كيف تتكون الثقوب السوداء؟ لدى علماء الفيزياء الفلكية نظريات، ولكننا في الواقع لا نستطيع قطع الشك باليقين. قد يكون السبب انهيارًا هادئًا لنجوم هائلة، أو ربما ولِدت الثقوب السوداء في انفجارات المستعرات العظمى الجبارة. تشير عمليات رصد جديدة الآن إلى أنها قد تكون تلك الأخيرة بالفعل.

في الحقيقة، يشير البحث إلى أن تلك الانفجارات قوية للغاية، لدرجة أنها تستطيع دفع الثقوب السوداء عبر المجرة بسرعات تزيد عن 70 كيلومترًا في الثانية.

قالت عالمة الفلك بيكي أتري – Pikky Atri من جامعة كورتن – Curtin University والمركز الدولي لأبحاث علم الفلك الراديوي International Centre for Radio Astronomy Research ICRAR لـ ScienceAlert: «يتمحور هذا العمل مبدئيًّا حول الدليل الرصدي الأول الذي يفيد بأنه يمكنك في الواقع رؤية الثقوب السوداء وهي تتحرك بسرعات عالية في المجرة وربط ذلك بالدفعة التي تلقاها نظام الثقب الأسود عند ولادته».

ويعني هذا أنه من المحتمل أن هناك ملايين الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية تتحرك بسرعة عالية نحو المجرة. الورقة البحثية متوفرة حاليًا وقد قُبلت في مجلة الإشعارات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية. استندت الدراسة إلى 16 ثقبًا أسود ضمن الأنظمة الثنائية binary systems.

ربما تقترب ملايين الثقوب السوداء بسرعة كبيرة من درب التبانة انفجارات المستعرات العظمى الجبارة ولادة الثقوب السوداء انهيار النجوم

إذا لم تكن الثقوب السوداء تتغذى بنشاط، فلا يمكننا العثور عليها؛ لأنه لا يوجد إشعاع كهرومغناطيسي قابل للاكتشاف يمكنه أن يفلت من جاذبيتها، ولكن إذا كانت ضمن زوج ثنائي يتغذى بنشاط على النجم الآخر، فإن المادة التي تحوم حول الثقب الأسود تبعث أشعة سينية وموجات راديو قوية.

بمجرد أن نرى منائر الثقب الأسود، يمكننا أن نرى كيفية تصرف الثقب الأسود.

استخدم الفريق الدولي من الباحثين هذا السلوك لكي يحاولوا إعادة تشكيل تاريخ الثقب الأسود.

وأوضحت أتري: «لقد تتبعنا الكيفية التي كانت تتحرك بها هذه الأنظمة في مجرتنا، ولذا اكتشفنا سرعاتها وعدنا بالزمن خطوات إلى الوراء وحاولنا أن نفهم كيف كانت سرعة ذلك النظام عند الولادة لكل من هذه الأنظمة الستة عشر. بناءً على سرعاتها يمكن معرفة ما إذا كانت قد ولِدت بانفجار مستعر أعظم، أو إذا كانت النجوم قد انهارت مباشرة على نفسها دون انفجار مستعر أعظم».

نحن نعلم أن النجوم النيوترونية يمكن أن تُجرف بعنف عبر الفضاء بسرعات عالية بسبب انفجارات المستعرات العظمى الخاصة بها، ويُسمى هذا ركلة بلاوف – Blaauw kick، أو دفعة الولادة، وتحدث عندما يكون انفجار المستعرات العظمى غير متوازن، ما يؤدي إلى الارتداد.

لم يكن معروفًا إذا ما كانت الثقوب السوداء تتعرض للدفع بنفس الطريقة. ذلك ممكن نظريًا، وقد سبق أن ربطت ثنائيات الأشعة السينية للثقب الأسود في السابق مع دفعات الولادة،وقد حللها البحث الجديد، بالإضافة إلى تسع أخريات بتفصيل أكبر، عن طريق الجمع بين الحركات المناسبة المقاسة والسرعات الشعاعية النظامية والمسافات إلى هذه الأنظمة، لأجل التحليل الأكثر تفصيلًا حتى الآن.

يمكن رؤية حركة أحد هذه الثقوب السوداء وفقًا للحساب الذي أجراه الفريق في الفيديو أدناه.

ووجد الباحثون أن 12 من ثنائيات الأشعة السينية للثقب الأسود الـ 16 كانت تملك بالفعل سرعات هائلة ومسارات تشير إلى حدوث دفعة الولادة. وذلك يعادل 75% من العينة.

إذا تزايد هذا ووصل إلى العشرة ملايين ثقب أسود المتوقعة في درب التبانة، فإن هذا قد يعني وجود حوالي 7.5 مليون ثقب أسود عالي السرعة يترنح هناك، وأن عدد عشرة ملايين هو تقدير منخفض.

تماشيًا مع النظريات السابقة، فإن هذه الثقوب السوداء السريعة أبطأ من النجوم النيوترونية التي تلقت دفعة بحوالي ثلاث أو أربع مرات، وذلك بسبب كتلها المرتفعة.

ومن المثير للاهتمام أنه لا يبدو أن هناك علاقة بين كتلة الثقب الأسود وسرعته، ما يعني أننا لا نعرف بعد إذا كان هناك صلة بين كتلة النجم السلف واحتمال حدوث المستعر الأعظم.

وبالطبع فإن هذا حجم عينة صغيرة نسبيًا من الثقوب السوداء، لكن وفقًا لأتري، فهي خطوة نحو بناء عينة أكبر يمكن أن تساعدنا على فهم كيف تتطور النجوم وتموت وتؤدي إلى تكوّن ثقوب سوداء.

وأضافت: «في نهاية المطاف، كل هذا سيؤول إلى معرفة عدد الثقوب السوداء التي نتوقعها في مجرتنا، وعدد الثقوب السوداء التي ستندمج فعليًّا للحصول على اكتشافات أمواج الجاذبية التي وجدها مرصد ليغو LIGO».

سيواصل الفريق مراقبة السماء بهدف مواصلة تحسين البحث والبناء عليه.

هذه الأنظمة الثنائية ليست دائما ساطعة؛ فهي تأتي وتذهب عابرة؛ لذلك يأمل الباحثون في العثور على المزيد من هذه الأنظمة الثنائية لمواصلة إنشاء تعداد إحصائي للثقوب السوداء في مجرة درب التبانة، سواء كانت مسرعة أم لا.

وإن كنت قلقًا الآن بشأن وجود ثقب أسود يجول في نظامنا الشمسي، فليست هنالك حاجة للإصابة بالذعر حقًّا. وقالت أتري: «نعتقد أن أقرب ثقب أسود لنا يبعد 2 كيلوبارسيك – kiloparsecs عنا، أي ما يعادل 6523 سنة ضوئية».

«إنه بعيد جدًّا جدًّا عنا؛ لذا لا توجد إمكانية بأن يبتلعنا ثقب أسود في أي وقت قريب». قُبلت الورقة البحثية في مجلة الإشعارات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية، ومتوفرة أيضًا في arXiv.

المقالات ذات الصلة:

كيف يمكن الهروب من جاذبية الثقب الأسود ؟

قد نعرف أخيرا كيف تصبح الثقوب السوداء الفائقة ضخمة بشكل لا يصدق

ترجمة: رولان جعفر

تدقيق: صالح عثمان

المصدر