التجربة الفاشلة : ويكيبيديا مصري – ويكيبيديا المصرية .. كيف أثبتت هذه التجربة فشلها؟

في الرابع والعشرين من نوفمبر عام 2008، أُعلن عن إطلاق نُسخةِ ويكيبيديا المصريّة بشكل رسميًّ، وذلك بعد أشهر من إطلاق النسخة التجريبية وإعلان الموافقة عليها في مؤتمر ويكيمانيا 2008 المقام في مدينة الإسكندريّة.

بالأصل، اقتُرحت فكرة تأسيس ويكيبيديا المصريّة لأول مرة في بداية عام 2008. الأمر الذي فجّر قنبلةً في مجتمع الموسوعة العربيّة، وذلك لأن جميع الأعضاء المؤسسين لمشروع ويكيبيديا المصرية كانوا مستخدمين نشطين في النسخة العربيّة، ولذا أثار مشروعهم هذا سُخط عددٍ كبيرٍ من المساهمين القدامى العرب الذين كانوا على معرفةٍ شخصيّةٍ بهم.

دارَ النّقاش على موقع “ميتا ويكي” (وهو الموقع المختصّ بإدارة مشاريع مؤسسة ويكيميديا التي تعتبر ويكيبيديا واحدةً منها) لأكثر من أربعة شهور، وشارك فيه عددٌ كبيرٌ من الويكيبيديين العرب، وقدّم كلّ منهم حُجَجًا كثيرةً.

لم يكن من الممكن تقديم أدلّةٍ دامغةٍ ضد المشروع، وذلك، ببساطةٍ، لأن ويكيبيديا المصريّة لا تخرقُ أي شرطٍ حقيقيّ من شروط اللغات الجديدة على الميتاويكي.

من شروط النسخ اللغوية الجديدة على ويكيبيديا أن تمثّل لغاتٍ حقيقيّة، لا مجرّد لهجةٍ محليّة، ولكن الحكم على ذلك لا يعود إلى الآراء الشخصيّة، بل يعتمد على أسسٍ أكثر تعقيدًا، حيث ترجع لجنة اللغات في المؤسسة الأم إلى المنظمة الدوليّة للمعايير (ISO) للحصول على الحكم النهائيّ.

تُعطي هذه المنظّمةُ تصنيفاتٍ وأرقامًا تسلسليّة للغات العالم المختلفة، وذلك بحسب أهليّتها لتكون لغاتٍ مستقلّةً. وحسب المنظمة، يوجد أرقام تسلسليّة للهجات عربيّة كثيرةٍ اعتُبرت لغات مستقلّة وقائمةً بذاتها، منها المصرية (arz)، والسودانيّة (apd)، والحجازيّة (acw) .. إلخ.

بناءً على هذه المعلومات، قرّرت لجنة اللغات الجديدة في الميتاويكي أنّه ما من مانعٍ بصنع نسخةٍ من ويكيبيديا باللغة المصريّة.

 

انتقاداتٌ حول ويكيبيديا المصريّة:

قبل إطلاقها الرسميّ، كان هناك تخوّفٌ كبيرٌ من أن يكون ذلك بدايةً لتفكك ويكيبيديا العربيّة، وتمهيدًا لاستقلال لهجاتٍ أخرى عن اللغة الأم، مثل: الشاميّة، والخليجيّة، والعراقيّة .. إلخ. الأمر الذي سيؤدي إلى تشتّت الجهود وضياع اللغة العربيّة وفقدان أهميّتها.

زادت الانتقادات حول ويكيبيديا المصريّة بعد إطلاقها، حيث كان هناك سوءُ تعاملٍ من الإداريين في المشروع ومنعٌ غيرُ مبرّرٍ لكثير من المستخدمين دون نقاش، وافتراض سوء النيّة، بالإضافة إلى أن أغلب المستخدمين فيها لا يهتمّون بإجابة أسئلة أفراد المجتمع في صفحات نقاشهم. كما ثبتُ أيضًا عدمُ فائدتها، إذ أن المدارس والجامعات والمؤسسات البحثية لا تعتمدُ إلا اللغة الفصحى في البحوث والمقالات والوثائق.

بالإضافة إلى ما تقدّم، فإن المصريين أنفسُهم –ومثل ذلك كل البلاد العربيّة- لا يتحدّثون بلهجةٍ موحّدة، إذا أنها تختلف من مدينة أو محافظة إلى أخرى –ولو كان الاختلاف بسيطًا- وهو ما طرح تساؤلًا جديدًا: بأيّ لهجة مصريّة بالتحديد تُكتب ويكيبيديا المصريّة؟

 

مقارنة إحصائيّة بين ويكيبيديا العربيّة والمصريّة .. هل أفاد المشروعُ المصريّين بالفعل؟

  • عدد المحررين النشطين يشمل المستخدمين الذين قاموا بأكثر من 5 تعديلات في الفترة من يناير 2019 حتى يناير 2020.
  • العُمق أو عمق التحرير لويكيبيديا هو واحد من المؤشِّرات العديدة المُمْكِنة التقريبيَّة لجودة تكاتُف الموسوعة، يُبيّن مدى تكرار تحديث المقالات. لا يشير للجودة الأكاديميَّة الَّتي لا يُمكن حَوسبتها، لكنَّ يعدُّ واصِفًا لجودة ويكيبيديا من ناحية عمق التكاتف.

استنادًا إلى الإحصائيّات في الجدول أعلاه، من الواضح جدًّا أن المشروع لم يقدّم إضافةً كبيرة للمصريّين، حيث أنه من كل 29 شخصًا منهم، هناك واحدٌ فقط يدخل إلى ويكيبيديا المصرية، بالإضافة إلى عمق المقالات المتدنّي، وقلّة عدد الزيارات الكلي بشكل كبيرٍ مقارنةً بنظيره للعربيّة.

هل خلق وجود ويكيبيديا المصرية مشكلة لنظيرتها العربيّة؟

من ناحيةً فعليّة، لا يُمكن لنسخةٍ من ويكيبيديا بلهجةٍ عربيّة محليّة أن تحدث تأثيرًا حقيقيّا على ويكيبيديا العربيّة الأم، مثال بسيطٌ يثبت ذلك، دولة هولندا: الدولة الصغيرة التي لا يسكنها سوى 17 مليون شخصًا، والتي يوجد فيها حوالي خمسة وعشرين لهجة معترف بها كلغات مستقلة، وخمس منها على الأقل لها نسخة لغوية خاصة بها في موسوعة ويكيبيديا على شاكلة النسخة المصرية. لكن جميع هذه النسخ متواضعة جدًّا مقارنةً بويكيبيديا الهولندية الأم التي تحتلّ المرتبة السادسة بحوالي مليوني مقالة. أي أنها عمليًّا: لم تتعرّض لأي تأثيرٍ ذي قيمةٍ من نسخ اللهجات المحليّة.

واليوم، وبعد سنواتٍ من إطلاق ويكيبيديا المصرية، بات من الواضح أنها بالفعل لم تشكّل مشكلة كبيرةً على النسخة العربيّة التي تخطت حاجز مليون مقالة العام المنصرم، ومال زال عددٌ كبيرٌ من المحررين والإداريين والمراجعين المصريّين يساهمون في النسخة العربيّة.

كان إطلاقها فرصةً للتعرّف على مدى شعبيّة اللهجة المصرية بين مستخدمي الإنترنت العرب، وكانت النتيجة سلبيّة بسبب المحتوى الشحيح لها حتّى اليوم، وكذلك، فإنها لم تعد تثير مخاوف وقلق محرّري النسخة العربية.

 

مصادر: