ربما سمعنا حديثًا عن الإشعاع النووي في الخيال العلمي أو في الواقع دون أن ندرك ماهيته بالضبط.

قد يكون الإشعاع النووي مفيدًا وقد يكون بالغ الخطورة. يعتمد ذلك على كيفية استخدامه. تستخدم أجهزة الأشعة السينية وبعض أنواع أجهزة التعقيم ومحطات الطاقة النووية الإشعاع النووي ، لكن توجد أيضًا الأسلحة النووية. إن المواد النووية (التي تُصدر إشعاعًا نوويًّا) شائعة نوعًا ووجدت طريقها إلى مفرداتنا العادية بطرق مختلفة، إذ ربما قد سمعت أو استخدمت سابقًا أحد المصطلحات الآتية:

  •  يورانيوم
  •  بلوتونيوم
  •  أشعة ألفا
  •  أشعة بيتا
  •  أشعة غاما
  •  الأشعة السينية
  •  الأشعة الكونية
  •  إشعاع
  •  الطاقة النووية
  •  القنبلة النووية
  •  النفايات النووية
  •  الغبار النووي
  •  الانشطار النووي
  •  القنابل النيوترونية
  •  نصف عمر العنصر
  •  غاز الرادون
  •  كاشفات التأين
  •  الكربون المشع (نظير الكربون).

جميع هذه المصطلحات ترتبط بدرجة أو بأخرى بالعناصر النووية، سواءً كانت طبيعية أم مُصنعة.

ولكن ما هو الإشعاع بالضبط؟ وما سبب خطورته البالغة؟ سنتناول في هذا المقال ماهية الإشعاع النووي بالضبط وتأثيره على حياتنا اليومية.

ما معنى (نووي) nuclear؟

قد يكون التفسير مُطمئنًا نوعًا، فكل المواد مكونة من ذرات، وتترابط الذرات مشكلةً الجزيئات. يتكون جزيء الماء مثلًا من ترابط ذرتي هيدروجين وذرة أوكسجين، وقد درسنا جميعًا تركيب الذرة ونعرفها جيدًا، أي ذرة في الكون هي واحدة من 92 نوعًا من الذرات، وهي نفسها أنواع عناصر.

لذلك فكل مادة على الأرض، كالحديد والبلاستيك والشعر والملابس وأوراق الأشجار والزجاج، إلخ. كلها مؤلفة من تركيبات من الذرات الموجودة في الطبيعة. إن الجدول الدوري للعناصر الذي نراه في صف الكيمياء هو قائمة العناصر الموجودة في الطبيعة إضافةً إلى بعض العناصر من صنع الإنسان.

تحتوي كل ذرة 3 أنواع من الجسيمات دون الذرية: البروتونات والنيوترونات والإلكترونات. ترتبط البروتونات والنيوترونات معًا لتشكيل نواة الذرة، وتدور حولها الإلكترونات. للبروتونات والإلكترونات شحنتان متعاكستان، فيتجاذبان. أما النيوترونات فهي متعادلة ووظيفتها ربط البروتونات ببعضها، إذ إنه لما كانت البروتونات جميعًا موجبة الشحنة، فإنها ستتنافر طبيعيًّا ولن تترابط لتكون النواة، أى أن النيوترونات تمثل مادةً لاصقة تربط البروتونات ببعضها.

كيف يعمل الإشعاع النووي ؟ - أجهزة الأشعة السينية وبعض أنواع أجهزة التعقيم ومحطات الطاقة النووية - القنابل النووية - النيوترونات

يحدد عدد بروتونات النواة سلوك الذرة. مثلًا إذا تجمع 13 بروتونًا مع 14 نيوترونًا ودار حولهم 13 إلكترونًا يصبح لدينا ذرة ألومنيوم، وبتجمع ملايين من ذرات الألومنيوم معًا نحصل على مادة الألومنيوم، التي يُصنع منها عبوات الألومنيوم ورقائق الألومنيوم وغير ذلك.

جميع ما تراه من مادة الألومنيوم في الطبيعة يُسمى ألومنيوم 27. والعدد 27 يدل على رقم كتلة الذرة atomic mass number أي مجموع النيوترونات والبروتونات في الذرة.

إذا أخذت ذرة من الألومنيوم ووضعتها في عبوة، فستبقى على ما هي عليه (ألومنيوم 27) حتى بعد ملايين السنين. لذا يُعَد الألومنيوم 27 ذرةً مستقرة، وكان الاعتقاد السائد قبل 100 عام إن جميع الذرات مستقرة.

يوجد العديد من العناصر في صور مختلفة تسمى النظائر isotopes، مثلًا 70% من النحاس الموجود في الطبيعة يوجد في الصورة المستقرة: النحاس-63، والبقية في صورة النحاس-65، كلاهما يحتوي 29 بروتونًا، لكن النحاس-63 يحتوي 34 نيوترونًا في حين يحتوي النحاس-65 على 36 نيوترونًا. يتشابه النظيران في الشكل والسلوك وكلاهما مستقر.

ما لم نكن ندركه قبل 100 سنة هو أن لبعض العناصر نظائر مشعة، بل إن بعض العناصر تكون جميع نظائرها مشعة. الهيدروجين مثلًا له عدة نظائر، أحد هذه النظائر مشع. فالهيدروجين العادي، أو الهيدروجين-1، تتكون نواته من بروتون واحد فقط دون نيوترونات. أما الهيدروجين-2 (الديوتيروم)، لديه بروتون واحد ونيوترون واحد، وهو نادر الوجود في الطبيعة (0.015%)، ويشبه في سلوكه الهيدروجين-1 إذ يدخل في تركيب الماء، وهو مستقر أيضًا لكنه سام في التركيزات العالية.

النظير الثالث، الهيدروجين-3 (التريتيوم)، لديه بروتون واحد ونيوترونين، وهو نظير غير مستقر، لذلك إذا كان لديك عبوة ممتلئة بالتريتيوم وتركتها مليون سنة، ستجده قد تحول إلى الهيليوم-3 (بروتونين ونيوترون واحد) المستقر. هذا التحول يُعرف بالتحلل الإشعاعي radioactive decay.

بعض العناصر مُشعة طبيعيًّا في جميع نظائرها، مثل اليورانيوم، وهو أثقل العناصر المشعة الموجودة في الطبيعة. يوجد 8 عناصر مُشعة طبيعيًّا: البولونيوم والأستاتين والراون والفرانسيوم والأكتينيوم والثوريوم والبروتكتينيوم. وجميع العناصر المُصنعة الأثقل من اليورانيوم مُشعة أيضًا.

التحلل الإشعاعي

التحلل الإشعاعي ظاهرة طبيعية، إذ تتحلل ذرة النظير المشع تلقائيًّا إلى عنصر آخر عبر إحدى 3 عمليات:

  •  تحلل ألفا Alpha decay.
  •  تحلل بيتا Beta decay.
  • الانشطار الذاتي Spontaneous fission.

وينتج 4 أنواع مختلفة من الأشعة:

  •  أشعة ألفا.
  •  أشعة بيتا.
  •  أشعة غاما.
  •  الأشعة النيوترونية.

الأمريسيوم-241، أفضل العناصر المشعة المُستخدمة في كواشف التدخين smoke detectors ، وهو مثال لعنصر يخضع لعملية تحلل ألفا. إذ تقذف ذرة الأمريسيوم-241 تدريجيًّا جسيمات ألفا. يتكون جسيم ألفا من بروتونين ونيوترونين مترابطةً معًا، أي يكافئ نواة الهيليوم-4. تطلق ذرة الأمريسيوم-241 جسيمات ألفا متحولةً إلى ذرة نيبتونيوم-237. وتنطلق جسيمات ألفا بسرعة هائلة تبلغ 16 ألف كيلومتر في الثانية.

يستحيل التنبؤ بمعدل قذف ذرة مفردة من الأمريسيوم-241 لجسيمات ألفا. لكن إذا كان لديك مجموعة كبيرة من ذرات الأمريسيوم، يمكن التنبؤ حينها بمعدل التحلل. إذ تتحلل نصف ذرات الأمريسيوم-241 في غضون 458 عامًا. لذلك نقول إن نصف عمر half-life الأمريسيوم-241 يساوي 458 سنة. لكل عنصر مشع نصف عمر مختلف، يتراوح بين أجزاء من الثانية وملايين السنين، وتختلف بين نظائر العنصر نفسه، فمثلًا نصف عمر الأمريسيوم-243 يساوي 7370 عامًا.

إن عنصر التريتيوم (هيدروجين-3) يُعَد مثالًا على العناصر التي تخضع لتحلل بيتا، إذ يتحلل النيوترون تدريجيًّا إلى بروتون وإلكترون وجسيم ثالث يُسمى النيوترينو، تقذف النواة الإلكترون والنيوترينو ويبقى البروتون في النواة، ويُسمى الإلكترون المقذوف جسيم بيتا. وبهذا تفقد النواة نيوترونًا وتكتسب بروتونًا، لذلك يتحول الهيدروجين-3 نتيجة تحلل بيتا إلى هيليوم-3.

أما في الانشطار الذاتي، تدور الذرة حول نفسها بدلًا من أن تقذف جسيمات. مثلًا تخضع ذرة الفيرميوم-256 الثقيلة للانشطار الذاتي في فترة تحلل تبلغ نحو 97% من الوقت. متحولةً إلى ذرتين. إذ تتحول ذرة واحدة من الفيرميوم-256 إلى ذرة أكسينون-140 وذرة بلاديوم-112، وتقذف 4 نيوترونات (تُسمى النيوترونات السريعة prompt neutrons لأنها قُذفت في لحظة الانشطار). هذه النيوترونات تمتصها ذرات أخرى مسببةً تفاعلات إشعاعية كالتحلل أو الانشطار، أو تصطدم بذرات أخرى مسببةً إطلاق أشعة غاما.

قد يُستخدم الإشعاع النيوتروني Neutron radiation في تحويل الذرات غير المشعة إلى ذرات مشعة، ولهذا تطبيق عملي في الطب النووي nuclear medicine. يتكون الإشعاع النيوتروني في المفاعلات النووية، المُستخدمة في محطات الطاقة وسفن الطاقة النووية ومسرعات الجسيمات، والأجهزة المستخدمة في دراسة الفيزياء دون الذرية.

في حالات عديدة تكون الأنوية التي خضعت لتحلل ألفا أو تحلل بيتا أو الانشطار الذاتي نشطة جدًّا وغير مستقرة. إذ تُطلق طاقتها الإضافية في صورة نبضات كهرطيسية هي أشعة غاما، التي تشبه الأشعة السينية في اختراقها للمادة، لكنها أعلى طاقةً. فأشعة غاما هي طاقة وليست جسيمات مثل أشعة ألفا أو بيتا.

أما فيما يتعلق بموضوع الإشعاعات المختلفة، فتمطر الأشعة الكونية الأرض على مدار الزمن، وتنشأ الأشعة الكونية من الشمس ومن مصادر أخرى مثل انفجار النجوم. إن أكثر الأشعة الكونية (نحو 85% منها) هي بروتونات تسافر بسرعات تقترب من سرعة الضوء، أما النسبة الباقية فهي جسيمات ألفا تسافر بسرعات عالية جدًّا.

هذه السرعات العالية للجسيمات تعطيها القدرة على اختراق الأجسام. فعندما تصطدم بالغلاف الجوي، تصطدم بذراته بطرق مختلفة مشكلةً الأشعة الكونية الثانوية ذات الطاقة الأقل، التي تصطدم بدورها بالعديد من الأجسام الأخرى على الأرض، بما فيها البشر.

إذن نحن نتعرض للأشعة الكونية الثانوية دائمًا، لكنها لا تسبب لنا ضررًا لأنها أقل طاقةً من الأشعة الكونية الأولية، التي تشكل خطرًا على رواد الفضاء في الفضاء الخارجي.

الخطر الطبيعي

إن الذرات والعناصر المشعة التي تتحلل طبيعيًّا هي جزء من الطبيعة، مع ذلك فإن كل هذه الانبعاثات الإشعاعية تشكل خطرًا على الأحياء. تُعرف جسيمات ألفا وبيتا والنيوترونات وأشعة غاما والأشعة الكونية باسم الإشعاع المتأين ionizing radiation. ما يعني أنها تطيح بالإلكترون المداري عندما تتفاعل مع الذرة. إن فقد هذا الإلكترون يسبب مشاكل، تتضمن التأثير على صحة الخلية والطفرات الجينية التي قد تؤدي إلى السرطان.

لما كانت جسيمات ألفا كبيرة نسبيًّا، فإنها لا تستطيع اختراق الأجسام جيدًا. لذلك هي لا تشكل خطرًا على جسم الإنسان من الخارج، لكن إذا أكلت أو استنشقت ذرات تصدر أشعة ألفا قد تسبب الكثير من الضرر لجسمك.

تخترق جسيمات بيتا الأجسام بدرجة أكبر نسبيًّا، لكن ضررها الأكبر يكون أيضًا في حال أُكلت أو استُنشقت. يمكن احتجاز جسيمات بيتا برقاقة من الألمنيوم أو الزجاج. أما أشعة غاما والأشعة السينية فلن يحتجزها سوى الرصاص.

ولما كانت النيوترونات متعادلة الشحنة، فإن لها قدرة اختراق بالغة، ويمكن احتجازها فقط باستخدام طبقة سميكة من الخرسانة الصلبة، أو باستخدام السوائل مثل الماء أو الزيت.

نظرًا لتمتع أشعة غاما والنيوترونات بخاصية الاختراق، يكون لهما تأثيرات عديدة على خلايا الإنسان والحيوانات. القنبلة النيوترونية هي قنبلة تطلق النيوترونات وأشعة غاما بتركيزات عالية فتؤثر تأثيرًا شديدًا على الأحياء.

كما رأينا، النشاط الإشعاعي عملية طبيعية، بل إن أجسامنا تحوي عناصر مشعة مثل كربون-14 المشع. لكن يوجد أيضًا العديد من العناصر المُصنَّعة في البيئة والتي تُعَد مؤذية. وللإشعاع النووي فوائد كثيرة، منها الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء والطب النووي لكشف ومعالجة الأمراض، وله مخاطر كبيرة أيضًا.

اقرأ أيضًا:

كارثة تشيرنوبل النووية

كارثة فوكوشيما النووية

سحابة غامضة من الإشعاع النووي فوق أوروبا تعود إلى الحادث النووي الروسي السري

ترجمة: فارس بلول

تدقيق: رزوق النجار

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر