تصيب الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية نحو ثلاثة ملايين شخص في الولايات المتحدة كل عام، وتقتل نحو 35 ألف شخص، ممثِلة بذلك خطرًا أكبر بكثير مما كان يُعتقد سابقًا، وذلك بحسب تقرير صدر الأربعاء 13 نوفمبر 2019 عن مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها Centers for Disease Control and Prevention.

تشير التقديرات إلى أنه وبشكل متوسط، يُصاب شخص كل 11 ثانية بالعدوى بجراثيم مقاومة للمضادات الحيوية في الولايات المتحدة، ويموت شخص كل 15 دقيقة جرّاء ذلك.

تشكّل الجراثيم والفطريات وغيرها من الأحياء الدقيقة التي طوّرت مقاومة للمضادات الحيوية إحدى أهم التحديات التي تواجه الصحة العامة، وتعَد مشكلةً محيّرة للطب الحديث.

حذّر الأطباء والعلماء ومسؤولو الصحة العامة من هذا التهديد عقودًا، ويكشف التقرير الأخير عن أهم الأخطار والاتجاهات المثيرة للقلق والمتعلقة بهذا الموضوع، إذ تُطوّر المزيد من العوامل الممرضة طرقًا جديدةً للتغلب على المضادات الحيوية المُصنّعة لقتلها، وتنتشر هذه الأخماج بشكل واسع خارج المشافي، في حين لم يُكشَف عن أي فئات جديدة من المضادات الحيوية وخلال العقود الثلاثة الماضية.

بيّن التقرير وجود بعض النجاحات، فقد طوّرت المستشفيات أساليبها في تتبع انتشار الجراثيم المقاومة وإبطائها، وازدادت الوفيات الناجمة عن أخماج الجراثيم المقاومة بنسبة 30% فقط منذ عام 2013.

بحسب الخبراء، فإن أي شخص قادر على المساعدة في السيطرة على هذه العوامل الممرضة عبر الوقاية، مثلًا بالحفاظ على نظافة اليدين، واللقاحات، والتعامل مع الأغذية بشكل يضمن النظافة، وممارسة الجنس الآمن.

يتضمن التقرير -إضافة للجراثيم التي طورت مقاومة للأدوية- الإصابات الخطيرة التي ارتبطت مع استخدام المضادات الحيوية، كالإصابة بالمطثية العسيرة (C.diff).

تقرير مهم صدر مؤخرًا يقول إن الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية قتلت عددًا أكبر مما كنا نخشاه - خطر البكتريا والأحياء الدقيقة المقومة للصادات

قد تسبب المضادات الحيوية إسهالًا مميتًا عندما تقتل الجراثيم المفيدة الموجودة في الجهاز الهضمي، والتي تبقيه في الحالات الطبيعية تحت السيطرة، وعندما نضيف الوفيات التي تسببها الجراثيم C.diff إلى عدد الوفيات السنوي الذي تسببه كل هذه العوامل الممرضة سيتجاوز العدد 3 مليون إصابة، و 48 ألف حالة وفاة في الولايات المتحدة.

قدّر مركز السيطرة على الأمراض في تقرير عام 2013 وجود مليوني إصابة سببها الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية ، و23 ألف حالة وفاة ناتجة عنها، ولكن استخدم التقريرُ الجديدُ بيانات لم تكن متوفرة سابقًا بما في ذلك قواعد بيانات الكترونية من أكثر من 700 مستشفى يقدم رعاية للحالات الحادة.

يُقدر مركز السيطرة على الأمراض أن تقرير عام 2013 فوّت نحو نصف الإصابات والوفيات.

قال مايكل كريغ كبير المستشارين في مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها «لقد تحقق الكثير من التقدم، لكن خلاصة القول هي أن مقاومة المضادات الحيوية أسوأ مما كنا نعتقد في السابق».

يفصّل التقرير الخسائر التي يسببها 18 عاملًا ممرضًا للبشر، وقد صُنّفت التهديدات التي تمثلها هذه العوامل على أنها عاجلة خطيرة مثيرة للقلق.

يتمثّل التهديد الأكثر إلحاحًا بخمسة أنواع جراثيم، ثلاثة منها شائعة وهي: المطثيات العسيرة، والسيلان المقاوم للأدوية، والأمعائيات المقاومة للكاربابينيم carbapenem-resistant enterobacteriaceae (CRE) والتي تُعرف أيضًا بأنها الجراثيم الكابوسيّة؛ لأنها تشكل تهديدًا ثلاثيًا.

تقاوم هذه الجراثيم كلّ، أو ما يقارب كلّ المضادات الحيوية، وتقتل نحو نصف المرضى الذين يصل الإنتان إلى مجرى الدم عندهم، وبما أن الجراثيم تستطيع نقل الطفرة التي سببت مقاومتها للمضادات الحيوية إلى جراثيم أخرى، سيجعل هذا الجراثيم الأخرى مقاومة أيضًا.

أُضيفت جرثومتان جديدتان إلى الفئة العاجلة للجراثيم المقاومة منذ تقرير عام 2013 هما الخميرة المقاومة للمضادات التي تدعى المبيضات أوريس، التي أثارت قلق مسؤولي الصحة في جميع أنحاء العالم، والجراثيم الراكدة (جنس من فصيلة النيسيريات) المقاومة للكاربابينيم والتي طوّرت مقاومة لكل المضادات الحيوية تقريبًا.

أضاف مركز السيطرة على الأمراض فئة جديدة، إضافة لفئة العوامل الممرضة الـ 18، هي قائمة من ثلاث جراثيم لمراقبتها؛ لأنها قادرة على نشر مقاومة للمضادات على نطاق واسع، أو لأنها ما تزال غير مفهومة جيدًا في الولايات المتحدة.

تتألف هذه الفئة من فطر مهدد للحياة هو فطر الأسبرجيل فوميجاتوس المقاوم للآزول، والميكوبلازما التناسلية المقاومة للأدوية، والتي تنتقل بالاتصال الجنسي، وبورديتيلا السعال الديكي المقاومة للأدوية، والتي تسبب السعال الديكي المعروف، وتجدر بالذكر إمكانية الوقاية منه بأخذ اللقاح الخاص به.

يبين التقرير وجود اتجاهين مثيرين للقلق هما: تزايد الأعداد المصابة بالجراثيم المقاومة للمضادات خارج المشافي، بما في ذلك السيلان المقاوم، وقدرة الجراثيم التي طوّرت مقاومة للمضادات على نقل هذه الصفة إلى أنواع أخرى من الجراثيم، ما يجعل الجراثيم الأخرى مقاومة للعلاج أيضًا.

تسبب الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية إصابات قاتلة بشكل رئيس لمرضى المستشفيات، ودور رعاية المسنين، والمضعفين مناعيًا، لكن يشمل خطرها أيضًا المرضى الذين خضعوا لجراحة، أو طريقة علاجية غازية كاستبدال مفصل الركبة، وزرع الأعضاء، وعلاجات السرطان.

قالت هيلين باوتشر، رئيسة الأمراض المعدية في مركز تافتس الطبي، الذي يرعى العديد من عمليات زرع الأعضاء الذين يكونون معرضين لهذه الأخماج: «إننا نرى أشخاصاً من الحياة اليومية، صغارًا وأصحاء، يصابون بخمج المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين على جلدهم».

تتطور الجراثيم باستمرار لصد العقاقير المستخدمة لقتلها. وأثناء تحورها، يطور بعضها القدرة على محاربة المضادات الحيوية المختلفة، والبقاء على قيد الحياة لمضاعفة هذه المقاومة ونشرها، وكلما زاد استخدام المضادات الحيوية في دور الرعاية الصحية، أصبحت للأسف أقل فعالية.

قال التقرير إن الإفراط في استخدام المضادات الحيوية هو السبب المحتمل للارتفاع الكبير في الإصابات المقاومة، إذ تشير دراسة أجريت عام 2016 إلى أن ثلث المضادات الحيوية الموصوفة في مكاتب الأطباء وغرف الطوارئ والعيادات الموجودة في المستشفيات في الولايات المتحدة ليست ضرورية، ووُصف معظمهم للحالات التي لا تستجيب للمضادات الحيوية، مثل نزلات البرد.

من بين نتائج التقرير الأخرى:

  •  بالنسبة للعدوى بمرض السيلان المقاوم للأدوية، تحدث أكثر من نصف مليون إصابة من هذا النوع كل عام، أي ضعف ما أُبلغ عنه في عام 2013.
  •  يمكن أن تكون هذه الزيادة نتيجة غير مقصودة لنجاح فعالية الأدوية المانعة للحمل، ما جعل الناس أقل يقظة بشأن استخدام الواقي الذكري.

اقرأ أيضًا:

دودة تحوي مضاد حيوي قد يساعدنا في حربنا ضد الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية

السيلان: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

ترجمة: ولاء سليمان

تدقيق: علي قاسم

مراجعة: تسنيم الطيبي

المصدر