عند قولنا تقنية بلوكتشين سلسلة الكتل(Blockchain) فإننا لا نعني بهذا المعنى الحرفي لها ولا نعني أنها سلسلة مترابطة لمجموعة من المكعبات (الكتل)، فنحن في الحقيقة نتحدث عن معلومات رقمية (يُطلق عليها الكتل) محفوظة في قاعدة بيانات عامة (يُطلق عليها السلسلة). تتكون الكتل في تقنية سلسلة الكتل من مجموعات من المعلومات الرقمية. ولمعرفتها بالتفصيل فإنها تنقسم إلى ثلاث مجموعات:

  1. كتل مخصصة لحفظ معلومات حول التعاملات مثل التاريخ والوقت والمبلغ بالدولار لعملية شراء من موقع أمازون. (ملاحظة: هذا المثال مخصص للتوضيح؛ إذ لا تعمل أمازون على تقنية سلسلة الكتل).
  2.  كتل مخصصة لحفظ معلومات عن هوية المشارك في التعاملات.
  3.  كتل مخصصة لحفظ معلومات لتمييز كتلة عن الأخرى. كما لدى كل واحد منا اسم يتميز به عن الآخر فلدى كل كتلة رمز خاص بها.

بينما تستخدم الكتلة-كما في المثال أعلاه-لتخزين عملية شراء واحدة من أمازون، فإن الواقع مختلف قليلاً، إذ أن سعة الكتلة الواحدة في سلسلة الكتل تصل إلى ميجا بايت.

آلية عمل تقنية سلسلة الكتل

عند إضافة كتلة جديدة إلى سلسلة الكتل، فإنها تمر بأربع مراحل:

  1.  بدء التعاملات.
  2.  التحقق من التعاملات، وفي تقنية سلسلة الكتل تقوم أجهزة الحاسوب في الشبكة بهذه الخطوة.
  3.  بعد الاجتياز من المرحلة الثانية، تُخزن تلك التعاملات في كتلة.
  4.  يتم تحديد رمز سري خاص بتلك الكتلة، وبهذا يكون قد أضيف الكتلة إلى سلسلة الكتل.

بعد إضافة الكتلة فإنها تصبح متاحة للجميع بما فيهم أنت. ولو ألقيت نظرة على (البيتكوين) فأنك ستجد أنه يمكنك الوصول للعديد من بيانات التعاملات، كالوقت وارتفاع الكتلة ومن أضافها.

هل تحافظ بلوكتشين سلسلة الكتل على سرية البيانات؟

يستطيع أي شخص الاطلاع على محتويات التقنية، وكذلك يستطيع المستخدمون ربط اتصال حواسيبهم الشخصية إلى شبكة تقنية سلسلة الكتل.

فعند ربط الحاسوب بشبكة تقنية بلوكتشين سلسلة الكتل، سيحتفظ الحاسوب بنسخة من الملفات والتي ستتحدث باستمرار في كل مرة تضاف فيها كتل بيانات جديدة. ببساطة، الأمر يشبه التحديث المستمر للأخبار التي تصلك على الفيسبوك.

كل جهاز في شبكة تقنية بلوكتشين سلسلة الكُتل له نسخة من الملفات والتي يقدر عددها بالآلاف، أما بالنسبة للبيتكوين فتقدر عدد الملفات بالملايين. على الرغم من تطابق نسخ الملفات على جميع الأجهزة، فعند نشر معلومة على هذه الشبكة فإن عملية معالجتها ليست بالأمر السهل. فيصعب على أي متسلل لهذه الشبكة اختراقها لأنه سيحتاج إلى التلاعب بكل النسخ على أجهزة الشبكة.

ومع هذا، فعند إلقاء نظرة على سلسلة الكُتل للبيتكوين، فإنك ستلاحظ عدم قدرتك على الوصول إلى المعلومات التي تتعلق بتعاملات المستخدمين. بالرغم من أن التعاملات على شبكة تقنية سلسلة الكتل ليست مجهولة المصدر تمامًا، فيمكنك معرفة معلومات محددة للمستخدمين والتي تنحصر في اسم المستخدم والتوقيع الإلكتروني له.

هنا يستوقفنا سؤال مهم: إذا لم نستطع معرفة هوية الأشخاص الذين يقومون بإضافة كتل البيانات على هذه الشبكة، فكيف يمكننا الوثوق بهذه الشبكة أو بالأجهزة الموجودة ضمنها؟

هل تقنية بلوكتشين سلسلة الكتل آمنة؟

إن تقنيةبلوكتشين سلسلة الكُتل آمنة وموثوق بها من جوانب عديدة. أولًا، يتم تخزين المعلومات خطيًا. وبهذا تضاف أي كتلة جديدة إلى نهاية آخر كتلة مضافة. وإن ألقينا النظر على سلسلة الكتل، فإننا سنلاحظ مكانًا ما في السلسلة يعرف بـ (الارتفاع). وفي شباط عام 2019، وصل ارتفاع الكتل إلى 562000.

بعد إضافة الكتلة إلى نهاية السلسلة، تصعب العودة إلى الوراء وتغيير مكونات الكتلة. وذلك لأن كل كتلة لها رمز سري خاص بها. تولد الرموز السرية بواسطة دالة رياضية تقوم بتحويل المعلومات الإلكترونية إلى سلسلة من الأرقام والحروف. فإذا تغيرت تلك المعلومات بأي طريقة كانت فإن ذلك يؤدي إلى تغير الرمز السري.

وبهذا تكون تقنية سلسلة الكتل أو بلوكتشين آمنة. عند محاولة المتسلل تغيير معلومات تعاملك على موقع أمازون ليترتب عليك دفع ثمن الشراء مرتين مثلًا، وتغيير المبلغ الواجب دفعه، فإن ذلك يؤدي إلى تغيير الرمز السري لهذه الكتلة. بينما تبقى الكتلة التي تليها محتفظة بالرقم السري القديم، لذلك يجب على المتسلل تغيير كل أرقام الكتل لذلك المسار.

ولتغيير معلومات كتلة واحدة، فإنه يجب على المتسلل تغيير معلومات الكتل التي تليها. وهذا يتطلب جهدًا كبيرًا. بمعنى آخر، عند إضافة كتلة جديدة إلى السلسلة فأنه سيصبح من الصعب تعديل معلوماتها أو حذفها.

أما بالنسبة للثقة، فإن الإجراء المتبع لأي جهاز يريد الانضمام إلى السلسلة هو اجتياز الاختبار. إذ يترتب على أي جهاز إثبات هويته قبل الانضمام إلى السلسلة. أحد الاختبارات المشهورة للبيتكوين هو الاختبار المعروف بإثبات العمل.

في هذا الاختبار، يجب على جهاز الحاسوب حل مسألة رياضية معقدة. وإذا استطاع جهاز الحاسوب حل تلك المسألة الرياضية فإنه سيصبح مؤهلًا إلى إضافة كتلٍ إلى شبكة سلسلة الكتل.

وتعرف عملية إضافة كتلة في عالم التشفير بالتعدين، وفي الواقع هي ليست بالأمر اليسير. وإن احتمالات حل إحدى المسائل على شبكة بيتكوين كانت حوالي 1 من 5.8 تريليون في فبراير 2019. مثل تلك المسائل الرياضية تتطلب من جهاز الحاسوب جهدًا وإمكانية كبيرة.

ببساطة فإن اختبار إثبات العمل لا يجعل هجمات المتسللين بالأمر المستحيل، لكنه لا يعود عليه بالفائدة. إذ أن إمكانية حدوث هذا هو 1 من 5.8 تريليون. وبالتأكيد فإن تكلفة ذلك الهجوم لاجتياز مثل هذا النظام أكبر بكثير من الفائدة التي ستعود منه.

سلسلة الكتل مقارنة بالبيتكوين

إن الغاية من سلسلة الكُتل هو السماح بتسجيل المعلومات الرقمية وتوزيعها، وليس تحريرها. ولفهم هذا ببساطة علينا تسليط الضوء على أول تطبيق عملي لتقنية سلسلة الكتل.

ظهرت تقنية سلسلة الكُتل لأول مرة في عام 1991 من قبل كل من الباحثين ستيوارت هابر ( Stuart Haber) وسكوت ستورنيتا (Scott Stornetta) اللذين أنتجا هذه التقنية من أجل نظام يمنع العبث بالتوقيت الزمني للوثائق. وبعد عقدين، وفي عام 2009 أطلقت عملة البيتكوين وهي أول تطبيق عملي لتقنية سلسلة الكتل.

صمم بروتوكول البيتكوين على تقنية سلسلة الكتل. أشار ساتوشي ناكاموتو ( Satoshi Nakamoto) مصمم عملة البيتكوين -في ورقة بحثية مقدمة عن العملة الرقمية- إلى أنه: «نظام نقدي إلكتروني جديد بالكامل من طرف إلى طرف آخر، مع عدم وجود طرف ثالث موثوق به».

التطبيقات العملية لتقنية سلسلة الكتل

إن هذه التقنية لها فوائد أخرى بالإضافة إلى التعاملات المالية، إذ أنها تقنية موثوقة لحفظ البيانات.

المجال الطبي

إذ يمكن الاستفادة من تقنية بلوكتشين سلسلة الكتل لحفظ الملفات الطبية لجميع المرضى وبأمان. فعند إنشاء الملف الطبيعي، يكتب حسب شفرة تقنية سلسلة الكتل، وبهذا سيضمن المرضى عدم إمكانية تغيير معلومات ملفاتهم. كما أن هذه الملفات تشفر بمفتاح خاص، ليتم الاطلاع عليها من قبل عدد من الأفراد وبهذا يحافظ على الخصوصية.

التصويت

عند استخدام تقنية بلوكتشين سلسلة الكتل في عملية التصويت فإن ذلك يقضي على عمليات تزوير الانتخابات. يتم حفظ كل صوت على هيئة كتلة في السلسلة، وذلك يمنع العبث بالنتائج. وكذلك فإن هذه التقنية تقلل من عدد الموظفين، وتزودنا بالنتائج الفورية.

فوائد ومضار تقنية بلوكتشين

الإيجابيات

  • تحسين الدقة لعدم تدخل الإنسان في التحقيق
  • تقليل التكلفة وذلك بسبب عدم الحاجة إلى التحقق من وجود طرف ثالث
  • يصعب التلاعب بمعلوماتها بسبب مبدأ اللامركزية
  • يمكن الوثوق بتعاملاتها وكذلك فإنها تحافظ على الخصوصية
  • تقنية شفافة

السلبيات

  • تكلفتها من ناحية تعدين البيتكوين
  • قلة عدد التعاملات في الثانية الواحدة
  • إمكانية استخدامها في نشاطات غير قانونية
  • إمكانية التعرض للاختراق

مستقبل تقنية بلوكتشين

بعد مرور 27 عام على اختراعها، فإن تقنية بلوكتشين سلسلة الكتل قد صنعت أخيرًا اسمًا لنفسها بسبب عملة البيتكوين والعملات المشفرة. واليوم أصبحت اسمًا مهمًا على ألسنة المستثمرين، وهي تجعل المعاملات التجارية والحكومية أكثر أمنًا ودقة.

ومع استعدادها لدخولها إلى العقد الثالث من عمرها، فالسؤال ليس هل ستلحق الشركات القديمة بتقنية بلوكتشين، بل متى؟

اقرأ أيضًا:

الحلقة الثالثة من سلسلة ” فهم العلم ” كيف يعتمد العلم على الادلة و ما هي علاقته مع المجتمع العلمي ؟

الحلقة الثالثة عشر من سلسلة “فهم العلم” في صلب العلم

ترجمة: إسراء حيدر هاشم

تدقيق: سلمى توفيق

المصدر