلوية.

كذلك يتقاطع مجال فرعي إضافي من علم الأحياء الخلوي مع العديد من التخصصات الحيوية، فُيعنى بالتواصل والتأشير الخلويين، مركزًا على الرسائل التي تُرسلها الخلية لخلايا أخرى ولذاتها وتتلقاها منها.

وأخيرًا يوجد مجال فرعي يتعلق بشكل رئيسي بالدورة الخلوية، ودوران الأطوار بدءًا وانتهاءً بالانقسام الخلوي، ويركز على الفترات المختلفة للنمو وتضاعف الـ(DNA)، ويمعن العديد من علماء البيولوجيا الخلوية النظر في تقاطع مجالين فرعيين أو أكثر مما سبق مع تزايد القدرة على تحليل الخلايا بطرق أكثر تعقيدًا.

بالتوافق مع الدراسات بين التخصصات المتزايدة باستمرار، أثر الظهور الحديث لعلم أحياء الأنظمة في العديد من التخصصات الحيوية، علمًا بأنه يعتبر منهجية تشجع تحليل الأنظمة الحية ضمن سياق الأنظمة الأخرى. ففي مجال علم الأحياء الخلوي ، أتاح علم أحياء الأنظمة طرح أسئلة أكثر تعقيدًا والإجابة عليها، كالعلاقات المتبادلة بين شبكات التنظيم الجيني، والعلاقات التطورية بين الجينومات، والتداخلات بين شبكات التأشير داخل الخلوية.

في النهاية، كلما كانت العدسة المُستخدمة في الاكتشافات في مجال علم الأحياء الخلوية أوسع، زادت احتمالية القدرة على فك شيفرة تعقيدات جميع الأنظمة الحية، الكبيرة منها والصغيرة.

مقطع عرضي في خلية نبتة العشب

مقطع عرضي في خلية نبتة العشب

تقنيات علم الأحياء الخلوي الشائعة

تغطي القائمة التالية بعض أشيع تقنيات علم الأحياء الخلوي استخدامًا، ولكنها غير شاملة:

● المزارع الخلوية/النسيجية:

بنفس الطريقة التي يمكن فيها إنماء الجراثيم والمتعضيات البسيطة الأخرى في المخبر، خارج بيئتها الطبيعية، يمكن زرع الخلايا والنسج المأخوذة من متعضيات أكثر تعقيدًا أيضًا، ولكن التقنيات مختلفة قليلًا، ويكون الوسط الزرعي أكثر تعقيدًا كي يعكس البيئة الداخلية المعقدة في المضيف التي اشتُقت منها الخلية، علمًا أن مزارع الخلايا والنسج تُعتبر أداة قوية تؤمن مصدرًا غير محدود تقريبًا لمواد الاختبار حتى يتسنى للباحثين توظيفها دون اللجوء لاستخدام متعضيات بأكملها.

علاوة على ذلك، تسمح الشروط المضبوطة في المزارع الخلوية والنسيجية للباحثين بإجراء تجارب بعدد أقل من المتغيرات التي قد تؤثر على نتائج الاختبار، وبإمكان المزارع الخلوية أن تستخدم خلايا منزوعة مباشرةً من كائن حي ما (مزرعة أولية)، أو خطوطًا من الخلايا السرطانية المزروعة، وتتمثل فائدة المقاربة الأخيرة في استمرار الخلايا السرطانية بالانقسام، على عكس المزارع الأولية التي تتوقف عن الانقسام بعد عدد من الدورات.

● الفحص المجهري:

يُعد الأداة الأساسية في علم الأحياء الخلوي ، وقد سمحت التطورات الحديثة في تقنيات التصوير بكميات غير مسبوقة من المعلومات التي تمكن جمعها من التحليل المجهري، وتتضمن أنماط الفحص المجهري المُستخدمة:

← الفحص المجهري بالساحة الساطعة (Brightfield microscopy) – هو النمط التقليدي من هذا الفحص، إذ تُضاء الخلايا بالضوء المرئي، ويُعطي هذا النمط صورة عامة عن الوظيفة الخلوية، رغم أن هذه المعلومات لا تكون مفصلة أو محددة كثيرًا، ولكون الخلية الحيوانية لا تمتلك جدارًا، يمكن للفحص المجهري بالساحة الساطعة أن يستخدم تقنيات خاصة، مثل تباين الأطوار، لإظهار البنى الخلوية بتفصيل أكبر، كذلك يتيح هذا النمط من الفحص المجهري تصوير الخلايا والنسج الحية أو المثبتة (الميتة).

← الفحص المجهري الإلكتروني – يستخدم إشعاعًا مركزًا من الإلكترونات عوضًا عن الضوء، ويسمح بتكبير أعلى بكثير للعينات من المجهر الضوئي، ويفيد في الحصول على معلومات مفصلة حول البنى دوين الخلوية. يتطلب هذا النمط من الفحص المجهري معالجة شاملة، وبالتالي لا يمكن تطبيقه إلا على العينات الثابتة، ويؤمن الفحص المجهري الإلكتروني الانتقالي مقطعًا عرضيًا للعينة، بينما يعطي الفحص المجهري الإلكتروني الماسح صورة ثلاثية الأبعاد لسطح العينة.

← الفحص المجهري التألقي – يستخدم مواد متألقة لتشير إلى بنى العينة، ويطرأ التألق عندما يثير ضوء بطول موجة معين مادة ما ويجعلها تُصدر ضوءًا بطول موجة مختلف، وتُصدر معظم المواد المتألقة ضوءًا مرئيًا بعد إثارتها بالأشعة فوق البنفسجية، علمًا أن البنى ربما تكون متألقة بشكل طبيعي (ذاتية التألق)، أو قد توسم بمركب تألقي؛ فمثلًا تُعتبر المادة المُسماة (دابي-DAPI) صباغًا يرتبط بال DNA، فيُصدر كل من الـ DNA ونوى الخلايا الملطخة بهذه المادة ضوءًا أزرق تحت الأشعة فوق البنفسجية.

← التألق المناعي – الأجسام المضادة هي بروتينات يصنعها الجهاز المناعي، ترتبط بأجزاء معينة من بروتينات أخرى، ويمكن أن تنشأ ضد أي بروتين في الخلية، فإذا رُبط جسم مضاد بواسم تألقي، سيظهر هذا الواسم في موقع ارتباط ذاك الضد فقط (أي حيث يوجد البروتين الهدف في الخلية)، ويسمح التألق المناعي بتهديف نوعي جدًا للبنى الخلوية.

← تداخل الحمض النووي الريبوزي (RNAi) – يستخدم تتاليات قصيرة من الـ(RNA) المتممة لـ(RNA) المرسال الذي يحمل التعليمات من الـ(DNA) للريبوزومات لتترجمها إلى بروتينات، فيرتبط تداخل الـ RNA (المتمم) مع التتالي المُستهدَف (الـ RNA المرسال)، مانعًا ترجمته. نتيجة لذلك، يمكن الاستفادة من الاختيار الحذر لهذا الجزيء لإسكات مورثة (جين) معينة، ما يتيح للباحثين دراسة الأدوار التي يلعبها البروتين في الخلية، من خلال مراقبة ما يتغير عند غيابه.

← التصوير المجهري المتباطئ – تطرأ العديد من العمليات الخلوية (مثل الانقسام الخيطي) على مدى فترة زمنية غير عملية للمراقبة المباشرة، فيتيح تصوير الخلايا طوال فترة زمنية معينة (كالتقاط صورة كل 20 دقيقة على مدى 24 ساعة) جمع هذه الصور في فيلم يضغط فترة زمنية طويلة فيجعلها أقصر.

اقرأ أيضًا:

إعداد: سارة وقاف

تدقيق: نغم رابي

مصدر 1

مصدر 2