حتى هذا الوقت، كان من الصعب تصنيف الفايروسات على شجرة الحياة. وفي تقريرها الأخير، إعترفت هيئة تصنيف الفايروسات الدولية بــ 7 رتب Order فايروسات مستندة في التصنيف على 3 نواحي رئيسية: على شكلها وحجمها، وعلى البناء الجيني، وعلى طريقة تكاثرها.

وباعتماد هذه الطريقة بالتصنيف، يرجح أن تكون عائلات (فصائل families) الفايروسات المنتمية الى نفس الرتبة Order تشعبت من سلف فيروسي مشترك. وبالرغم من ذلك، فقد تم تنسيب 26 عائلة family الى رتبها فقط، من أصل 104 عائلة معروفة، وتبقى العلاقة التطورية لمعظم هذه العائلات الفيروسية غير واضحة ولم يجري تصنيفها الى رتب بعد.

إن جزء من الإلتباس وعدم الوضوح في التصنيف ينبع من كثرة تنوع الفايروسات. فحتى الآن، تم تحديد وتصنيف أقل من 4900 نوع فيروس (مفتاح التصنيف: كل رتبة تحوي مجموعة من العائلات، وكل عائلة تحتوي على مجموعة كبيرة من الاجناس، وكل جنس يحتوي على مجموعة كبيرة من الانواع)، ومع انه تم ترتيب كل تلك الاعداد من انواع الفايروسات تسلسليا، إلا أن العلماء يعتقدون انه هناك ما يزيد عن مليون نوع Species فايروسي آخر لم يكتشف بعد.

إن العديد من الفايروسات تعتبر صغيرة الحجم، (أصغر حجما من البكتيريا والانواع الخرى من المايكروبات بشكل ملحوظ)، وتحتوي أيضا على حفنة قليلة من الجينات Gene. لكن هناك أنواع أخرى مكتشفة حديثا، كالفايروسات المحاكية للمايكروبات mimiviruses في 2000م، وهي كبيرة الحجم، وتمتلك كودات (محتوى وراثي: جينومات Genomes) أكبر من تلك التي تمتلكها البكتيريا.

الدراسة الجديدة ركزت على “الذخائر” الشاسعة (أي المتنوعة repertoire) للبناء البروتيني الحيوي Protein Structure، المسماة بــ الطيات البروتينية folds والمبرمجة في الكودة (المحتوى الوراثي :الجينومات genomes) لكل الخلايا الحية ولكل الفايروسات على الاطلاق. تلك الطيات البروتينية هي عبارة عن كتل بناء البروتينات ، وهي التي تعطي البروتينات اشكالها المركبة الثلاثية الابعاد. ولذلك، فمن خلال مقارنة بنية الطيات البروتينية الموجودة على الفروع المختلفة من شجرة الحياة (اي الموجودة في الانواع المختلفة من الكائنات الحية)، فإننا نستطيع إعادة بناء جميع السجلات التطورية التاريخية لجميع الطيات البروتينية وبالتالي لجميع الكائنات الحية التي تعمل الكودات الوراثية (الجينومات) على برمجتها (الجينوم او المحتوى الوراثي بالعربية : هو الكودة الوراثية التي تستخدمها الخلايا الحية في الجسم كي تشكل جسم الكائن الحي وتحافظ على بقائه. وهي تشفر أو تبرمج البروتينات، وهي عبارة عن سلسلة مرتبة ومتعاقبة من الشيفرات).

فالباحثون اختاروا تحليل الطيات البروتينية للفيروسات بدلا من تحليل الكودة الوراثية (جينومات الفايروسات)، لأن تلك الأخيرة عرضة للتبدل السريع والدائم: فمعدل التحول المرتفع للكودة الوراثية (الجينومات) يعمل على ابهام واخفاء علامات التطور القديمة. فلذلك، تـُـعتمد طيات البروتين في التحليل فهي أفضل الدلالات وتستخدم كعلامات على الاحداث القديمة التي تطورت، لأنه بنيتها الثلاثية الابعاد يمكنها أن تبقى على شكلها، حتى عندما تبدأ سلسلة الكودة الوراثية (الجينوم) التي تبرمجها بالتغيُّر.

في زماننا الحالي، تستولي العديد من الفايروسات، بما فيها المرضية، على ميكانيكية بناء البروتينات في الخلايا المستضيفة، كي تعمل نسخا من أنفسها حتى تستطيع ان تنتقل هذه النسخ (اي الفايروسات المنسوخة) لاحقا لخلايا أخرى. غالبا ما تـُـولـِـج الفايروسات موادها الجينية في داخل الــ DNA للخلية الحية المستضيفة. وفي الحقيقة، إن بقايا الاختراقات الفايروسية العتيقة هي الآن المزايا الدائمة للكودات الوراثية لأغلب الكائنات الحية الخلوية، ومن بينها الانسان أيضا. فهذه البراعة والخفة التي تمتلكها الفايروسات في تحريك المواد الجينية (الكودات) من مكان الى آخر قد تكون دليلا مهما على دور الفايروسات الأساسي في الحياة، الذي هو “الفايروسات هي الوسيلة الناشرة للتنوع الحيوي على الارض”.

حلل الباحثون كل الطيات البروتينية المعروفة في 5,080 كائن حي يمثلون الكائنات على كل فرع من فروع شجرة الحياة. بما فيها الــ 3,460 نوع فايروس أيضا. وباستخدام الطرق التقنية المعلوماتية الحيوية المتقدمة bioinformatics methods، تمكن الباحثون من تحديد 422 طية بروتين مشتركة بين الخلايا الحية والفايروسات، ووجدوا ان 66 طية منها كانت فريدة وخاصة بالفايروسات وحدها. وهذا يعني أننا نستطيع الآن بناء شجرة حياة، لاننا وجدنا عدد وفير من المزايا في الفايروسات، فهي تمتلك كل الخصائص التي تمتلكها بقية الخلايا الحية من جهة، ولأنها، من جهة أخرى، تمتلك أيضا عناصر فريدة وخاصة بها تضاف الى جانب تلك التي تتشارك بها مع الخلايا الحية الأخرى.

بالحقيقة، لقد كشفت التحليلات النقاب عن كودات جينية (جينومات) موجودة في داخل الفايروسات، وهي مختلفة تماما عن المشاهدات المعروفة الخلايا الحية الأخرى. وهذا يناقض فرضية واحدة سابقة، تلك الفرضية التي تقول ان الفايروسات أصلا كانت قد التقطت كل موادها الجينية من خلايا حية أخرى. فهذه التحليلات الحديثة التي بين أيدينا تضاف الى غيرها من الأدلة التي أصبحت تدعم فكرة أن الفايروسات هي -بحد ذاتها- كائنات ” مبتكرة للحداثة” creators of novelty.

وتمكن العلماء، أيضا، بواسطة الطرق الحسابية وباستخدام المعلومات المتوفرة حول طيات البروتين الموجودة في قواعد البيانات Data Base على شبكة الانترنت، من بناء شجرِ حياةٍ محتوية على الفايروسات. وتبين ان تلك البيانات تقترح أن “الفايروسات قد نشأت من خلايا عتيقة متعددة .. وعاشت بالتوازي في نفس الفترة التي تواجدت فيها أسلاف الخلايا-الحية الحالية ” وأعقب الباحثون : أن هذه الخلايا العتيقة احتوت ، في الغالب، قطعا من RNA الموجودة في كودة الجينوم (الجينوم هو كودة وراثية والكودة الوراثية عبارة عن مجموعة كاملة من DNA المحدد او RNA في بعض الفايروسات).

وتقترح البيانات أيضا، أنه في مرحلة ما من تاريخ الفايروسات التطوري، وليس بعيدا من الفترة التي ظهرت فيها الحياة الخلوية الحديثة الحالية، اكتسبت معظم الفايروسات مقدرتها على تغليف نفسها في أغلفة بروتينية (قفيصات capsids) حمت حمولتها الجينية الوراثية، ومكنتها من قضاء جزءا من دورة حياتها خارج الخلايا المستضفة والتكاثر. وتعتبر تلك الطيات البروتينية، التي تكــِّـون (تشكل) هذه القفيصات capsids، من بين الطيات البروتينية الفريدة والخاصة بالفيروسات عن دونها من الخلايا الحية الأخرى.

وقد أصبحت هذه القفيصات مع مرور الوقت أكثر فاكثر تعقيدا، الى درجة أنها أتاحت المجال أمام الفيروسات كي تصبح معدية حتى للخلايا الحية التي كانت قد قاومتها مسبقا “وهذه هي السمة المميزة للتطفل في علم الأحياء”.

بعض العلماء تجادلوا في أن الفايروسات ليست كيانات حية، بل وقالوا أنها عبارة عن بضعاً من الــ DNA والــ RNA التي ألقتها الخلايا الحية بالسابق (اي أنها بقايا خلايا حية). منطلقين في رأيهم من الحقيقة المعروفة بأن الفايروسات غير قادرة على التكاثر خارج الخلايا الحية المضيفة، وأنها تعتمد على ميكانيكية بناء البروتينات الموجودة في تلك الخلايا حتى تعمل وتتكاثر. لكن الكثير من الادلة تدعم أيضا فكرة ان الفايروسات ليست مختلفة عن الكيانات الحية الاخرى. فمن المعروف أن العديد من تلك الكائنات يلزمها كائنات حية أخرى كي تعيش وتستمر في البقاء، بما فيها البكتيريا التي تعيش في داخل الخلايا الحية أيضاً، وحتى الفطريات التي تنخرط في علاقات تطفلية مُلزمة حتى تبقى على قيد الحياة، فهي أيضا تعتمد على مستضيفيها كي تكمل دورة حياتها .. وهذا بالضبط ما تفعل الفايروسات أيضا.ان اكتشاف الفايروس المحاكي للمايكروب mimivirus العملاق، في مطلع عام 2000م قد تحدى الافكار التقليدية حول طبيعة الفايروسات، فهذه الفايروسات العملاقة لم تكن نفسها فايروسات الإيبولا الدقيقة مثلا، والتي تمتلك فقط 7 جينات. بل هذه فايروسات عملاقة بالحجم وهائلة الذخائر الجينومية (متعددة الكودات) repertoire . وبعضها كبير ويمتلك جينومات (كودات) كبيرة أكبر من البكتيريا الطفيلية.

بعض الفايروسات العملاقة تمتلك أيضا جيناتا للبروتينات التي تلزم للترجمة، تلك العملية التي تقوم فيها الخلايا بقرائة تسلسل الجينات وترتيبها في الــ DNA لكي تبني البروتينات (والجين هو الجزء من الـ DNA الذي يقوم ببرمجة نوع محدد من البروتين وهو الوحدة الاساسية للوراثة في الكائنات الحية، ونحن البشر نمتلك DNA يحتوي على 20 الى 24 ألف جين )..

ولقد أُستُشهِد ذات مرة بفقدان الفايروسات لآلية الترجمة كمبرر لتصنيف الفايروسات على انها ليست كيانات حية. ولكن ذلك لم يعد ذلك مقبولا الآن .. فالفايروسات تستحق مكانا على شجرة الحياة فمن الواضح أنه هناك اكثر بكثيرعن الفايروسات مما كنا نعتقد في يوما من الايام. بقول علماء.

المصدر