حقق باحثو قسم الطاقة في مختبر مركز ستانفورد لمسرعات الجسيمات الخطية (SLAC) تقدمًا واعدًا في مجال الكاميرا الإلكترونية عالية السرعة، التي ستسمح بتصوير التحركات الدقيقة فائقة السرعة للبروتونات والإلكترونات في التفاعلات الكيميائية، التي لم تُلاحظ من قبل، ما سيمكن العلماء من تصميم عمليات كيميائية أكثر فعالية وابتكار مواد مستقبلية بخصائص جديدة، إضافةً إلى تطوير عقاقير لمكافحة الأمراض.

تتضمن هذه التقنية الجديدة نوعًا من الضوء المعروف باسم إشعاع تيرا هيرتز ، وهو أفضل من إشعاع التردد الراديوي الاعتيادي، إذ يتحكم في إشعاعات الإلكترونات التي تستعملها الأداة، ما يسمح للباحثين بالتحكم في سرعة لقطات الكاميرا والتقليل من تأثير الارتعاش أو تقطّع التوقيت، ومن ثم القدرة على تسجيل الخط الزمني لتغيّر الذرات أو الجسيمات.

ربما يقود هذا المنهج أيضًا إلى مسرعات جسيمات أصغر حجمًا، لأن الطول الموجي لإشعاع تيرا هيرتز أصغر بنحو 100 مرة من الموجات الراديوية، ما يعني أن الأدوات التي تستخدمه أكثر إحكامًا.

تقنية إشعاع تيرا هيرتز تفتح بابًا جديدًا لدراسة السلوك الذري - الكاميرا الإلكترونية عالية السرعة - الطول الموجي لإشعاع تيرا هيرتز

كاميرا سريعة

تستخدم كاميرا مركز ستانفورد الإلكترونية أو أداة حيود الإلكترونات فائقة السرعة (MeV-UED) حزمًا عالية الطاقة من الإلكترونات، تتحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء، لتلتقط فيلمًا -سلسلة من اللقطات- للنشاط بين الجزيئات وداخلها. استُخدمت هذه الآلية في تصوير كيفية تكسر جزيء حلقي الشكل عند تعريضه للضوء، ولدراسة العمليات على المستوى الذري في أثناء صهر التنغستن، الذي قد يُستخدم في تصميم المفاعلات النووية.

تعمل التقنية عبر توجيه حزم من الإلكترونات نحو الجسم الهدف وتسجيل تبعثرها عند تفاعلها مع ذرات الهدف، تحدد حزم الإلكترونات سرعة إغلاق الكاميرا الإلكترونية، وكلما كانت الحزم أقصر زادت سرعة التحركات التي يمكن التقاطها بصورة واضحة.

تقول قائدة الدراسة إيما سنيفلي من مركز ستانفورد: «يبدو الأمر كما لو كان الزمن يتوقف للحظة«.

إيما سنايفلي ومحمد عثمان يعملان على كاميرا الإلكترون عالية السرعة في المختبر، وهي أداة لحيود الإلكترون فائق السرعة (MeV-UED)

إيما سنايفلي ومحمد عثمان يعملان على كاميرا الإلكترون عالية السرعة في المختبر، وهي أداة لحيود الإلكترون فائق السرعة (MeV-UED)

لهذا يهدف العلماء إلى أن تصيب حزم الإلكترونات الهدف في نفس التوقيت قدر الإمكان، من طريق دعمها بدفعة صغيرة من الطاقة لمساعدتها على اللحاق بالإلكترونات في المقدمة.

حتى الآن، استعمل العلماء موجات الراديو لمنح هذه الطاقة، لكن التقنية الجديدة التي طورها فريق مركز ستانفورد تستعمل الضوء في ترددات تيرا هيرتز عوضًا عن ذلك.

تكمن الميزة الرئيسية في استعمال إشعاع تيرا هيرتز في كيفية اختصار التجربة لطول حزم الإلكترونات. أطلق العلماء شعاع الليزر على قطب نحاسي لدفع الإلكترونات وخلق إشعاعات من الحزم، واستعملوا عادةً موجات الراديو لاختصار طولها حتى وقت قريب.

تدفع موجات الراديو كل حزمة إلكترونات بكمية مختلفة قليلًا من الطاقة، لذلك تختلف الحزم فيما بينها في سرعة وصولها إلى الهدف، ويسمى هذا التباين الزمني الارتعاش أو التقطّع، ويقلل من قدرة العلماء على دراسة العمليات السريعة وتحديد الإطار الزمني لكيفية تغير الهدف بدقة.

أما تقنية تيرا هيرتز فتقسم شعاع الليزر إلى اثنين، يضرب أحدهما القطب النحاسي منتجًا حزمًا من الإلكترونات كما في السابق، في حين يولد الثاني نبضات إشعاع تيرا هيرتز لاختصار طول حزم الإلكترونات، تتزامن حزم الإلكترونات ونبضات تيرا هيرتز مع بعضها، ما يقلص الارتعاش الزمني بين الحزم.

نزولاً إلى الفيمتو ثانية

يتمثل الابتكار الرئيسي في هذا البحث في صنع تجويف في مسرع الجسيمات يُسمى الضاغط، وهو قطعة معدنية مصقولة بعناية، صغيرة كفاية لتوضع في راحة اليد، في داخل الجهاز تختصر نبضات تيرا هيرتز حزم الإلكترونات وتعطيها دفعة موجهة وفعالة.

تمكن الفريق نتيجة ضغط الحزم من الاستمرار لبضع من عشرة أجزاء من الفيمتو ثانية، هذا الضغط ليس مساويًا لما تستطيع تقنية تردد الراديو التقليدي أن تصل إليه اليوم، لكن القدرة على خفض الارتعاش في الوقت ذاته يجعل منهج تيرا هيرتز واعدًا، لأن الضواغط الصغيرة الممكنة تعني تكاليف أقل مقارنةً بتقنية تردد الراديو.

يقول محمد عثمان الباحث في فريق مركز ستانفورد: «تُنتج مخططات ضغط تردد الراديو حزمًا أقصر، لكن الارتعاش يكون عاليًا جدًّا. إذا أنتجت حزمة مضغوطة وقللت الارتعاش أيضًا فستتمكن من التقاط عمليات سريعة جدًّا لم نتمكن من رصدها من قبل«.

في النهاية يقول الفريق أن الهدف هو ضغط حزم الإلكترونات نزولًا إلى فيمتو ثانية، حينها سيتمكن العلماء من رصد الجداول الزمنية السريعة للغاية للسلوك الذري في التفاعلات الكيميائية الأساسية، مثل انفصال روابط الهيدروجين والانتقال الفردي للبروتونات بين الذرات، وهي عمليات لم نتوصل إلى فهم كامل لها بعد.

يقول إيميليو ناني من مركز ستانفورد: «في حين نبحث في كيفية تفاعل الإلكترونات مع موجات تيرا هيرتز، نبني أداةً يستطيع علماء آخرون استخدامها لاستكشاف المواد والجزيئات بطريقة لم تكن ممكنةً من قبل، وهذا أحد أهم جوانب البحث وأكثرها فائدة«.

اقرأ أيضًا:

مصارعة الجسيمات دون الذرية

الإلكترونات في سرعتها القصوى

ترجمة: أسامة ونوس

تدقيق: إبراهيم قسومة

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر