لا يستطيع العالم تجنب الآثار السلبية التي يلقيها التغير المناخي من دون إجراء تغييرات حقيقية في طريقتنا لزراعة المحاصيل وتربية الماشية وإدارة الغابات، وفقًا لدراسة بارزة قدمها مجموعة من العلماء من جنسيات مختلفة.

أشار التقرير الشامل الذي نشرته اللجنة الدولية للتغيرات المناخية التابعة للأمم المتحدة (IPCC) إلى كيفية تأثير استخدامنا للأراضي حول العالم على الاحترار الحادث في الغلاف الجوي، وأوضح التقرير بالتفصيل كيف أن التغير المناخي يمثل تهديدًا حقيقيًا لموارد الإنسان الغذائية والمائية عن طريق تحويل الأراضي الصالحة للزراعة إلى أراضٍ صحراوية وتدهور التربة وزيادة تهديدات الجفاف والفيضانات وغيرهما من أشكال المناخ المتطرف التي قد تسبب دمار المحاصيل الزراعية.

من المعروف بوضوح أن محطات توليد الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري وعوادم السيارات هي المحرك الأساسي للتغير المناخي، ولكن أنشطة مثل الزراعة وإدارة الغابات تساهم بما يقارب 23% من إجمالي الغازات الدفيئة المنبعثة بسبب الإنسان.

«نحن بالفعل نعرف أن إفراط البشرية في استغلال الأراضي بكوكبنا هو المحرك الأساسي أمام التغير المناخي ، ونحن بحاجة لاتخاذ خطوات عاجلة وطموحة للتعامل مع هذه القضايا»، وفقًا لما صرحت به جينيفير تابولا، مديرة استراتيجية المناخ العالمي في منظمة الحفاظ على الطبيعة. وتابعت قائلةً: «علينا الاختيار: هل نوازن بين حاجتنا لتطور الإنسانية والطبيعة، أم نسير في غفلة نحو مستقبل حيث تناقص الأراضي الزراعية وتدهور التربة وانهيار النظم البيئية وتناقص مصادر الغذاء؟«.

منذ أربعة أعوام، اتفق زعماء العالم في باريس على اتخاذ إجراءات صارمة لإبقاء معدلات الاحترار العالمي أقل من درجتين مئويتين مقارنةً بمستويات ما قبل الصناعة.

كان طموحهم إيقاف حد الاحترار بما لا يزيد عن 1.5 درجة مئوية (ازدادت حرارة العالم بالفعل بمعدل درجة واحدة مئوية)، ولكن التقرير المشار إليه والذي يشمل عمل 107 خبراء من 52 دولةً يؤكد أن الوصول لهذه الأهداف سيتطلب تغييرات جذريةً لا في قطاعات النقل والطاقة فقط، بل أيضًا تقليص الانبعاثات الناتجة من الزراعة وإزالة الغابات، وفي نفس الوقت إطعام السكان الذين يستمر تعدادهم في الزيادة.

في الخريف الماضي، وجد علماء اللجنة الدولية للتغيرات المناخية أن الدول بحاجة لاتخاذ إجراءات غير مسبوقة للحد من انبعاثات الكربون خلال العقد القادم لتجنب الآثار المدمرة الناتجة عن ارتفاع منسوب مياه البحر والعواصف الأكثر حدة والمزيد من الآثار الناجمة عن التغير المناخي، وأشاروا أيضًا إلى أن هذا التحول الجذري سيتطلب تحويل مساحات شاسعة من الأراضي المستخدمة في إنتاج الغذاء واستبدالها بالأشجار التي تختزن الكربون والمحاصيل المستخدمة في إنتاج الطاقة.

»تلك التحولات الضخمة تستدعي بالضرورة تحديات عميقة من أجل الإدارة المستدامة للمتطلبات المتنوعة على الأرض من تجمعات بشرية وغذاء وإطعام للمواشي والألياف والطاقة الحيوية وتخزين الكربون والتنوع البيولوجي وغيرها من خدمات النظم البيئية«، وفقًا لما ذكره المؤلفون.

هل سنضطر لتغيير منظومتنا الغذائية للحد من التغير المناخي زراعة المحاصيل وتربية الماشية وإدارة الغابات اللجنة الدولية للتغيرات المناخية التابعة للأمم المتحدة

تأتي كمية كبيرة من الانبعاثات الناتجة عن الزراعة من الماشية، خاصة من بطون الماشية، وإضافة إلى ذلك، تبعث التربة الزراعية كميات من النيتروجين تفوق كميات النيتروجين المنبعثة من أي نوع آخر من التربة، ويرجع ذلك إلى الأسمدة والمخصبات والمواد الأخرى التي تُضاف إلى التربة، في الوقت نفسه تسبب إزالة الغابات في الأمازون وإندونيسيا في تقليص قدرة الغابات على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، ولكن حل هذه المشكلات معقد إلى حد كبير.

بينما يساهم تقليل أعداد الماشية في الحد من الانبعاثات بمليارات الأطنان، سيتطلب ذلك تغييرات على نطاق واسع فيما يأكله البشر.

»بعد عقود من الاستهلاك الجائر، على مجتمعنا الانتقال نحو الزراعة الصحية الصديقة للبيئة»، وفقًا لما صرح به رييس تيرادوReyes Tirado، الباحث الكبير في العلوم بمعامل غرينبيس البحثية والتي يوجد مقرها بجامعة إكستر University of Exeter.

وأورد قائلًا: «لن يكون ذلك سهلًا، ولكنه ضروري إذا أردنا إزالة الدمار الذي يحدثه نظامنا الغذائي الحالي على النظم البيئية والتغير المناخي والمجتمعات حول العالم».

في الوقت ذاته ستساعد زراعة غابات ضخمة جديدة، أو ما يعرف بالتشجير، في التخلص من كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي كل عام، ولكن القيام بذلك على نطاق واسع قد يساهم في ارتفاع أسعار الغذاء ووضع ملايين البشر تحت تهديد نقص التغذية، وفقًا لما ذكرته باميلا مكيلوي Pamela McElwee، الأستاذة المساعدة في علم البيئة البشرية بجامعة روتجرز Rutgers والكاتبة الرئيسية للتقرير.

«لذا فنحن أمام مقايضة حرجة للغاية«، كما أخبرت مكيلوي المراسلين، »واحدة من نقاشاتنا هي: هيا نفهم هذه المقايضات الآن ونفكر فيها، ولكن أيضًا علينا أن نفكر في الأشياء التي قد تجنبنا هذه المقايضات«.

إذا كانت هناك بارقة أمل في هذا التحدي العويص، فهي تكمن في حقيقة أن الغابات والمزارع تلعب دورًا محوريًا باعتبارها مصارف للكربون تتخلص من الغازات الدفيئة في غلافنا الجوي، ولكن هذه الفائدة ستستمر فقط إذا تمكن الإنسان من استخدام الأراضي بطرق مستدامة.

»مع استمرارنا في ضخ المزيد والمزيد من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، يستجيب نظام كوكب الأرض ويستمر في امتصاص المزيد والمزيد«، كما أبلغ السيد لويس فيركوت Louis Verchot المراسلين، وهو كاتب أساسي للتقرير ويعمل بالمركز الدولي للزراعة الاستوائية.
»ولكن النتيجة الهامة لهذا التقرير كما أظن هي أن عطاء الطبيعة محدود ولن يستمر إلى الأبد«.

وإذا وقفنا مكتوفي الأيدي سيتسبب التغير المناخي في تهديد الأمن الغذائي في مناطق كثيرة من العالم، ووضع المزيد من الضغط على نظامنا الغذائي المضغوط بالفعل وفقًا لما توصل إليه التقرير، وقد تتقلص عائدات المحاصيل وتصبح أغذية مثل القمح أقل في القيمة الغذائية، بالإضافة إلى تعريض البنية التحتية للخطر نتيجة لذوبان الجليد السرمدي، وسيصبح شح المياه مشكلة ملحة خاصة في المناطق الجافة.

»تقرير اليوم هو نداء واضح يؤكد مدى حاجتنا لإدارة الأراضي بشكل أفضل للبشر والطبيعة والمناخ«، وفقًا لكاثرين كرامر Katherine Kramer، مسؤولة المناخ العالمي بمؤسسة الإغاثة المسيحية التي يقع مقرها في لندن.

»هناك العديد من الفرص لخلق مكاسب في الطرق التي نستغل بها الأراضي، ولكن من الضروري أن ننفذها بأسرع وقت حتى لا نضطر للوقوع في الاختيار بين إطعام البشر وتقليل الانبعاثات«.

اقرأ أيضًا:

نظرية جديدة تقترح وجود علاقة بين التغير المناخي وعدوى من الفطريات القاتلة

خمس عشرة كارثة طقسية على الأقل في العام الماضي ناتجة على الأرجح عن التغير المناخي

ترجمة: شريف فضل

تدقيق: علي قاسم

مراجعة: اسماعيل اليازجي

المصدر