تطلب الأمر أحد أقوى أنواع الليزر على سطح الأرض ومع ذلك استطاع العلماء القيام به! فقد أكدوا وجود الجليد فائق التأين superionic الذي يستطيع البقاء في الحالة الصلبة ضمن درجة حرارة تصل لآلاف الدرجات. من الممكن وجود هذا الشكل الغريب والشاذ من الجليد بسبب الضغط الهائل، ويمكن لنتائج التجربة إلقاء الضوء على البنية الداخلية لكواكب جليدية عملاقة مثل أورانوس ونبتون.

تختلف درجة غليان وتجمد الماء قليلًا على سطح الأرض، فيغلي عند درجة حرارة مرتفعة ويتجمد عند البرودة. لكن كلا هاتين الحالتين تخضعان للضغط (لذلك تكون درجة غليان الماء أقل في الأماكن الأكثر ارتفاعًا).

في فراغ الفضاء، لا يمكن للماء الوجود في الحالة السائلة، فهو يغلي حالًا ويتبخر حتى في درجة حرارة (-270 سيلزيوس) -معدل درجة حرارة الكون- قبل التحول مباشرة إلى بلورات الجليد (desublimation). هناك نظريات تقول إن العكس يحدث في البيئات ذات الضغط العالي جدًا، إذ يصبح الماء صلبًا حتى في درجات حرارة عالية للغاية.

لاحظ علماء في مختبر لورانس ليفرمور الوطني هذا بشكل مباشر مؤخرًا، وذلك في ورقة مفصلة في العام السابق. فقد أنتجوا (جليد 7 – Ice VII)، وهو الشكل البلوري للجليد بضغط أكبر بـ 30000 مرة من الضغط الجوي للأرض (3 غيغاباسكال) وعرضوه لأشعة الليزر.

إنتاج شكل غريب من "الجليد فائق التأين" حرارته نصف درجة حرارة الشمس استخدام الليزر في صناعة الجليد فائق التأين الضغط والحرارة

كان للجليد الناتج تدفق موصل من الأيونات بدلًا من الإلكترونات، ولهذا سُمي (جليدًا فائق التأين – superionic ice). وقد أكدوا ذلك بتجارب لاحقة واقترحوا تسمية الشكل الجديد (جليد 8 – Ice VIII).

تمكن الفريق في التجربة السابقة من مشاهدة خصائص عامة فقط مثل الطاقة والحرارة، وبقيت التفاصيل الدقيقة للهيكل الداخلي بعيدة المنال، لذلك صمم تجربة باستخدام نبضات الليزر وانحراف الأشعة السينية (أشعة X) للكشف عن بنية الجليد البلورية.

تقول الفيزيائية فيدريكا كوباري من LLNL: «نريد تحديد الهيكل الذري للماء فائق التأين، لكن مع وجود هذه الظروف الصارمة التي نتوقع أن تكون هذه المادة الشاذة فيها مستقرة، كان ضغط الماء لدرجات ضغط وحرارة كهذه وأخذ لقطات للتركيب الذري في نفس الوقت مهمة صعبة للغاية، الأمر الذي تطلب تصميمًا تجريبيًا مبتكرًا».

لنتحدث عن ذلك التصميم: أولًا، توضع طبقة رقيقة بين (سندانين – anvils) من الماس، بعدها تُستخدم ستة من أشعة الليزر العملاقة لتوليد سلسلة من الصدمات بشدة ترفع تدريجيًا ضغط الماء من 100 – 400 غيغاباسكال أو 1 ـ 4 مليون مرة من الضغط الجوي للأرض. في نفس الوقت، تنتج حرارة بين 1650 و2760 سيلزيوس (تبلغ درجة حرارة سطح الشمس 5505 سيلزيوس).

صُممت هذه التجربة لكي يتجمد الماء عند ضغطه، لكن بما أنه لا يمكننا الحفاظ على ظروف الضغط والحرارة تلك إلا لجزء من الثانية، لم يكن الفيزيائيون واثقين من أن بلورات الجليد ستتشكل وتنمو. لذلك استخدموا الليزر لتفجير قطعة صغيرة من رقائق الحديد بواسطة 16 نبضة أخرى، ما أنتج موجة من البلازما تولد ومضة من الأشعة السينية في الوقت المناسب بالضبط. تشتّتت هذه الومضات من داخل البلورات مظهرةً أن الماء المضغوط كان بالفعل مجمدًا ومستقرًا.

قالت كوباري: «أنماط انحراف الأشعة السينية التي قسناها دليل واضح على تشكل بلورات جليد كثيفة خلال ضغط الموجات الصادمة الفائق السرعة، ما أظهر أن تنوّي الجليد الصلب من الماء السائل سريع بما يكفي ليلاحظ بمقياس زمن التجربة (النانوثانية)». أظهرت الأشعة السينية هيكلًا بنائيًا لم يُرَ من قبل، بلورات مكعبة مع ذرات أكسجين في كل زاوية، وذرة أكسجين في مركز كل وجه.

قال الفيزيائي ماريوس ميلوت من LLNL: «يحضر إيجاد دليل مباشر على وجود أكسجين بلوري البنية آخر قطعة مفقودة للغز بما يتعلق بوجود جليد الماء فائق التأين، وهذا يعطي قوة إضافية للدليل على وجود الجليد فائق التأين الذي جمعناه في السنة الماضية».

تكشف النتائج عن مفتاح لحل لغز كيفية امتلاك نيبتون وأورانوس مجالًا مغناطيسيًا غريبًا مائلًا بزوايا غريبة (شاذة)، ومع خط استواء لا يطوق الكوكب.

اعتُقد في السابق أن هذه الكواكب تحوي محيطًا سائلًا من الماء الأيوني والأمونيا بدلًا من (الوشاح – mantle). لكن، أظهر بحث الفريق أن لهذه الكواكب وشاحًا صلبًا مثل الأرض، لكنه يتكون من الجليد فائق التأين ساخن بدلًا من الصخور الساخنة، وبسبب كون الجليد فائق التأين موصلًا جيدًا، قد يكون له تأثير على الحقل المغناطيسي للكواكب.

أضاف ميلوت: «بما أن جليد الماء في الظروف الداخلية لأورانوس ونيبتون لديه هيكل بنائي بلوري، فنحن نناقش أن الجليد فائق التأين يجب ألا يتدفق كسائل مثل الحديد المائع في نواة الأرض الخارجية، بل بالأحرى من الأفضل تصور الجليد فائق التأين متدفقًا مثل وشاح الأرض الذي يتكون من صخر صلب.

ومع ذلك يتدفق ويدعم حركات الحمل الحراري الضخمة على مدار مقاييس زمنية جيولوجية طويلة جدًا. وقد يؤثر ذلك بشكل كبير على فهمنا للهيكل الداخلي وتطور الكواكب الجليدية العملاقة، إضافة إلى أقربائها الكثر خارج المجموعة». نُشر هذا البحث في Nature.

اقرأ أيضًا:

دراسة تفترض وجود حياة على كوكب السهم ب الجليدي

أنواع البنى الجليدية

ترجمة: محمد دهامشة

تدقيق: مينا خلف

المصدر